غيوم سوداء فوق لبنان: اليوروبوند تواصل رحلة الهبوط

أنهى لبنان الأسبوع الماضي بتطوّر مثير للاهتمام: جميع شرائح سندات اليوروبوند سجّلت تراجعات حادّة، وصولاً إلى نسبة قاربت الـ 7.2% بالنسبة للسندات التي تستحق في 29 تشرين الثاني من العام المقبل. في النتيجة، تراجع سعر هذه الشريحة من السندات إلى 21.91 سنتاً للدولار في ختام الأسبوع الماضي (يوم 27 تشرين الثاني 2025)، مقارنة بـ 23.61 سنتاً للدولار في ختام الأسبوع السابق (يوم 20 تشرين الثاني 2025). مع الإشارة إلى أنّ هذا الانخفاض الحاد أتى بعد انخفاض مماثل سجّلته سندات اليوروبوند خلال الأسبوع السابق، وبنسبة قاربت الـ 2.58%.

باختصار، ثمّة غيوم سوداء، ماليّة وسياسيّة، تحوم فوق البلاد. والمتداولون بالسندات، في الأسواق الدوليّة، يقرأون هذا المشهد بعناية، ويتفاعلون معه. يوم اتّسعت الحرب الإسرائيليّة على لبنان، بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، سجّلت الأسواق فقزات سريعة في أسعار اليوروبوند، بعدما أدرك المستثمرون في السندات أنّ هذا الحدث -وما تبعه- سيليه تحوّلات سياسيّة تصب لمصلحتهم. ما يجري اليوم، من هبوط للأسعار، يوحي بأنّ الأسواق باتت تترقّب مخاطر جديدة، وأنّ هناك إشكاليّات كبيرة تحول دون الاتفاق مع صندوق النقد وإعادة هيكلة الديون السياديّة في المدى القريب. وربما أدرك المستثمرون أنهم أفرطوا في التفاؤل سابقاً، عندما شهدت الأسعار قفزات كبيرة خلال وبعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة.

ملاحظات المصارف الاستثماريّة

“المدن” اطّلعت على ملاحظات داخليّة مكتوبة أرسلها استشاريون في ثلاث مصارف وشركات استثماريّة دوليّة، بعد زياراتهم للبنان خلال الشهر الماضي. ومن المعلوم أنّ هذا النوع من الملاحظات يشكّل في العادة أحد مصادر المعلومات المهمّة، التي يعتمد عليها المستثمرون عند اتخاذ قرارات بيع أو شراء الأصول الاستثماريّة. المذكرات الثلاث، أجمعت على خلاصة واحدة: من غير المرتقب أن تتمكّن البلاد من الوصول إلى الاتفاق مع صندوق النقد قريباً، في ضوء العديد من العراقيل القائمة حالياً. ويمكن تلخيص هذه العراقيل، كما وردت في المذكرات، على النحو التالي:

أولاً، وجدت مذكرتان أنّ ثمّة علاقة لا يمكن التغاضي عنها ما بين السجال حول مستقبل سلاح حزب الله، والاتفاق المنتظر مع صندوق النقد الدولي، الذي يفترض أن يسبق إعادة هيكلة سندات الدين السيادي (وهذه مسألة مهمّة للمتداولين بالسندات). فرغم أنّ الصندوق لا يضع بشكلٍ صريح شروطًا سياسيّة لبرامجه، فإنّه ينتظر في المقابل مساهمة “شركاء” دوليين آخرين باستثمارات وقروض ومنح، بما يدعم مسار التعافي المالي بحسب الخطّة المتفق عليها مع لبنان. وكثير من هؤلاء الشركاء، هم دول منخرطة في التفاوض على التفاهمات الأمنيّة، التي ستبت بمصير سلاح حزب الله.

ثانياً، أشارت إحدى المذكرات بشكلٍ واضح إلى وجود شكوك بإمكان اكتفاء الصندوق بقانون إطار للفجوة الماليّة، وفق المقاربة التي تعمل عليها وزارة الماليّة، ما سيستلزم المزيد من العمل لإكمال الإطار التشريعي لهذه المسألة. كما أشارت إلى استمرار التباينات بين الأطراف المعنيّة بالعمل على معالجة الفجوة، وهو ما سيؤدّي إلى صعوبة في صياغة هذا الإطار المتكامل خلال الفترة المقبلة.

