قد يكون ارتفاع قيمة فاتورة الاستيراد في 2022 مبرّراً مع استباق التجار لبدء تطبيق الدولار الجمركي والتهافت على الاستيراد في النصف الثاني من العام، مما أدى الى ارتفاع فاتورة الاستيراد من 13 مليار دولار في 2021 الى 19 مليار دولار في 2022، لكنّ المدهش ان تواصل فاتورة الاستيراد ارتفاعها في العام 2023 رغم زيادة الدولار الجمركي تدريجياً من 1500 ليرة الى 15 ألف ليرة وصولاً الى 85500 ليرة حالياً، لتصل تقديرات حجم الاستيراد في النصف الاول من العام الحالي الى حوالى 9 مليارات دولار، رغم الازمة النقدية والمالية والاقتصادية المتفاقمة في البلاد، ورغم انتعاش الصناعة المحلية وازدهار الانتاج المحلي مع افتتاح 200 مصنع حديث مؤخراً (بأحجام مختلفة)، الامر الذي كان من المفترض ان يخفض حجم الاستيراد بدل ان يحافظ على معدلاته السابقة. مما يدعو للتساؤل حول نوعية المستوردات التي رفعت فاتورة الاستيراد في اوائل 2023 والفئة التي تستهلكها رغم ارتفاع أسعار السلع فضلا عن اسئلة عن حجم تهريب السلع المستوردة الى خارج لبنان.
فاتورة السيارات
ولوازم الطاقة الشمسية
في معلومات اولية، أكد المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة محمد ابو حيدر لـ»نداء الوطن» انه بانتظار الارقام الرسمية عن ادارة الجمارك، فان تقديراته لفاتورة الاستيراد في الاشهر الستة الاولى من العام 2023 بلغت 9 مليارات و 7 ملايين دولار في حين بلغ حجم التصدير ملياراً و900 مليون دولار. في العام 2022، كان ارتفاع فاتورة الاستيراد يعود لعدة اسباب منها زيادة حجم استيراد السيارات بشكل ملحوظ تحسباً للدولار الجمركي، وذلك من 771.71 مليون دولار عام 2019 الى 1399.55 مليار دولار عام 2022، والى ارتفاع حجم مستوردات الدواء الى 504.4 ملايين دولار، وارتفاع حجم مستوردات معدات لزوم تركيب طاقة شمسية إلى 930 مليون دولار، بالاضافة الى واردات البطاريات لزوم تركيب الطاقة الشمسية والمدخرات الكهربائية والمولّدات الكهربائية والمحولات الكهربائية، إلى ما مجموعه 588 مليون دولار.
ولكنّ لماذا لم يتأثر الاستيراد في النصف الاول من 2023 بارتفاع الدولار الجمركي رغم ان تضخم اسعار الاستهلاك وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي قد بلغ 251,5 في المئة في تموز 2023 مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، ورغم ان القطاعات الاقتصادية تعاني جميعها من تراجع في الحركة التجارية، بدليل ان مؤشر «جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة» اظهر تراجعاً للنشاط المجمّع في كافة قطاعات تجارة التجزئة بنسبة – 80.92% ما بين الفصل الأخير من 2022 والفصل الأول من 2023.
أحد المؤشرات الذي يدلّ على ارتفاع حجم الاستيراد في النصف الاول من 2023، هو ارتفاع قيمة الاعتمادات المستندية المفتوحة للاستيراد في القطاع المصرفي الى 973,80 مليار ليرة لغاية ايار 2023، مقابل 185,20 مليار ليرة في الفترة نفسها من 2022 عندما كان سعر الصرف الرسمي يبلغ 1500 ليرة الدولار الجمركي.
لم يكن الدولار الجمركي
مرتفعاً بداية 2023
في هذا الإطار، اوضح عضو الهيئات الاقتصادية عدنان رمال لـ»نداء الوطن» ان استيراد المحروقات يشكل نسبة كبيرة من فاتورة الاستيراد بالاضافة الى استيراد معدات تركيب الطاقة الشمسية التي بلغت أرقامها هذا العام ذروتها متخطية ارقام العام الماضي، مشيراً الى ان الاستيراد لزوم القطاع التجاري تراجع بشكل ملحوظ، «وهذا ما ستظهره الاحصاءات مع نهاية العام»، لافتاً الى ان حجم الاستيراد في الاشهر الاولى من العام 2023 كان أكبر بسبب الالتزامات المبرمة مسبقاً بين التجار والمصانع في الخارج والاعتمادات المفتوحة للاستيراد مسبقاً، علماً ان الدولار الجمركي في الشهرين الاولين من العام الحالي كان يُحتسب وفقاً لسعر الصرف الرسمي عند 1500 وبالتالي كان حجم الاستيراد لا يزال كبيراً، وبدأ بالتراجع تدريجياً مع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار الجمركي، إلا ان حجم الاستيراد في النصف الاول من العام 2023 بقي مماثلاً تقريباً للعام 2022 نتيجة للاتفاقيات المبرمة مسبقاً ولسعر صرف الدولار الجمركي عند 15 ألف ليرة أو 45 ألف ليرة الذي كان مقبولاً نوعا ما.
