هناك شبه إجماع قانوني على انّ التعاميم التي أصدرها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات أمس، نجحت في وضع معايير إجرائية لكيفية تطبيق قانون السرية المصرفية. وكل المواقف تقريباً، اعتبرت انّ التعميم موضوعي وضروري ومطلوب، لعدم الجنوح في تطبيق القانون.
أصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات تعميمين أمس، وجّه الاول إلى جميع النيابات العامة، طلب بموجبه الامتناع عن طلب اي معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال، وشرح في التعميم الثاني آلية تطبيق قانون السريّة المصرفيّة الجديد.
وفي التفاصيل، فقد طلب القاضي عويدات من جميع النيابات العامة في كل المحافظات اللبنانية، بما فيها النيابة العامة المالية ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، الامتناع عن طلب اي معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال. ودعا النيابات العامة إلى الامتناع عن طلب معلومات من المصارف لها صفة العمومية وغير متعلقة بوقائع مادية محددة.
وشدّد على عدم طلب أيّ معلومات تعرّض أيّ شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخّل بخصوصياته أو تمسّ بشرفه وسمعته، مع التشديد على سرية المحافظة على الطلبات والمعلومات التي تمّ الاستحصال عليها من المصرف المعني، والمحافظة على البيانات الشخصية، بالإضافة إلى تحديد هوية الأشخاص المعنيين بالطلب، بشكل لا يثير أي التباس حول تشابه أسماء لدى المصرف المعني.
وبعد الاستنسابية التي شابت قانون رفع السرية المصرفية الذي صدر في تاريخ 3 تشرين الثاني من العام 2022، وبعدما حظّرت على المصارف التذرّع بسرّ المهنة او بسرّية المصارف، وأوجب عليها تقديم جميع المعلومات المطلوبة فور تلقّيها طلباً من القضاء المختص، ولما هناك من موجب لطلب رفع السرية المصرفية في معرض التحقيقات الأولية التي تجريها النيابات العامة المختصة وحفاظاً على مبدأ حماية البيانات الشخصية، أصدر عويدات تعميماً طلب فيه التقيّد بآلية الاستحصال على معلومات مصرفية مطلوبة من المصارف وفقاً لما يلي:
– توجيه طلب الاستحصال على معلومات مصرفية إلى رئيس مجلس الادارة او المدير العام في المصرف المعني.
– تحديد المعلومات المطلوبة سواء كانت نفقات حسابية او اي معلومات او مستندات مصرفية اخرى.
– تضمين طلب الاستحصال على المعلومات موجزاً للأفعال، والإشارة الى انّ الطلب يرتكز على أدلة استجمعتها السلطة القضائية ادّت إلى وجود شبهة ما تستوجب استكمالها بالمعلومات المطلوبة والاشارة اليها، دون الكشف عن مضمونها.
– تحديد المعلومات المطلوبة وأثرها المباشر على القضية، على ان تكون محصورة بالأشخاص المشمولين بالطلب دون سواهم.
– تحديد الفترة الزمنية المشمولة بطلب الحصول على المعلومات المصرفية.
– منح المصرف مهلة زمنية كافية ومعقولة في سبيل الإجابة عن طلب الاستحصال على المعلومات، بعد الأخذ بالاعتبار كمية المعلومات المطلوبة ودرجة صعوبة استخراجها.
– المحافظة على سرّية الطلبات وعلى سرّية المعلومات التي تمّ الاستحصال عليها من المصرف المعني، والمحافظة على سرّية البيانات الشخصية إلى حين صدور قرار ظني او إحالة الاوراق إلى المحكمة المختصة، حفاظاً على سرّية التحقيق، تحت طائلة المسؤولية الجزائية، وإعادة المستندات التي تتضمن المعلومات المصرفية إلى المصرف في حال حفظ الملف بناءً للطلب.
– إخضاع الخبراء المكلّفين بأداء مهام في اطار التحقيقات الاولية لأحكام المادة 42 من قانون اصول المحاكمات الجزائية لجهة الحفاظ على سرّية البيانات والمعلومات المتعلقة بالتحقيقات.
– الإتاحة للمصرف المعني خلال مهلة معقولة، فرصة طلب أي ايضاحات او استفسارات حول ماهية المعلومات المطلوبة او هوية الاشخاص المعنيين بالطلب.
