في أجواء الاضطراب والفوضى التي يصنعها الغرب الأميركي وحلفاؤه الإقليميون بالمصائر البشرية، تشكل حروب الطاقة بوابة للتحكم بالعالم!
ومَن يراجع خريطة الاحتياطي الغازي في العالم يمكنه أن يفهم طبيعة الصراع الدائر منذ سنوات في أماكن متفرقة، خاصة في منطقة حوض المتوسط في الشريط الممتد من السحل السوري، إلى الساحل اللبناني، والساحل الفلسطيني، ووصولاً إلى الساحل القبرصي. وهو الشريط، الذي يمثل بؤرة الصراع الأكثر سخونة في المرحلة الراهنة.
إذا كان الاقتصاد هو عصب السياسة، فإنّ الطاقة هي عصب الاقتصاد، لذا يمكن القول إنّ الطاقة هي عصب السياسة. ولا يمكن فهم خريطة الصراع السياسي، عالمياً أو إقليمياً، من دون فهم حقيقة الصراع الدائر حول الطاقة بصفة عامة، والغاز الطبيعي على وجه الخصوص، باعتبار الغاز هو الطاقة الصديقة للبيئة قياساً بالنفط، وهو الأوفر من حيث الاحتياطي، خاصة أنّ البترول قد استنفدته عقود طويلة من الاستهلاك، وهو على وشك النفاد في ضوء عقود خمسة أو سبعة على أقصى تقدير.
تأتي روسيا على قائمة الدول صاحبة الاحتياطي الأكبر على المستوى العالمي، تليها إيران وقطر والولايات المتحدة والسعودية. وإذا دققنا في أسماء الدول الخمس الأولى فسنجد أنها الأطراف البارزة في الصراع الدائر في حوض المتوسط بشكل خاص، وكذلك في غيرها من المناطق في العالم. ولا يمكن تجاهل هذه العلاقة إذا أردنا أن نفهم حقيقة ما يدور في المنطقة، والتي أصبحت ساحة العالم الحربية.
حاولت روسيا سيدة الغاز العالمي أن تفرض نفسها عبر هذه الثروة على السياسة الدولية، باعتبارها لاعباً أساسياً، وتأتي شركة «غازبروم» لتمثل رأس الحربة الروسية في اختراق العديد من المناطق في العالم، والتي تعني إلى جانب عوائدها الاقتصادية الضخمة للدولة الروسية مساحة النفوذ الذي يسير في خطوط متوازية مع هذا الانتشار الواسع للشركة، رغم محاولات أغلاق الباب أمام وصول الغاز الروسي إلى أوروبا، خصوصاً أن روسيا تمد القارة العجوز بحوالي 34 من حاجتها من الغاز، بما يمثله ذلك من حضور قوي على الصعيد السياسي، وتحكم لا يمكن تجاهله في هذا الشأن، وهذا ما يوضح سبب إنشاء خط نابوكو يمكنكم تصوّر من يقف وراء هذا الخط الذي يعني، “نبوخذ نصر” لأخراج أوروبا من القبضة الروسية، وهنا ظهر الدعم الروسي للدولة السورية منذ البداية، لا دعماً معنوياً لحليف تقليدي كما يتوهم البعض، والهدف هو إيقاف مد هذا المشروع والتقى الهدفان فكان دفاع روسيا عن نفسها يمثل في الوقت نفسه دفاعاً عن الدولة السورية.
هي حروب تشتعل من العدم، وغيوم حروب الغاز تتجمّع.. فهل سيهطل المطر شديداً؟
ليس لنا سوى أن نسأل، وسوى أن نصرخ، إلى أين تقودنا حروب الغاز الفظة؟