٧-٨ مليارات للمحروقات
والطاقة البديلة
لكن رمّال أكد ان ارقام الاستيراد في النصف الثاني من العام 2023 ستظهر تراجعاً لافتاً في استيراد معظم السلع، إلا ان كلفة استيراد المحروقات ومعدات الطاقة البديلة ستكون اكبر من العام الماضي (5,5 مليارات و1,5 مليار دولار على التوالي) وستشكل النسبة الاكبر من فاتورة الاستيراد بسبب ارتفاع الاسعار عالمياً، وبسبب زيادة الاستهلاك المحلي للطاقة الشمسية التي انتشرت في كافة المناطق والبلدات، وللمحروقات نتيجة ارتفاع عدد السياح والمغتربين هذا العام واستغناء المولدات الكهربائية الخاصة عن سياسة التقنين المعتمدة سابقاً. وبالتالي فان بندي المحروقات والطاقة البديلة سيشكلان بين 7 و8 مليارات دولار من حجم فاتورة الاستيراد.
تراجع استيراد السيارات
ولفت رمال الى ان الاستيراد في لبنان اتجّه هذا العام نحو الاساسيات إن كانت غذائية او استهلاكية او سلعاً معمّرة، على عكس العام الماضي الذي شهد على سبيل المثال استيراداً كبيراً للسيارات بقيمة 1,7 مليار دولار، متوقعاً ان ينخفض هذا العام الى اقلّ من 500 مليون دولار، مما سيخفض فاتورة الاستيراد بحوالى مليار دولار. معتبراً انه لا توجد معايير ثابتة لتحديد نوعية او حجم الاستيراد، الذي يعتمد كلّ عام على التدابير الادارية من رسوم وضرائب تفرضها الدولة وليس على رؤية اقتصادية تضعها الحكومة.
لم يعد التهريب مجدياً
وعما إذا كان التهريب لا يزال يشكل نسبة كبيرة من فاتورة الاستيراد، رأى رمال ان سعر صرف الدولار الجمركي عند 85500 ليرة، لم يعد يعتبر حافزاً مربحاً لتجارة التهريب او حتى للاستيراد عبر لبنان الى دول مجاورة، مما سيؤدي ايضاً الى تراجع في حجم الاستيراد الذي كان يصبّ في صالح الدول المجاورة.
وفي الخلاصة، توقع رمال ان يكون حجم الاستيراد في اواخر العام 2023 أقلّ من العام الماضي بسبب ارتفاع كلفة الرسوم الجمركية وتأثيره على أسعار السلع وعلى حجم الاستهلاك.
لا تغيير كبيراً في استيراد الأغذية
من جهته، استغرب نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي عدم صدور ارقام رسمية لغاية الشهر الثامن من العام من قبل ادارة الجمارك حول احصاءات الاستيراد، رغم انها تشكل مؤشراً حيوياً اساسياً بالنسبة للقطاعات الاقتصادية لرسم خططها التجارية المستقبلية.
وأوضح لـ»نداء الوطن» ان فاتورة استيراد المواد الغذائية تحديداً لم تشهد منذ العام 2019 لغاية اليوم صعوداً او هبوطاً لافتاً بل حافظت نوعاً ما على معدلاتها الطبيعية، لان تأثير رفع الدولار الجمركي على ارتفاع الاسعار كان نسبياً بين 2 و5 في المئة على معظم الاصناف، بالاضافة الى ان استهلاك المواد الغذائية الاساسية والاولية لا يتأثر بارتفاع الاسعار على غرار استهلاك الكماليات.
وأشار بحصلي الى ان مقارنة فاتورة الاستيراد الاجمالي بين العام 2022 و2023 مرتبطة ببنود عدّة منها التجاوزات الكبيرة التي حصلت في العام 2022 في ما يتعلّق بالدولار الجمركي، على غرار الاستيراد الهائل لسلع مختلفة مثل السيارات والاجهزة الالكترونية والخلوية بكميات تفوق حجم الاستهلاك المحلي.
كمية المحروقات نفسها…
لكن قيمتها أعلى
بدوره، لفت عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس الى ان كميات المحروقات المستوردة في النصف الاول من العام الحالي توزاي نظيرتها المستوردة في العام 2022، متوقعاً أيضاً ان تكون المعدلات نفسها في اواخر 2023 نتيجة عوامل عدّة منها تراجع استهلاك البنزين بسبب ارتفاع الاسعار رغم توافد المغتربين والسياح في الصيف، الذي عوّض نسبياً جزءاً من التراجع الحاد في الاستهلاك في الاشهر الاولى من العام. كما اوضح لـ»نداء الوطن» ان استهلاك المازوت تراجع ايضاً بسبب الاعتماد المتزايد على الطاقة الشمسية ونتيجة الاتفاق العراقي مع وزارة الطاقة الذي أدّى الى تراجع الطلب على المازوت من قبل اصحاب المولدات الخاصة. وتوقع البراكس ان تكون كميات المحروقات المستوردة في العام 2023 موازية للعام 2022 إلا ان فاتورة استيراد المحروقات ستكون أكبر من دون شكّ نظراً لارتفاع اسعار المحروقات عالمياً.