توفّر تطبيقات الكترونية جديدة، وسيلة لصمود الأطباء، ويدفعهم للتكيّف مع الأزمات بما يحدّ من نزيف الكفاءات وهجرتها، كما يوفر خدمة ممتازة للمرضى لمتابعة رحلة العلاج مع أطباء اختاروا الهجرة.
فالهجرة شبه الجماعية للأطباء اللبنانيين وضعت مَن بقي منهم في لبنان أمام تحدي البقاء، ووضعت المرضى الذين هاجر أطباؤهم، أمام معضلة البحث عن “طبيب بديل” يطمئنون إليه، ومن بينهم مؤسس منصة trakMD، التي ولدت من رحم هذه الأزمة. وبعد 4 أعوام من تأسيسها، تربط الأطباء اللبنانيين ومرضاهم من مقيمين ومغتربين، بعضهم البعض عبر خدمة الـTelemedecine أو حجز المواعيد الطبية في العيادة الافتراضية عبر تقنية الفيديو.
ثلاثة تطبيقات أساسية في لبنان تعتمد اليوم تقنية الـtelemedecine، هي DRAPP وSohatiDoc وtrakMD. في السياق، يكشف مدير عام trakMD حسين عيسى التي كانت أول من نقل هذه التجربة العالمية الى لبنان أننا “بصدد نقل خبرتنا الفنية في المجال لمستشفيات جامعية لبنانية عريقة، تسعى بدورها لتبني التجربة، بهدف تفعيل السياحة الطبية في لبنان والمساهمة كذلك في الحفاظ على الأطباء فيه من خلال عائدات لهم من مرضاهم في الخارج بالفريش دولار.
حلول من قلب الأزمات
ويروي عيسى في حديثه لـ”المدن”، كيف بدأت فكرة المنصة لحجز المواعيد في العيادة بناء على تجربة شخصية للمؤسس الذي وجد صعوبة في الوصول الى طبيب بديل عن طبيبه الذي كان مسافراً. وهدفت المنصة بداية تأسيسها العام 2018 للربط بين الأطباء ومرضاهم، مع تبيان اختصاص كل طبيب والأوقات التي يتوافر فيها من خلال جدول مواعيد، وهي اليوم تغطي أكثر من 20 اختصاصاً طبيّاً.
لكن سرعان ما أخذت المنصة منحى آخر مع انتشار وباء “كورونا”. فإضافة للحجوزات في العيادات الخاصة للأطباء، وفّرت تقنية الحجز للمواعيد “من بعد” عبر تقنية الفيديو telemedicine، لتزود الخدمة الطبية الرقمية، وتكون وسيطاً بين الطبيب ومريضه.
وغالبية المواعيد عبر الفيديو تكون إما استشارة وإما متابعة طبية. فيما أكثر الاختصاصات التي تستقطب المواعيد من بعد، هي علم النفس، وأمراض الغدة والسكري والتغذية، أي الأمراض التي لا تحتاج متابعتها لفحص عيادي دوري، فيما تساهم تقنية عرض الفحوص الطبية عبر المنصة، بتوفير مناخ عيادي مؤات للاستشارة والمتابعة من بعد.
عيادة متنقلة
في حديثها لـ”المدن”، تروي رهف، وهي إحدى المريضات التي تستخدم الخدمة الطبية عبر الفيديو الـtelemedicine، تجربتها، فهذه الخدمة “تؤمن لي تحديد موعد عيادي عبر الانترنت، يتناسب ودوام عملي، ويريحني من عبء المواصلات وكلفتها، سيما عندما تكون المتابعة او الـfollow Up سريعة، والأهم أن هذه الخدمة تحافظ على مستوى الخدمة الطبية التي أتلقاها”.
هذه الخدمة لا تستقطب اللبنانيين المقيمين وحسب، فالهجرة لم تقتصر على الأطباء. في السياق، يلفت عيسى إلى “إقبال المغتربين اللبنانيين على المنصة، لا سيما المغتربين حديثاً، والذين يفضلون الإبقاء على أطبائهم المفضلين في لبنان لمتابعة حالتهم الطبية”.
350 طبيباً والقبض بالفريش
ويضم مجتمع trakMD وحده 900 طبيب لبناني، قرابة 350 منهم يأخذون حجوزات عبر تقنية الـtelemedicine، حيث هناك حوالى 250 حجزاً لمواعيد “من بُعد” شهرياً، والرقم في ازدياد مستمر.
