غبريل: ارتفاع اسعار “اليوروبوندز” سببه المضاربات وتحقيق الارباح

موضوع ارتفاع أسعار اليوروبوند مؤخراً و بالتحديد في شهري تشرين أول والثاني الماضيين واستمراره في كانون الاول الحالي بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان يجب وضعه في سياقه الحقيقي ولذلك يجب العودة إلى شهر أذار من العام ٢٠٢٠ عندما قررت الحكومة السابقة التعثر عن تسديد سندات اليوروبوند و لم تبدأ المفاوضات مع حاملي هذه السندات، ولذلك بدأ التراجع. و الهبوط في أسعار اليوروبوندز وعند تشكيل الحكومة الحالية وقعت اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي الذي فرض إجراءات مسبقة من أجل منح لبنان قرضاً بقيمة 3 مليار دولار، ومن هذه الإجراءات إعادة هيكلة الدين العام أي عملياً بدء المفاوضات مع حاملي السندات و إعادة هيكلتها.

لكن للأسف لم يحصل أي شيء في هذا الموضوع وبالتالي وصل متوسط أسعار هذه السندات في السوق الثانوي إلى ٥ دولارات و ٥٠ سنتا للسند الواحد مع العلم أن سعر الإصدار للسند هو ١٠٠ دولار.

وفي هذا الإطار يشير كبير الإقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث للديار إلى أن وصول معدل سعر السند الى ٥ دولار و ٥٠ سنتا في السوق الثانوي في الفصل الرابع من العام 2022 يُعد أدنى سعر للسندات في العالم في ذلك الوقت, و عاد وارتفع في أيلول من العام ٢٠٢٣ حيث وصل إلى ٧ دولارات و نصف و عاد وتراجع في تشرين الثاني من العام نفسه إلى ٥ دولارات ونصف ثم عاد وارتفع في أيار ٢٠٢٤ إلى ٦ دولارات و ٧٥ سنت ووصل في أيلول ٢٠٢٤ إلى ٦ دولارات و ٢٥ سنتا.

ولفت غبريل إلى أنه بالتزامن مع توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان ارتفع معدل سعر سندات اليوروبوند إلى ٨ دولارات و ٢٠ سنتا في تشرين الاول الماضي. ولكنه ابدى تحفظاً قوياً عن بعض النظريات التي اعتبرت ان هذا الارتفاع له علاقة بالتغير الجذري للاتجاه السياسي للبنان وآفاق جديدة للوضع اللبناني او توقع تحسن الاداء السياسي التي أدت إلى إقبال على شراء السندات وارتفاع سعرها.

واوضح غبريل “عندما نتحدث عن أسعار سندات اليوروبوند اللبنانية يجب ان نعلم ان سعرها الأساسي ١٠٠ دولار وهذه التقلبات في أسعاره حصلت ضمن هامش ضيق جداً و مستوى بعيد جداً عن السعر الاسمي لهذه السندات عند إصدارها، معتبراً أن السبب الأساسي لارتفاع أسعار اليوروبوند في تشرين الاول الماضي هو المضاربة على هذه الأسعار في السوق الثانوي “وبالتالي هناك مؤسسات قادرة على شراء السندات بمبالغ تعتبر صغيرة و هذا يؤدي إلى ارتفاع السعر بشكل بسيط “.

ورأى غبريل أن المضاربة على اسعار السندات و محاولة تحقيق الأرباح السريعة أدت إلى ارتفاع اسعار اليوروبوند في تشرين الاول الماضي متوقعاً أن تتكرر وان تحصل هذه المحاولات لتحقيق ربح سريع وآني من خلال مبالغ صغيرة، مشيراً ان القيمة الاسمية لمجموع السندات اللبنانية عند إصدارها هو ٣١ مليار دولار والدولة متعثرة عن دفعها إضافةً إلى ٩ مليار دولار فوائد كمتأخرات لهذه السندات في ظل جمود في السوق ” فإذا اشترت مؤسسة سندات يوروبوند بمبالغ غير كبيرة فممكن أن يتحرك هذا السعر في السوق الثانوي”.

ويلفت غبريل إلى أن أسعار السندات لم تتغير منذ تشرين الاول الماضي إلى اليوم، و لكن بعد إعلان وقف إطلاق النار ارتفعت هذه الأسعار إلى ٩ دولارات و ٢٥ سنتا اي بكل الأحوال لا تزال هذه الأسعار متدنية جداً وأكثر تدنياً بين البلدان التي أعلنت التعثر عن تسديد سنداتها من بعد لبنان كسيريلانكا وأثيوبيا وغانا. فسندات سيريلانكا تتداول بسعر وسطي يبلغ ٦٣ دولارا و سندات غانا بين ٧٠ دولارا و ٨٧ دولارا و سند اثيوبيا ب٧٨ دولارا، لافتاً ان هذه الدول أجرت مفاوضات مع حاملي السندات وتوصلت إلى اتفاقات مع صندوق النقد على إعادة هيكلة هذه السندات في حين لم يبدأ لبنان الرسمي المفاوضات لغاية اليوم.

