غاز موريتانيا قبلة أوروبا لسد جزء من فجوة واردات روسيا

تركز موريتانيا أنظارها في الوقت الحاضر على الغاز حتى تساعدها عوائده مستقبلا في ترسيخ إصلاحات اقتصادية تقطع مع الماضي في التعامل مع الاستثمارات والإنتاج بهدف التحول من الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة التصدير.

ويقول خبراء إن حاجة الأوروبيين إلى مصادر مستدامة لتوفير الإمدادات بعيدا عن روسيا جراء حربها في أوكرانيا تتيح فرصة ثمينة للموريتانيين لعقد شراكات استراتيجية ستجعل نواكشوط تجني الكثير من المكاسب تدعم بها مختلف مناطق البلاد المتعطشة للتنمية.

ورغم أن البلد وهو أضعف اقتصادات المغرب العربي ويعتمد بشكل كبير على الصيد البحري، لا ينتج سوى 5 آلاف برميل يوميا من النفط وقليل من الغاز، إلا أنه يستعد لدخول نادي الدول المصدرة للغاز بعد اكتشاف كميات على شواطئه الأطلسية في السنوات الأخيرة.

ووفق تصريحات لمسؤولين حكوميين ينتظر أن تبدأ موريتانيا تصدير أولى شحنات غازها المكتشف خلال العام القادم بعدما وصلت نسبة تقدم الأشغال في حقل غاز “السلحفاة” المشترك مع السنغال 70 في المئة والمعروف باسم “مجمع تورتو الكبير”.

وكان وزير البترول والمعادن والطاقة عبدالسلام ولد محمد صالح قد أكد أواخر الشهر الماضي أن احتياطات الغاز المكتشفة في الحقل تقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب.

وأشار إلى أن هذه الاحتياطات من ضمنها حقل “السلحفاة” والذي تقدر احتياطاته بنحو 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، فيما توجد باقي الكمية في المياه الإقليمية الخاصة بموريتانيا.

ومن المتوقع أن ينتج الحقل الذي سيدخل حيز التشغيل في أواخر العام المقبل نحو 2.5 مليون طن سنويا في مرحلته الأولى على أن يتضاعف الإنتاج بعد انتهاء المرحلة الثانية، والتي تمثل نصف الطاقة الإنتاجية المستهدفة سنويا.

وقبل الأزمة في شرق أوروبا ظلت أوروبا تعتمد على الغاز الروسي الذي يشكل 40 في المئة، أي نحو 15 مليار متر مكعب، وتتولى تأمين بقية احتياجاتها السنوية من عدة مصادر تشمل الولايات المتحدة وقطر والجزائر ونيجيريا.

ونظرا لأن أوروبا تريد خفض التكاليف في عملية الشحن عبر السفن بعد تعليق الإمدادات الروسية، فإن من المحتمل أن تقترح على موريتانيا بناء أنبوب يصل أراضيها لضمان استدامة ضخ الغاز.

ويرجح مختصون أن تصبح موريتانيا ثالث دول أفريقيا في تصدير الغاز بعد نيجيريا والجزائر مع بدء استغلال احتياطات الغاز، والتي تقول الحكومة إنها أكملت مخططات الاستفادة من الحقول المكتشفة.

ويرى الباحث الاقتصادي الموريتاني خالد ولد أحمدو أن الموقع الاستراتيجي لحقول الغاز الموريتانية وقربها من أوروبا، خاصة إسبانيا، يجعل منها وجهة مفضلة للشركات المستثمرة في مجال الغاز.

ونسبت الأناضول إلى ولد أحمدو قوله إن “الظروف العالمية الحالية مواتية لتبدأ موريتانيا الاستثمار في حقولها المكتشفة، خصوصا في ظل البحث عن بدائل للغاز الروسي في أوروبا”.

ولا تزال بعض الشركات تبحث عن الغاز في الحوض الساحلي الموريتاني خاصة توتال التي جدّدت لها الحكومة رخصة البحث قبل أسابيع، ما يعني أنه قد تكون هناك اكتشافات جديدة من الغاز.

وأشار ولد أحمدو إلى أن الغاز الموريتاني قد يشكل بديلا محتملا لتعويض الإمدادات الأوروبية من الغاز الروسي، إذا تمكنت السلطات من الاستثمار بشكل سريع في هذا القطاع.

وقال إن “موريتانيا يمكن أن تكون ضمن البدائل التي توفِر الغاز لأوروبا إلى جانب بدائل أخرى، ما سيجعل من إنشاء خط أنابيب بين موريتانيا وأوروبا عبر إسبانيا أمرا مجديا من الناحية الاقتصادية”.

وتقتصر الخطط الموريتانية لتصدير الغاز في الوقت الحالي على الشكل المسال وهو ما يتطلب توفير محطات تخزين وناقلات عملاقة. وفتحت اكتشافات الغاز الموريتاني الهائلة شهية الشركات العالمية والأوروبية بشكل خاص، إذ تصاعدت خلال الفترة الأخيرة أنشطة الشركات العاملة في مجال النفط والغاز بموريتانيا.

ومن بين الشركات التي ترتبط بعقود مع البلد في مجال التنقيب عن النفط والغاز بريتش بتروليوم البريطانية (بي.بي) وشركتا كوسموس إنرجي وإكسون موبيل الأميركيتان وتوتال الفرنسية.

وأقنع الغاز الموريتاني المكتشف، أيضا بريطانيا بفتح سفارة لها في نواكشوط في العام 2018 هي الأولى منذ أن أقام البلدان علاقات دبلوماسية في ستينات القرن الماضي.

ويرى المدير التنفيذي المساعد للإنتاج والعمليات لدى بي.بي، جوردون بيرل، أنه مع بداية استغلال الغاز، ستصبح موريتانيا فاعلا أساسيا على خارطة الطاقة العالمية.

وقال بيرل، خلال ندوة بنواكشوط في الرابع والعشرين من مايو الماضي، إن موريتانيا “ستصبح موردا للغاز للعالم في وقت تشتد الحاجة إليه، وفي وقت يرتفع الطلب على الغاز وتنخفض القدرة على الإمداد”.

وهذا المشروع كبير وعالمي المستوى، وأفضل ما يميزه أن لديه القدرة على إحداث تغيير حقيقي في هذا البلد وفي التحول العالمي الجاري في مجال الطاقة. وأضاف بيرل “لذلك نعلم أن هناك توقعا للنجاح وهذا ما سوف نحقق بالفعل”.

ويتطلع الموريتانيون إلى أن تساهم عائدات ثروة البلاد من الغاز في تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل، حيث تصل نسبة البطالة 30 في المئة في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 4 ملايين نسمة.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةروسيا تتلاعب بـ{طاقة الدول الأوروبية}
المقالة القادمةمصرف لبنان يمتص الليرات على حساب الاحتياطي والمودعين