ثالثاً، تناولت مذكرة أخرى الجوانب الإيجابيّة التي عكسها مؤتمر “بيروت 1″، والذي سلّط الضوء على “الروح الرياديّة القويّة داخل القطاع الخاص اللبناني”. إلا أنّ هذه الحيويّة اللافتة ما زالت تصطدم مباشرةً بواقع الحوكمة الضعيفة والقيود السياسية والجيوسياسية، التي “تخنق القدرة على تحويل هذه المبادرات إلى نتائج مستدامة”. وهذا ما أدّى إلى عدم توقيع أي مذكرة تفاهم خلال المؤتمر، ما عكس “حدود الثقة الدوليّة” بالوضع المحلّي في لبنان.

ومن المهم الإشارة إلى أنّ المحللين استندوا -عند إعداد مذكراتهم- إلى الوقائع التي اطلعوا عليها خلال مؤتمر “بيروت 1” الأخير في بيروت، فضلاً عن مقابلاتهم الشخصيّة مع المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملفات الاقتصاديّة. ويبدو أنّ تلك المشاهدات تصوّب توقّعات الأسواق إزاء الوضع اللبناني، بعد موجة التفاؤل التي سادت منذ بداية السنة إزاء مستقبل الوضع المالي والاقتصادي في لبنان.

مخاطر الوضع الأمني

فضلاً عن هذه المذكرات الثلاث، اطّلعت “المدن” كذلك على تقرير تحليلي أعدّه مصرف لبناني، بخصوص الأسباب التي ضغطت سلبًا على أسعار سندات اليوروبوند خلال الأسبوعين الماضيين.

إلى جانب المسائل الماليّة والاقتصاديّة، تناول التقرير التحديات الأمنيّة التي برزت مؤخراً، ومنها ما تناولته “الأوساط السياسية من شائعات تفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل منحتا الدولة اللبنانية مهلة حتى 31 كانون الأول 2025 لتسليم أسلحة المجموعات العسكرية غير الرسمية”. كما تناول التقرير تصاعد الهجمات الإسرائيليّة، وصولاً إلى “اغتيال رئيس أركان الجناح العسكري لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الأحد الماضي”، ما يدل إلى انتقال المواجهة إلى مستوى جديد من الضربات الأكثر عمقاً. ووجد التقرير كذلك مؤشّرات سلبيّة في السجال الذي اندلع بين “مسؤولين لبنانيين وإيرانيين، حول التصريحات الأخيرة لأحد المسؤولين الإيرانيين، التي شدّد فيها على أهمية سلاح حزب الله بالنسبة للبنان”.

في النتيجة، يبقى من المهم التذكير بأنّ القيمة الفعليّة لسندات اليوروبوند سترتبط مستقبلاً بنسبة الاسترداد، أي قيمة السندات بعد إعادة هيكلتها، وإخضاعها إلى اقتطاعات معيّنة. وهذا ما سيتربط بمسار التفاوض بين الدولة اللبنانيّة والدائنين، حول هذه المسألة بالتحديد. إلا أنّ انطلاق هذا المسار ما زال ينتظر التفاهم المبدئي الجديد بين لبنان وصندوق النقد، الذي يفترض أن يمثّل “شهادة الثقة” التي سترتكز إليها الدولة قبل مفاوضة الدائنين. والبدء بكل هذه الخطوات، سيكون متعذراً من دون إنجاز الإصلاحات الماليّة المنتظرة والمعلّقة، وعلى رأسها إقرار قانون الفجوة المالية وتعديل قانون إصلاح أوضاع المصارف.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةمعضلة الكهرباء: لبنان استهلك الفيول العراقي ونسيَ فواتيره
المقالة القادمةالفضة تحقّق أرقاماً قياسية وتقارب عتبة 60 دولاراً للأونصة