غرائب التأمين في نقابة المحامين!

 

أعفى نقيب المحامين أندره الشدياق شركة «غلوب مد» التي تتولى إدارة الصندوق المخصص للتغطية الاستشفائية للمحامين من كفالة قدرها 10 ملايين دولار ينص عليها العقد، لتغطية خسائر الصندوق. نحو ثمانية آلاف محام بات يتوجّب عليهم تغطية الخسائر بزيادة على الرسوم التي يدفعونها تصل الى 27 في المئة. النقيب ضرب بعرض الحائط اعتراضات المحامين على التجديد للشركة “رغم إثبات القضاء استيلائها على أموال عائدة للنقابة”، وفق لجنة المتابعة التي تقود اعتراضاً على سياسات الشدياق.

في الثاني من نيسان الجاري، اتّخذ نقيب المحامين في بيروت اندره الشدياق وثلاثة أعضاء في مجلس النقابة قراراً أعفوا بموجبه شركة “غلوب مد” من كفالة مالية قدرها عشرة ملايين دولار، كان يفرضها عقد إدارة الصندوق التعاوني للنقابة (المخصّص للتغطية الإستشفائية للمحامين) الموقع بين النقابة والشركة لتغطية خسائر الصندوق. بموجب هذا القرار، بات على المحامين تحمّل خسائر الصندوق التي تقدّر حالياً بنحو 12 مليوناً و700 ألف دولار، عبر زيادة على الرسوم التي يدفعونها سنوياً.

وكانت النقابة، ممثلة بالشدياق، جدّدت بتاريخ 29/3/2018 لشركة “غلوب مد”، بموجب عقد، “وكالة بإدارة المحفظة الإستشفائية الطبية العائدة للصندوق التعاوني لنقابة المحامين في بيروت”، لمدّة ثلاث سنوات وبقيمة 100 مليون دولار. ووفق المادة العاشرة من العقد، فإنّه في حال لم تؤدِّ الآلية الملحوظة في العقد الى تحقيق وفر ولا الى تغطية العجز (…)، “تعهّدت كل من شركة غلوب مد وشركة أكسا للشرق الأوسط والشركة اللبنانية السويسرية، كل منها على حدة، بتغطية أي عجز قد يبقى قائماً عند مفاعيل السنة التأمينية التي تنتهي بتاريخ 31/3/2021.

بذلك، يكون النقيب والأعضاء الثلاثة قد حرّروا الشركة من التزامها وحرموا 8000 محام من الضمانة الأساسية التي من شأنها أن تُجنّبهم دفع الزيادات على الرسوم!

قرار غير قانوني

“لجنة المتابعة لموضوع التأمين الإستشفائي في نقابة المحامين” وصفت القرار بأنه “مخالف للقانون”، إذ صوّت أربعة فقط لمصلحته من أصل اثني عشر عضوا حضروا الجلسة. علماً أن المادة 58 من قانون تنظيم المهنة تنصّ أنه في حال حضر كامل الأعضاء، يتم التصويت بالأكثرية، وفي الحالة المذكورة عارض ثمانية أعضاء القرار، فيما وافق أربعة فقط، ومع ذلك مضى النقيب في تصديق القرار.

رئيس اللجنة النقيب السابق عصام كرم أصدر بيانا اعترض فيه على القرار “الهزيل”، معتبراً ان الاعتراض “واجب علينا جميعاً”. وشجّع “الزملاء المحامين” على الرجوع الى المراجع القضائية المختصة “نستصرخها عدالة افتقرت اليها نقابة المحامين في بيروت في أيام النقيب اندره الشدياق”. وأسف لأن يكون هذا الكلام صادراً عشية احتفال النقابة بمئويتها، “وكنا أردناها مناسبة وضّاءة (…) فجعلتموها مناسبة قاتمة تُذكّر المحامين بالضرر الذي ألحقتموه بهم عبر الاستخفاف بصحتهم واستشفائهم”.

استيلاء على أموال النقابة!

قبل عام 2015، كانت نقابة المحامين تتعاقد مع شركات تأمين لتغطية التكاليف الصحية والإستشفائية للمحامين المنتسبين اليها. في آذار 2015، أطلق النقيب السابق جورج جريج ما سمّي “صندوق التعاضد للمحامين وعائلاتهم” (الصندوق التعاوني) لتغطية تكاليف الخدمات الطبية والإستشفائية، ولُزّمت “غلوب مد” إدارته. إلا أن الصندوق شهد عجزاً مالياً قُدّر بنحو 4,5 ملايين دولار منذ العام التأميني الأول الذي تلا توقيع العقد مع الشركة (وقّعه جريج في 26 شباط 2015). (راجع https://al-akhbar.com/Community/220132)، وتراكم الى 23 مليون دولار! لذلك، جاء التجديد للشركة خلافا لرغبة كثير من المحامين الذين يتهمّونها بالفشل في إدارة الصندوق في السنوات الأربع الماضية والتسبّب بهذه الخسائر الضخمة.

العقد ينصّ على أن يبقى الشدياق ممثلاً للنقابة الى ما بعد انتهاء ولايته إلّا أنّ الأهم، وفق عضو لجنة المتابعة المحامي ابراهيم مسلّم، أن تجديد العقد جاء “بعدما أثبتت تحقيقات أجريت أمام القضاء المختص، بعد تقدم لجنة المتابعة بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية، أن الشركة استولت على أموال النقابة، وأُجبرت إثرها على إعادة ثلاث شيكات للنقابة بقيمة 10 ملايين دولار في أيلول الماضي”.

