ارتأت نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان أن “تعيّد” المواطنين بزيادة على فاتورتهم الاستشفائية. ووجّهت النقابة كتاباً إلى جمعية شركات التأمين تطلب من خلاله تصحيح بدلات الخدمات ضمن الفاتورة بنسبة تصل إلى 15%، مع تحديد مهلة زمنية للدفع أقصاها الشهر المقبل، قبل أن تبدأ بتدفيع المواطنين هذه الفوارق. وإذ ترفض جمعية الشركات حتى اللحظة الراهنة القرار جملة وتفصيلاً، إلا أن من سيبتلع هذا القرار مهما تكن نتائجه هو المريض الذي لديه تأمين. فإذا ما جرى التوافق على هذا القرار، فإن هذه الـ 15% ستدفّعها شركات التأمين للمواطنين. وإذا ما رفض القرار، فإن المستشفيات ستحصّل هذا المطلوب من جيوب المرضى. وفي كلتا الحالتين، الكارثة ستحلّ على المواطن دون سواه.
وتستند نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في أسبابها الموجبة لرفع الفاتورة الاستشفائية إلى حسابات السنوات الخمس الماضية من عمر الأزمة المالية، التي أدّت إلى خسارة ممتدّة في المؤسسات الصحية الاستشفائية، بحسب ما يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، الدكتور سليمان هارون. الذي يضيف أن هذه المؤسسات اتّخذت خلال السنوات الماضية خطوات تصحيحية لاستعادة جزء من تعرفاتها السابقة ما قبل أزمة العام 2019، إلا أنها لم تصل إلى “نصف ما كانت عليه في حينه”. وما بين مدّ وجزرٍ، تتراوح قيمة التعرفات بأقل من 25 إلى 40% عما كانت عليه قبل الانهيار، بينما استردّ سوق الخدمات عافيته. ويقول هارون إن أسعار الكلفة عادت إلى ما كانت عليه سابقاً، وهو ما يكسر التوازن بين “ما نستوفيه من الفواتير وما ندفعه”. يضاف إلى ذلك وضع شركات التأمين التي يقدّر النقيب هارون أنه بخير.
لكلّ هذه الأسباب، ارتأت نقابة أصحاب المستشفيات ألا تدخل سنة جديدة من دون إجراء المزيد من التصحيح لتقلّص الفارق بين النفقات والإيرادات، لذلك كان التوجّه صوب تعديل “بدلات الخدمات” في الفاتورة الاستشفائية، بحيث تضاف إليها ما نسبته 15%، وهو ما قد يرفع الفاتورة الاستشفائية بالمجمل ما بين 3 إلى 4%، بحسب هارون. ولأن هذه الكلفة بالنسبة إلى النقابة مقبولة، أرسلت كتاباً إلى جمعية شركات التأمين تعرض فيه الأسباب الموجبة مرفقة بالطلب، غير أن هذا الأمر لم يلق تجاوباً من أحدٍ في الجمعية، يقول هارون. وهو ما يؤكده تالياً رئيس جمعية شركات التأمين، أسعد ميرزا.
حتى اللحظة، لا التقاء بين الطرفين حول الطلب، لا من حيث الخلفية والأسباب الموجبة ولا حتى في النسبة المئوية التي حدّدتها النقابة. وبغضّ النظر عن الأسباب التي توردها جمعية شركات التأمين حول أسباب الرفض وعدم التجاوب مع “عيدية” النقابة، كما يوصّفها ميرزا، فالمسألة التي يمكن أن تعطّل أي بحثٍ لاحق في قضية رفع الفاتورة الاستشفائية هي القيمة نفسها التي قدّرتها النقابة والتي يفترض أن تدفعها شركات التأمين، إذ إن الأخيرة ترفض بشكلٍ قاطع الرقم المطروح “لا 15% ولا حتى 10% ولا ممكن”، معتبرة أن الوقت اليوم هو لإعطاء فسحة للمواطن والبلد “التعبان”. ولذلك، لا يعتقد ميرزا أن يكون هناك جواب على كتاب النقابة، انطلاقاً من الأوضاع في البلاد المثقلة بتداعيات الأزمات المتلاحقة أولاً، والمواطن المؤمن ثانياً، إذ “لن يكون بمقدوره تحمّل إضافات على بوليصة التأمين الخاصة به”، على الرغم من “التسهيلات” التي تقوم بها شركات التأمين من تمديد فترة تسديد البوليصة إلى حدود 6 أشهر. وهذا سبب كافٍ للتريّث في فرض زيادات ستدفعها شركات التأمين من جيوب المؤمّنين.
وبما أن الأمور خرجت عن السيطرة، فقد عمد الطرفان إلى تحضير للخطوة اللاحقة. يعطي هارون فترة سماح حتى شباط المقبل قبل أن يذهب نحو تدفيع المواطنين الفارق، وهو ما ستواجهه شركات التأمين “بفسخ العقد مع المستشفى التي ستفرض هذه الزيادة على الفاتورة“.
ومع وصول الأزمة إلى حائط مسدود، بادر رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور بلال عبد الله الى التواصل مع هارون وميرزا، طالباً منهما “تهدئة الأجواء ريثما نصل إلى حل مناسب”، علماً أن عبد الله يرفض الدخول في أسباب كل منهما والوقوف طرفاً مع أحدهما دون الآخر انطلاقاً من صفته كـ”محامي عن الشعب”، مكتفياً بتوجيه دعوة مفتوحة لهما لمناقشة القضية في مكتب اللجنة في المجلس النيابي نهار الإثنين المقبل، في محاولة للوصول إلى حلّ.