وتتميز هذه المنصات بإتاحتها فرصة للطبيب لتحديد كلفة موعده الطبي، وتمتاز بخاصية الدفع أونلاين، والدفع بالليرة للبنانيين للمقيمين، وبالدولار للمغتربين والأجانب، ما يؤمن مدخولاً بالدولار عبر حجوزات المرضى من الخارج، ويعوض تراجع قيمة المدخول للطبيب اللبناني، خصوصاً مع صعوبة دولرة المواعيد للبنانيين المقيمين، الذين باتت الطبابة عبئاً ثقيلاً عليهم في بلد ثلث سكانه تحت خط الفقر.
السريّة الطبيّة
أخصائية الغدد الصماء وأخصائية السكري، الطبيبة روان صعب، تضيء بدورها على أهمية “السرية الطبية” والتي لا تقل أهمية عن “السرية المصرفية”، لافتة إلى أنه مع وباء كوفيد، ازدادت الحاجة لمنصات آمنة يتكلم فيها المرضى عن حالتهم الطبية من دون مخاوف، وهو ما أمنته بالفعل منصات الـtelemedicine.
ولا تنكر صعب أنّ الـtelemedicine لا يغني عن قدسية الفحص السريري للمريض. فالمريض بالنسبة للطبيب “هو كيان واحد”، والبُعد الإنساني للمهنة ثابت مهما تطورت، فقدرة الطبيب على فحص مريضه هي امتياز كبير وشيء “مقدس”، وتبقى للفحص السريري مكانته مهما تطور الطب عالمياً.
وبرأيها، تكتسب تقنية حجز المواعيد الطبية عبر الفيديو، أهميتها بالدرجة الأولى عندما تكون المواعيد بمثابة “متابعة” أو “استشارة”. كما أنها حل مثالي في ظل انتشار الأوبئة والإنفلونزا، عدا عن أنها تمتاز بتقنية الصوت والصورة، أي أنها تحافظ على التفاعل بين المريض وطبيبه، فإذا كان المريض “يتعلق بحبال الهواء” في سبيل الشفاء، فملامح وجه الطبيب عند رؤيته الفحوص الطبية، هي أول أمل يتمسك به المريض، وهو ما لا يؤمنه اتصال هاتفي، لكن تؤمنه تقنية الـtelemedecine.
الطبيب اللبناني: سمعة “عالمية”
تعود صعب بعد عمل مضن في العيادة لمنزلها، لتتابع مريضاً او مريضين عبر تقنية الفيديو. في السياق تقول: “كما أستغرق مدة ساعة مع مريضي في العيادة، أستغرق ساعة مع مريضي عبر تقنية الفيديو، مشددة على أنها “تقنية ممتازة لمن يستخدمها بضمير”.
هذا ولا تقتصر حجوزات المرضى على مرضانا الذين هاجروا وحسب، تؤكد صعب، فـ”صيت” الطبيب اللبناني “سابقه” على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالقطاع الاستشفائي، بدليل أنّ الكثير من مرضانا عبر تقنية الفيديو هم أجانب عملوا في لبنان في منظمات عالمية ولمسوا جودة خدماتنا ومستوى الأطباء اللبنانيين العالمي، ويحبون طرائق علاجنا، بل إن بعض مرضانا هم أجانب لم يزوروا لبنان يوماً، سواء من أميركا وأوروبا وغيرهما، فسمعة الطبيب اللبناني “عالميّة”.
العالم سبقنا بأشواط
ويجمع كل من عيسى وصعب على أن العالم سبقنا بأشواط. ففي الخليج باتت تقنية الـtelemedicine أمراً عادياً جداً، بينما وصلت الدول المتقدمة طبياً اليوم لتقنية مراقبة المرضى من بُعد، خصوصاً للأمراض المزمنة، أو ما يعرف بالـRemote Patient Monitoring.
وقد لا تحل الـtelemedecine أزمة أطباء لبنان بالكامل، لكنها ربما تضمن لهم الصمود بالحد الأدنى في الأزمة، وهو ما ليس متوفراً لجميع المرضى اللبنانيين، غير القادر بعضهم على دفع كلفة طبابته، ولو بالليرة!