بعد مرور أشهر على قرار «دولرة» أسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية، توسعت دائرة التسعير بالدولار لتشمل جميع الخدمات الحياتية الضرورية اليومية، ولاحظ المواطنون ان الأسعار «طلوع»، رغم ان الدولار «نزول» في السوق السوداء. الا ان هذا الارتفاع لم يقتصر على المؤسسات السياحية والمطاعم والمسابح فحسب، بل امتد الى معظم القطاعات المعيشية.
التسيّب بالتسعير واضح!
صارت جملة «لم يعد لبنان بلدا رخيصا» ، تتردد على لسان كل مواطن مئات عشرات المرات يوميا، لدى ولوجه الى «السوبرماركات» والملاحم، او عند دخوله الى محل الخضْرَاوات والفواكه. وفي هذا الإطار، أخبر ماريو وهو موظف في القطاع العام «الديار» ان موضوع «التفلت في الأسعار واضح ولا يحتاج الى مراقبين، وصولات وجولات من قبل مراقبي وزارة الاقتصاد. كما ان هذا الامر لا يحتمل مزيدا من المبررات التي تطلقها في كل مرة نقابتا مستوردي المواد الغذائية وأصحاب السوبرماركات».
اضاف: «هؤلاء جميعا يحاولون التغطية على الارتفاع الكبير بالأسعار، والتجاوزات غير المحدودة لجهة التسعيرة المعتمدة من جانب كل تاجر في القطاعات الغذائية والسياحية والخدماتية والتجارية»، معتبرا «ان لهذا الامر عواقب سيئة على المواطن والسائح، ويجعلهما لقمة سائغة امام أصحاب المطاعم وسوق المواد الغذائية». ولفت الى «ان التسيّب في رفع الأسعار يسيء الى سمعة لبنان في الخارج».
اما السيدة نادين بركة فقالت لـ «الديار» في كل مرة «اذهب لأشتري بعض المواد الغذائية مثل العدس والحمص والأرز، أجد ان الأسعار ارتفعت عن المرة الفائتة بفارق يتخطّى الدولار تقريبا».
الأسعار تضاعفت بمعدل 40 الى 55%
«الديار» قامت بجولة ميدانية على «السوبرماركات» ومحلات الخضْراوات والفواكه في عدة مناطق لبنانية، والاسعار سجلت ارتفاعا ملحوظا وباتت على الشكل الآتي:
– بعد استقرار سعر صرف الدولار في السوق الموازية، لجأ تجار «السوبرماركات» الى اعتماد تسعيرتين للبضائع، واحدة بالدولار وأخرى بالعملة الوطنية. ويعد هذا التصرف خرقا واضحا وصريحا لقرار وزير الاقتصاد امين سلام. اما بالنسبة لأسعار السلع فلم تبق على حالها، بل زاد ثمنها بنسبة تتراوح ما بين 30 و50 سنتا، وتشمل الالبان والاجبان والزيوت النباتية والمعلبات وانواعا من الحبوب.
– اما بالنسبة لأسعار الخضراوات، فقد كان لافتا تسعيرة البندورة التي يطلق عليها «العمّانية» وهي محلية الإنتاج، بحيث بلغ سعر الكيلو 30 الفا، في حين ان سعر كيلو البندورة العادية تأرجح ما بين 75 و80 الفا. بالموازاة، تساءل المواطنون عن سبب ارتفاع سعر الخسة الذي وصل الى 100 ألف، معتبرين ان التجار يحاولون استغلال المواطنين للاستفادة من المغتربين والسائحين خلال هذه الفترة. اما كيلو الفليفلة الخضراء فسجل ايضا 100 ألف ليرة، وكيلو الخيار 90 الفا والافوكادو 800 الف. اما الموز فبعض الدكاكين تبيعه بـ 60 ل.ل، وداخل «السوبرماركات» يباع بـ 120. اما سعر التفاح فقد وصل سعر الكيلو الى 200 ألف ليرة، وتسعيرة الخوخ داخل «السوبرماركات» بـ 129,900 ألفا وبعض الدكاكين تبيعه بـ 70.