ووفقاً لغبريل ليس مستغرباً أن لا تبدأ الحكومة السابقة المفاوضات مع حاملي السندات لكن المستغرب أن لا تبدأ الحكومة الحالية بهذه المفاوضات متسائلاً لماذا لم تبدأ هذه الحكومة المفاوضات فور توقيع إنفاق مع صندوق النقد الدولي في نيسان ٢٠٢٢ بالرغم من ان أسهل البنود المسبقة المدرجة في الاتفاق هو إعادة هيكلة الدين العام الذي لا يتطلب تصويتاً في مجلس النواب بل يتطلب فقط تشكيل لجنة من قبل السلطة التنفيذية لبدء المفاوضات مع حاملي السندات.

وإذ انتقد غبريل الإهمال الذي بدأ بإعلان التعثر الذي أدى إلى هبوط هذه الأسعار إلى مستويات متدنية جداً، اعتبر أن ارتفاعها منذ تشرين الأول الماضي ليس بالضرورة مؤشراً لأي شيئ إيجابي بل مؤشر بان أسعار السندات في السوق الثانوي لا تزال منخفضة جداً و هذا يعكس نظرة الخارج من عدم وجود رؤية إصلاحية و أولوية للعملية الإصلاحية ولعودة لبنان إلى الأسواق المالية والمصرفية و التجارية العالمية.

و الجدير بالذكر يقول غبريل ان حاملي سندات اليوروبوند هم أمام إستحقاق في شهر آذار من العام المقبل بحيث ينتهي حقهم بمطالبة الدولة اللبنانية بتسديد الفوائد المتراكمة المستحقة “و في هذا الصدد هم يتحضرون لرفع دعوى قانونية على الدولة اللبنانية من أجل الحفاظ على حقهم بهذه الفوائد وليس كما يشاع من أجل وضع اليد على أصول الدولة ومصرف لبنان” .

وكشف غبريل بأن هناك معلومات عن إمكانية التوصل إلى إتفاق بين حاملي السندات و الحكومة اللبنانية لتمديد هذه المهلة إلى ما بعد آذار ٢٠٢٥ كي يتسنى للسلطة التنفيذية الجديدة بعد تكوينها البدء بالمفاوضات او لان تجد حلاً لهذا الموضوع، مؤكداً ان الأفضل تجنب موضوع الدعاوى لكن لا يمكن الإستمرار بإهمال هذا الموضوع و عدم إعطائه الأولوية وعلى الحكومة الحالية ان تتحرك لحل هذه المسألة و أن تبادر وتتواصل مع حاملي السندات من أجل تمديد المهلة وتجنب الدعوى على الدولة اللبنانية.

و رأى غبريل أنه حتى لو ارتفعت أسعار السندات أكثر من ٩ و ٢٥ سنت فهذا لا يعني الكثير لأن بدء المفاوضات و الوصول إلى إتفاق على إعادة جدولة هذه السندات و على نسبة إستعادة أصحاب هذه السندات هي الأساس، موضحاً ان الاسعار الحالية للسندات تعكس عدم ثقة المستثمرين بالسلطات اللبنانية في البدء بالعملية الإصلاحية و التوصل إلى إتفاق مع حاملي السندات، كما تعكس تأخر البرنامج الإصلاحي سيما أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وقعته السلطات اللبنانية في نيسان ٢٠٢٢ تخطاه الزمن ويجب تحديثه، مشيراً ان صندوق النقد يعتبر أن الطريق للتعاون مجدداً مع لبنان هو من خلال إعادة تكوين السلطة التنفيذية عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس لمجلس الوزراء وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تأخذ المبادرة و تفاوض صندوق النقد.

و ختم غبريل بالقول أن تغيير المنحى السياسي قد يؤثر في ارتفاع أسعار اليوروبوند إذا أثبتت السلطة اللبنانية بان هناك تغيرا بالأداء السياسي عبر احترام المهل الدستورية و تطبيق القوانين وفصل السلطات و دعم إستقلاية القضاء وقدراته وإطفاء حوكمة و إدارة رشيدة على القطاع العام و المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري.

 

مصدرالديار - أميمة شمس الدين
المادة السابقةحمية: إنجاز دفاتر شروط تلزيم أشغال رفع الأنقاض