– الإمتناع عن طلب اي معلومات مصرفية لا تتعلق بالدعاوى المتعلقة بجرائم الفساد والجرائم الواقعة على الاموال، وفقاً لأحكام قانون العقوبات وتعديلاته (مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب) ودعاوى الإثراء غير المشروع .
– الإمتناع عن طلب معلومات لها صفة العمومية وغير متعلقة بوقائع مادية محدّدة، لها تأثير مباشر على التحقيق الاولي المفتوح لدى النيابة العامة طالبة المعلومات.
– الإمتناع عن طلب أية معلومات مصرفية تعرّض اي شخص على نحو تعسفي او غير قانوني لتدخّل في خصوصياته او تمس شرفه او سمعته.
– التقيّد بأحكام المادة 16 من قانون اصول المحاكمات الجزائية والتعاميم السابقة ذات الصلة، خصوصاً لجهة ابلاغ النائب العام لدى محكمة التمييز عن الجرائم الخطرة والتقيّد بتوجيهاته في شأنها.
مرقص: معايير في محلها
وتعليقاً على تعاميم عويدات، قال رئيس منظمة «جوستيسيا الحقوقية» المحامي الدكتور بول مرقص لـ«الجمهورية»، «انّه بعيداً من الخلفية او الإطار الذي تأتي بمناسبته هذه الإجراءات، او التي تتصل بالمسار القضائي الذي تأخذه القاضية غادة عون، الّا انّ تعميم النائب العام التمييزي لناحية وضع معايير إجرائية لكيفية تطبيق القانون 306، جاءت في محلها، وكانت ضرورية لعدم الجنوح في تطبيق القانون المذكور، لأنّه استثناء على الحياة الخاصة، ولأنّ القانون المذكور لم يترافق للأسف مع قانون لحماية البيانات الشخصية للمواطنين وعملاء المصارف، بحيث جاء يعرّض ادارة هذه البيانات للشطط، فضلاً عن إغفاله لكثير من المعايير الضامنة للحقوق الشخصية والحرّيات الخاصة، وبالتالي فإنّ الالتزام بهذا التعميم من قِبل النيابات العامة أساسي، مع التشديد على ضرورة تنزيه هذا القانون من الشوائب التي علقت به لناحية الغموض والالتباسات التي جاء بها، وايضاً إرفاقه بمعايير وضمانات للتظلّم من قِبل العميل ولحسن إدارة البيانات الشخصية، وهي الامور التي اغفلها القانون المذكور».
اضاف مرقص: «انّ هذا القانون يعبّر عن الذهول في أصول التشريع الذي اصبح علماً يُدرّس، وفيه من القواعد والاصول والمعايير التي أغفلها القانون، المذكور أسوة بكثير من التشريعات التي تصدر دون اتباع اصول التشريع المذكورة في الآونة الاخيرة».
صقر: ما الغاية منه؟
من جهته، رحّب المتخصّص في الشؤون المصرفية المالية المحامي مروان صقر عبر «الجمهورية»، بتعميم عويدات، واصفاً اياه بالموضوعي والواضح، معتبراً انّه «خطوة ايجابية لناحية تنظيم كيفية طلب معلومات لم تعد مغطاة بالسرّية المصرفية». لكنه تساءل «إذا ما كان الغاية منه فقط الحفاظ على البيانات الشخصية كما يذكر التعميم، ام لوضع عراقيل في وجه تحقيقات القاضية غادة عون ومحاولة لردعها؟». ورأى صقر، انّ «ابرز ما تضمنه التعميم هو البند المتعلق بتحديد المعلومات المصرفية المطلوبة بشكل واضح، اي انّ على القاضي ان يحدّد المعلومة المصرفية التي يريدها والأسباب الكامنة وراء طلبه، وكيف تؤثر هذه المعلومة على الملف الذي يتمّ التحقق فيه، بما يقطع الطريق أمام اي طلب قضائي برفع السرية المصرفية بالمطلق عن العملاء (اي طلب كل الاوراق والمستندات المتعلقة بفرد علّ القاضي يجد اثباتاً ما)، وهو الاسلوب الذي اعتمدته القاضية عون في تحقيقاتها».