“الأخبار” حصلت على نسخة من كتاب إنذار وجّهه الى الشركة النقيب السابق انطونيو الهاشم اتهمها فيه بأنها “استولت على أموال ليست لها وحجبتها عن النقابة بصورة غير مشروعة”، لافتاً الى أنها “ناكلة لما التزمت به صراحة، ومتهربة من موجباتها وخاصة لجهة تسديد العجز اللاحق بالنقابة”.

 

عقد مشبوه

وفق مسلّم، فإنّ النقيب جدّد العقد في اليوم نفسه الذي وعد فيه المحامين بعدم التمديد للشركة، لافتاً الى أن الشدياق “سعى الى إخفاء العقد وعدم إطلاع المحامين عليه، إلا أننا تمكنّا في ما بعد من الحصول على نسخة منه، وتبيّن لنا الكثير من النقاط الكارثية”. إذ اتضح، بحسب لجنة المتابعة، أن العقد “ليس عقد إدارة بقدر ما هو عقد شراكة بين الشركة والنقابة التي يُحظّر عليها ممارسة التجارة والكسب المادي، وغايته تحقيق الارباح للشركة على حساب المحامين”. كما أنه “نُظّم خلافا لدفاتر الشروط، وبأسعار خيالية، وبفارق كبير عن الأسعار المعتمدة في الأسواق”. والأهم من ذلك كله أن “العقد ينصّ على أن النقيب الشدياق، بشخصه، يبقى المُحكّم في العقد حتى انتهاء تاريخه (العقد)، أي حتى عام 2021، أي الى ما بعد انتهاء ولايته”. ويعني ذلك انه بعد انتخاب نقيب جديد في تشرين الاول المُقبل، “يبقى الشدياق معنياً بالعقد وممثلاً عن نقابة المحامين ولو بصفته نقيباً سابقاً”. مسلّم أشار الى أنّ المحامين طالبوا مناقشة الملف “إلا أن النقيب سكّر الأبواب في وجهنا”.

زيادة بنسبة27%

وفق نسب الزيادة على الإشتراكات الموجودة في نص العقد، يتوجّب على كل محام أن يدفع في العام التأميني 2020/2021 زيادة بنسبة 27% على ما كان يدفعه سابقاً. وتبلغ قيمة بوليصة التأمين حالياً 1695 دولاراً يدفع المحامي 700 دولار منها وتدفع النقابة الجزء المُتبقي. ومن شأن الزيادة أن ترفع قيمة البوليصة الى 2153 دولار اً، بزيادة 458 دولاراً. وبمعزل عن كيفية تقسيم الزيادة بين النقابة والمحامي، فإنّ الأخير سيدفعها في كل الأحوال. إذ إنّ استنزاف اموال النقابة لتغطية الفارق من شأنه أن يُشكّل خطراً على اموال بقية صناديق النقابة، ومنها الصندوق المخصص لرواتب المتقاعدين!

حسابات النقابة المالية غير قانونية!

في 27/3/2019، أصدرت محكمة الإستئناف المدنية في بيروت برئاسة القاضي فادي الياس قراراً أبطلت بموجبه المُصادقة على حسابات النقابة المالية. وكان المحامي مطانيوس عيد قدّم دعوى أمام المحكمة الإبتدائية في بيروت طالبا ابطال اعمال الجمعية العامة (15/11/2015) التي صدّقت على الحسابات المالية عبر التصويت برفع الأيدي.

كما تقدمت مجموعة من المحامين بطعن لإبطال التصديق على حسابات النقابة المالية لعام 2018 للسبب نفسه. وأوضح عضو لجنة المتابعة المحامي ابراهيم مسلّم أن الجمعية العمومية “انعقدت بحضور مئات المحامين، وعندما تم التصديق على الحسابات، قلّة رفعوا ايديهم، إلا أن النقيب قرّر التصديق على الحسابات”.

النقيب: دباركن عندي!

تواصلت “الأخبار” مع النقيب اندره الشدياق للوقوف على رأيه من المعطيات التي أوردتها لجنة المتابعة، إلا أنه رفض التعليق قائلا: “ما تستفسروا عن شي (…) النقيب ما بيحكي ع هل القصص”، طالبا “التوقف عن الكتابة”، ومؤكداً أن من يقرر هو النقيب ومجلس النقابة، “مش انتو ولجنة المتابعة”. وانهى بالقول: “إذا ما بتوقّفوا، دبّاركن عندي”!

“غلوب مد”: لا نتدخل بشؤون داخلية

في اتصال مع “الأخبار”، شدّدت مصادر في شركة “غلوب مد” على أن ما يحصل داخل النقابة «شأن داخلي لا نتدخّل فيه”. وامتنعت عن إعطاء أي توضيحات حول الاتهامات الموجّهة للشركة.

بواسطةهديل فرفور
مصدرجريدة الاخبار
المادة السابقةالاقتصاد في سجن سياسات مصرف لبنان
المقالة القادمةبطيش يواصل زيارته الى واشنطن