بعد توقّف المصارف التجارية في لبنان عن منح القروض المصرفيّة لخمسة أعوام على التوالي، برز الحديث مؤخّرًا عن إعادة التسليف الذي حتماً يأتي في صلب وظيفتها ومبرر وجودها. لكن في ظل الأزمة التي تعيشها المصارف أسئلة كثيرة تراود أذهان اللبنانيين سيما المودعين منهم كيف للمصرف الذي احتجز أموال المودعين ولا زال، من دون وجه حقّ ومن دون أيّ مستند قانوني، أن يأتي اليوم ليمنح القروض بفوائد، وكأنّ شيئًا لم يكن؟ هل يعني ذلك تكريسَ معادلة “عفا الله عما مضى”؟ و هل تمتلك المصارف سيولة كافية لمنح القروض وإذا كانت تمتلكها لماذا لا توظّفها في ردّ أموال المودعين؟
والسؤال الأهم الذي برز إثر الأزمة في العام ٢٠١٩ وتفلت سعر صرف الدولار، هو في ظل عدم وجود قانون يجبر المقترض على رد القرض بالعملة التي اقترض بها أليس هناك خوف من ان يواجه المواطنون والمصارف مشاكل في هذا الخصوص ؟
وفق معلومات عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري هناك اتجاه باستعادة المصارف لممارسة دورها بالتسليف وحاكم مصرف لبنان الدكتور وسيم منصوري حثها على هذا الأمر .
الخوري لفت في حديث للديار إلى “أن المصارف قادرة على التسليف لأن لديها أموالاً تودعها في مصارف أجنبية في الخارج وتحصل على فائدة مرتفعة وتحقق أرباحاَ دون مخاطر، موضحاً ان دور المصارف هو أن تستقبل الودائع وتقرض هذه الودائع للإقتصاد أو للحكومة، مؤكداً على حاجة ودور هذه الأموال التي تجمعت لدى المصارف سيما بعد فتح حسابات الفريش بتمويل الإقتصاد “.
ورداً على سؤال حول قانونية التسليف قبل رد الودائع قال الخوري “لا شيء يمنع المصارف من التسليف طالما لم يصدر قوانين واضحة بخصوص كيفية التعامل مع الودائع المحجوزة في المصارف وطالما لا يوجد عائق قانوني مباشر يمنع المصارف من التسليف مشيراً إلى عائق أكبر وهو قانون النقد والتسليف الذي يلزم المصارف برد الأموال لأصحابها، “وهذه المسألة إشكالية لسبب رئيسي هو ان القضاء اللبناني لم يتعامل بطريقة منصفة وعادلة مع أزمة المودعين ،وحتى اليوم لا يوجد إطار ولا رؤية حول كيفية حل مشكلة الودائع، ومن حيث الحق والعدل وأصول العمل المصرفي لا يمكن التسليف او الإقراض طالما لم يتم تسديد الديون المتوجبة على هذه المصارف”.
وحول التخوف من أن يواجه المواطنون والمصارف مشاكل في ظل عدم وجود قانون يجبر المقترض على رد القرض بالعملة التي اقترض بها يرى الخوري “أن هذا الأمر ليس مشكلة حقيقية بل هي مشكلة تطرحها المصارف من اجل التهرب من فكرة الإقراض، لأنهم مرتاحون بهامش الفائدة الذي يحققونه في المصارف الدولية على الودائع الجديدة وعلى أصولهم الخاصة التي ما زالت موجودة لديهم في المصارف الأجنبية ،” فكما هناك قوة الإبراء لليرة اللبنانية هناك قانون الموجبات والعقود الذي يصاغ عقد القرض بناءً عليه ” .
ورأى الخوري “ان المشكلة الحقيقية بالإقراض هي بالرد على سؤال هل يجوز للمصارف في دولة غير الولايات المتحدة الأميركية أن تٌقرض بالدولار الأميركي ،” و هذا السؤال طٌرح عشية إنهيار المصارف في العام ٢٠١٩ و الذي لم يتم التركيز عليه من حيث أدبيات العمل المصرفي”،مؤكداً انه لا يجوز أن تٌقرض المؤسسات المصرفية لأي دولة بعملة غير عملتها لأن هذا الأمر يولٍد حجم ودائع كبير بعملة ليس هناك سيطرة عليها”.
ويشرح الخوري :”طبيعة الإقراض تؤدي إلى خلق ودائع جديدة أي مثلاً كلما تم إقراض ألف دولار هذه الألف دولار تصرف في السوق ثم تدخل كوديعة ثانية أي يصبح هناك وديعتان الوديعة الأساسية بقيمة ألف دولار والوديعة الثانية غير موجودة كاش،” وهذا ما يسمى المضاعف النقدي الذي يؤدي من خلال الإقراض إلى تضخيم قيمة الإلتزامات بعملة ليس لدينا السيطرة عليها ” ، لافتاً إلى أن الدول تقرض بعملتها الخاصة لأنها تخاف من تضخيم حجم الإلتزامات بعملة ليس للدولة سيطرة عليها “.
ووفقاً للخوري” لو كان كل القروض المصرفية في لبنان بالليرة اللبنانية لما كانت برزت أزمة العام ٢٠١٩ وما كنا ضحينا بإلتزامات ليست موجودة لدينا وما كانت ترتبت علينا هذه الإلتزامات ولم يكن ليقع القطاع المصرفي بناءً على تضخيم هذه الإلتزامات” .
وإذ شدد الخوري على ضرورة “عدم الإقراض إلا بالعملة اللبنانية رأى ان الإقراض بالعملة اللبنانية شبه مستحيل اليوم لأنه لا يوجد كتلة نقدية بالليرة اللبنانية وهناك خوف من توسيع الكتلة النقدية لأنها ممكن أن تؤثر على سعر الصرف ، وإذا كان من غير الممكن الإقراض بالليرة اللبنانية لكن التفكير الإقتصادي السليم يؤكد أنه لا يمكن الإقراض بالدولار لأنه سيجرنا مرة ثانية إلى أزمة تشبه أزمة العام 2019”.
ولا يعتقد الخوري بان الوضع المصرفي الحالي “مؤهل لأن يستأنف عملياته المصرفية العادية قبل إعادة هيكلته، “ويجب ان نعرف بأي إتجاه ستذهب مشكلة الودائع ويجب ان نعرف طبيعة القيادة المصرفية الجديدة ويجب ان يكون هناك أمانة وثقة وطبيعة قيادات شخصية غير متورطة في المرحلة السابقة، كي نتمكن من إنشاء قطاع مصرفي جديد الذي يجب ان يستفيد من الأزمات الماضية التي مرت ويستفيد بأننا خاطرنا بأموال المودعين من اجل تمويل دولة هامشية وتمويل الإستهلاك بدلاُ من تمويل الإنتاج “.