غضب معيشي في ليبيا… تردي الخدمات رغم النفقات المرتفعة للمتصارعين

تتأجج مشاعر الغضب لدى المواطنين في ليبيا، من ضيق العيش وتردي الخدمات في مختلف مناطق البلاد، بينما تنغمس الأطراف المتصارعة في حشد قواها لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، ما يطيل أمد معناة سكان البلد الغني بالنفط، التي تهاوت مداخيله وتسارعت وتيرة استنزاف احتياطيه من النقد الأجنبي.

وشهدت العاصمة طرابلس وعدة مدن خلال الأيام الماضية، احتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية، مطالبة بتوفير الكهرباء والماء وتحسين الخدمات الصحية، فيما تظهر البيانات الرسمية ارتفاع معدلات البطالة، خاصة مع الأضرار الإضافية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا الجديد.

وتظهر البيانات الرسمية أن ليبيا أنفقت 425 مليار دينار (303 مليارات دولار)، خلال السنوات التسع الماضية، عبر الحكومات السابقة، بما فيها الحكومة الموازية في شرق البلاد، من دون تحسن الأوضاع المعيشية للمواطنين، في حين أضحت البلاد تتعرض لأخطر أزمة اقتصادية منذ عام 2011.

وقال المواطن عبد الله بن عيسى من طرابلس لـ”العربي الجديد”: “نطالب فقط بالحد الأدنى للعيش من ماء وكهرباء وخدمات عامة وسيولة بالمصارف”. وزادت جائحة كورونا من الضغوط المعيشية حيث تعطلت أغلب الأنشطة الإنتاجية والتجارية خلال الأشهر الماضية ما رفع من معدلات البطالة.

وكشف تقرير صادر عن وزارة العمل في حكومة الوفاق الوطني، عن أن عدد الباحثين عن العمل خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ نحو 128 ألف شخص، بزيادة 62.6 ألف باحث خلال نفس الفترة من العام الماضي 2019. وقال مسعود القدافي، مدير مركز التوثيق والمعلومات في الوزارة لـ”العربي الجديد” إن الواقع يشير إلى تجاوز الأرقام المدرجة في التقرير.

وقال على صالح، المسؤول السابق في وزارة العمل لـ”العربي الجديد” إن عدد الباحثين عن العمل مرشح للزيادة في ظل الانقسام السياسي وتداعيات جائحة كورونا، لافتا إلى أن عدد العاملين في القطاع الخاص يتعدى 1.1 مليون عامل وفق احصائيات عام 2018، بينما هناك تقديرات تشير إلى ارتفاع عدد الداخلين إلى سوق العمل ولم يتحصلوا على وظائف.

وأعرب عبد السلام التميمي، رئيس اتحاد عمال ليبيا، عن مخاوفه من اتساع قائمة العاطلين عن العمل في ظل عمليات التسريح التي يقوم بها أصحاب الأعمال بسبب جائحة كورونا.

وفي مقابل القطاع الخاص، بلغ عدد العاملين في القطاع العام نحو 2.3 مليون موظف، بنهاية يونبو/حزيران الماضي، ما يشكل 31% من عدد سكان الدولة البالغ 7.4 ملايين نسمة بنهاية 2019، وفق البيانات الرسمية.

ويبلغ الحد الأدنى للأجور 450 ديناراً (321 دولار)، بينما يشكو الكثير من المواطني من عدم كفاية الرواتب في ظل موجات الغلاء واضطراهم إلى تدبير احتياجاتهم من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء عبر بدائل أكثر كلفة. وتستحوذ الرواتب على 56% من إجمالي الإنفاق العام بحسب بيانات صادرة عن مصرف ليبيا المركزي.

ومؤخرا، كشف مدير إدارة البحوت والإحصاء في مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، عن أن ليبيا أنفقت 425 مليار دينار (303 مليارات دولار)، خلال السنوات التسع الماضية، عبر الحكومات السابقة، بما فيها الحكومة الموازية في شرق البلاد، دون تحسن الأوضاع المعيشية للمواطنين.

وأوضح عيسى في تصريح لـ”العربي الجديد” الأسبوع الماضي ، أن 186 مليار دينار جرى إنفاقها على الأجور، و71 مليار دينار لدعم المحروقات، واصفا حجم الإنفاق بالكبير جدا، بينما هناك ضعف في الخدمات العامة، حيث تستمر المعاناة من انقطاع التيار الكهربائي.

وأضاف أنه بعد توقف إنتاج ليبيا من النفط، المورد الرئيسي للبلاد، تفاقم العجز في الميزانية، مشيرا إلى أن إيرادات الدولة في يوليو/ تموز الماضي بلغت 36 مليون دولار، بينما كانت إيرادات النفط الشهرية خلال سنوات سابقة تبلغ نحو ملياري دولار.

وتواجه ليبيا أزمة مالية حادة بسبب إقفال الحقول النفطية من قبل مليشيات مسلحة موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وتراجع إنتاجها إلى معدلات قياسية فضلا عن اتساع عجز الميزانية العامة للدولة، ما دفع البنك المركزي إلى قصر توفير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد على الأدوية والسلع الغذائية الأساسية.

ومنذ سنوات، يعاني البلد الغني بالنفط من صراع مسلح، بدعم من دول عربية وغربية لقوات حفتر التي تسعى لانتزاع السيطرة على ليبيا من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، ما أدى إلى دمار مادي واسع.

وفي وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري، كشفت مؤسسة النفط الليبية، في تدوينة نشرتها على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن إجمالي خسائر إغلاق الموانئ والحقول النفطية بلغ نحو 8.2 مليارات دولار، منذ 17 يناير/ كانون الثاني 2020.

وكان مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، قد شدد خلال اجتماع مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، قبل نحو أسبوع، على ضرورة الإنهاء الفوري للإغلاق النفطي الذي تفرضه مليشيا حفتر. وينص اتفاق دولي على أن تتولى المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، تصدير النفط، على أن تذهب عائداته إلى البنك المركزي هناك.

وقال مدير إدارة البحوث والإحصاء في مصرف ليبيا المركزي إن حكومة الوفاق الوطني تنفق حالياً من خلال السحب من احتياطي النقد الأجنبي. وبجانب تردي خدمات الكهرباء والوقود والصحة، يعاني الليبيون من نقص السيولة بالمصارف التجارية، ما أدى إلى ارتفاع الدولار إلى 6.33 دنانير في السوق الموازية (السوداء). ويعتمد الاقتصاد الليبي بصورة رئيسية على عائدات النفط في الدخل القومي، حيث تمثل نحو 95% من إيرادات الدولة.

وقال المحلل المالي أبوبكر الهادي، إن الاقتصاد الليبي ريعي ويعتمد بشكل أساسي على النفط، وبالتالي فإن تراجع إيرادات النفط إلى مستويات متدنية هذا العام سوف يؤثر كثيراً على كل مفاصل الاقتصاد، مشيرا إلى أن معدلات البطالة ارتفعت إلى 40 في المائة خلال منتصف العام الحالي وفق تقديرات غير رسمية، وهذا مؤشر خطير.

وتتوقع وزارة المالية انكماش الاقتصاد الحقيقي بنسبة 55% مع نهاية العام. وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 66.6%، فيما ارتفع الدين العام بنسبة 150% من الناتج المحلي.

مصدرالعربي الجديد
المادة السابقةالذهب يواصل مكاسبه ويتخطى مستوى 1990 دولاراً للأوقية
المقالة القادمةوزير الخزانة الأميركي يتّهم الديموقراطيين بإفشال المفاوضات حول خطة مساعدات جديدة