أسعار المطاعم والمسابح «نار»
يصر المشرفون على قطاع السياحة والمؤسسات البحرية والمسابح، ان التأثيرات إيجابية بالنسبة لعائدات أرباح القطاع السياحي والمطاعم على وجه التحديد. بحيث بدا جليا توافد السياح والمغتربين الى المسابح الخاصة والمنتجعات البحرية، بعد موجة الحر التي تأثر بها لبنان وانعكست إيجابا على وتيرة العمل، لان لا خيار امام المغتربين والمواطنين في ظل هذا القيظ الشديد سوى النزول الى البحر.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن تعرفة الدخول، هل تبدلت ام بقيت على حالها؟ «الديار» جالت على المسابح والمنتجعات، ووجدت ان الأسعار ارتفعت واغلبية المؤسسات باتت تعتمد تعرفتين مختلفتين. فتعرفة الدخول في منتصف الأسبوع الى المسابح تصل الى 25 دولارا و40 في «الويك اند»، والاشتراك السنوي يتعدى الـ 2000 دولار.
وفي هذا السياق، قال أحد أصحاب المنتجعات في منطقة الحمام العسكري ضمن بيروت، ان هذه التكلفة تعتبر مقبولة في المؤسسات التي توفر خدمات متعددة للزبائن. مع العلم ان هذه المسابح ذاتها تمنع ادخال الأطعمة والمشروبات الخاصة لإجبار المواطنين على شراء منتجاتها من شراب ومكسرات ومياه وسندويشات، والاسعار 3 اضعاف السعر الحقيقي للسلعة.
مجتمع الـ 20 % يطيح مجتمع الـ 80%
وعلى خط مواز تشير ارقام وزارة السياحة ونقابة أصحاب المطاعم والملاهي الى ان الحجوزات في المؤسسات السياحية التي يبلغ عددها حوالى الـ 100 مؤسسة، مزدحمة والإقبال كثيف دون النظر الى التكلفة او الأسعار. لكن هذه الأماكن يرتادها السياح والمغتربون، الى جانب شريحة أطلق عليها مجتمع الـ 20%، وهؤلاء من اللبنانيين الذين لديهم القدرة على الوصول الى الدولار ويتقاضون رواتبهم بالفريش. ولوحظ ان الأسعار قد ارتفعت بنسبة 40 الى 70% في هذه المؤسسات، حتى أصبح مواطن «الليرة» والذي يصنف ضمن مجتمع الـ 80% غير قادر على ارتياد المطاعم او الذهاب مع عائلته الى المسابح والمنتجعات في عطلة نهاية الأسبوع.
القرار ليس بريئاً!
وبحسب الخبراء، فإن قرار دولرة الأسعار الذي كان يبدو امرا صحيحا من الناحية النظرية، لم ينهِ مشكلة ابتزاز المستهلك واستغلاله، بل اعطى التجار في كل القطاعات الحياتية الضوء الأخضر لتطبيقه في جميع النواحي المعيشية. وتُرك المواطنون لقدرهم حتى أضحوا بمواجهة مفتوحة مع أصحاب «السوبرماركات»، وفي الدكاكين والملحمة، ومع سائق «السرفيس» وأصحاب المولدات الكهربائية، والكهرباء والاتصالات و»الانترنت»، وما كان ينقص المواطن سوى شراء المياه من تجار الصهاريج.
والواقع ان الخوض في جوهر قرار وزير الاقتصاد يكشف ان «الدولرة» زادت الأمور تعقيدا، في ظل التفلت في تسعير المواد الاستهلاكية. فالانخفاض في سعر الدولار يواجهه ارتفاع بأسعار السلع الغذائية، وهذا يعني ان التجار يتحكمون بلقمة عيش المواطن ويتطلعون الى الاجهاز على أمواله وقدرته الشرائية.