عندما «نشطت» عمليات حرق النفايات في لبنان عام 2015، عقب اندلاع الأزمة الشهيرة، ظهرت في نهاية العام نفسه في هواء لبنان، للمرة الأولى، مادة الـ«داي بنزو أنثراسين» (Dibenzoanthracene) التي تعدّ من المواد المُسرطنة من الدرجة الأولى بحسب معايير منظمة الصحة العالمية.
حينها، وثّقت الوحدة البحثية في فريق عمل إدارة النفايات الصلبة في الجامعة الأميركية في بيروت (التي تولّت قياس مستويات الملوِّثات الضارة الصادرة عن الحرائق)، وجود مجموعة من المواد الكيميائية العالية السمّية تؤدي إلى الإصابة بالسرطان في الهواء المحيط الناتج عن ظاهرة حرق النفايات، وهي الـ«ديوكسين» والـ«هيدروكربونات» العطرية المتعددة الحلقات. ولعلّ أخطر ما خلص إليه الفريق، يومها، أن كميات الـ«ديوكسين» المسرطنة تضاعفت 416 مرة مقارنة بنتائج دراسة أجريت عام 2014 في إحدى المناطق الصناعية في لبنان، الأمر الذي رفع نسب الإصابة بالسرطان من معدّل شخص بالغ وأربعة أطفال من أصل مليون نسمة يتعرضون لتلك الانبعاثات على فترة حياة كاملة، إلى 34 بالغاً و176 طفلاً من كل مليون نسمة في المناطق السكنية المكتظة، حيث تُضرم الحرائق في أكوام النفايات.
«عودة» أزمة النفايات واللجوء إلى حرقها للتخلّص منها، يعيد إلى الأذهان مخاطر هذه الممارسات التي بدأت تشهدها بعض الشوارع الداخلية لبيروت، وبالتالي «استعادة النتائج نفسها تقريباً»، وفق رئيسة فريق عمل إدارة النفايات الصلبة في الجامعة الدكتورة نجاة صليبا، مشددة خصوصاً على خطورة الـ«ديوكسين» التي تُعدّ، الأخيرة، وفق البروفيسور في العلوم الجرثومية وسلامة الغذاء في جامعة جورجيا عصمت قاسم، من الملوّثات الثابتة التي تبقى في الهواء وتعلق على السطوح كالأجسام الجامدة والأجسام الحية، وهي تنجم عن الاحتراق غير الكامل للمواد من ضمنها عمليات حرق الدواليب مثلاً.
وإلى خطورة حرق النفايات، ثمة شق صحي وبيئي أكثر خطورة مرتبط بـ«تفاعل» النفايات مع المياه، وتكرار سيناريو جرف سيول الأمطار للنفايات المتراكمة على الطرقات، ما يؤدّي إلى اختلاط رواسب النفايات مع مياه الأنهر وصولاً إلى المياه الجوفية، «ويتسبّب في تلوث كيميائي خطير وأمراض مستعصية». وهو ما حذرت منه مصلحة الأبحاث الزراعية، عام 2016، عندما كشفت عن ظهور السالمونيلا في مياه العينات التي خضعت لتحاليل وتضاعف أعداد الجراثيم بشكل صاعق في مياه الأنهر والينابيع.
ويحذّر قاسم من أن جرف المياه للنفايات – التي تستقطب الكثير من أنواع البكتيريا – ينقل كمّاً كبيراً من الجراثيم إلى مصارف المياه، وبالتالي إلى مياه الأنهار والبحار، «وهو أمر له تداعيات صحية بالغة الخطورة نظراً لتفاقم الأمراض المستعصية والقاتلة»، لافتاً في الوقت نفسه إلى النفايات الطبية غير المفروزة التي تتعرض للحرق أو «تتسلل» إلى المياه، «وهذه تأثير تفاعلها قد يكون مُضاعفاً».
قال وزير البيئة ناصر ياسين لـ«الأخبار» إن الوزارة تعمل حالياً، مع الإدارات المعنيّة، على وضع حلول مرحلية لتفادي الأزمة وتأثيراتها على الصحة والبيئة، «وفي الوقت عينه نضع استراتيجية وطنية متكاملة تؤسّس للفرز من المصدر وإعادة التدوير، على أن نضع خططاً محلية لإدارة النفايات على مستوى اتحادات البلديات»، مُشيراً إلى أنه منذ منتصف التسعينيات «كانت الخطط الحكومية في ما يتعلق بإدارة النفايات خطط طوارئ أو حلولاً مؤقتة».
ذكرت رئيسة فريق عمل إدارة النفايات الصلبة في الجامعة الدكتورة نجاة صليبا أن الأكاديمية البيئية في الجامعة «تتواصل حالياً مع عدد من البلدات الصغيرة لمساعدتها على وضع تصور علمي ممنهج بشأن كيفية إدارة النفايات لإيجاد حل مستدام لأزمة النفايات»، لافتة إلى أن «التعاون مع البلدات ومنظمات المجتمع المدني لإعادة تأهيل بعض المكبّات العشوائية ووضع حلول مستدامة من شأنه أن يحدث فرقاً».