كثيرة هي الشوائب والمشاكل التي ترافقت مع إقرار “صفقة البواخر” التي مرّت رغم أنوف غالبية اللبنانيين. لكن، وبعدما فشلت المعارضة السياسية في دحر البواخر التركية من المياه اللبنانية ها هي اليوم تتأهب كي تنسحب من تلقاء نفسها، ليس لتعرّضها للإقصاء من قبل الجانب اللبناني بل بسبب عجز دولتنا المفلسة عن دفع مستحقاتها للشركة التركية. وبحسب المعلومات هناك فواتير مستحقة غير مدفوعة لـ”كارادينيز” منذ شهرين وتبلغ 120 مليون دولار أي ما يوازي 10% من استحقاق اليوروبوندز لشهر آذار المقبل.
تفضح هذا المسألة أخطاء السياسيين الفادحة في مجمل القطاعات وعلى رأسها قطاع الكهرباء، كما وتفضح أزمة المالية العامة في العجز عن تسديد هذه الفاتورة بعدما جفّت مصادر مصرف لبنان التمويلية وتبخّرت ودائع اللبنانيين. لكن ما لم يتّضح هو سبب عدم التسديد، فهل انفجرت أزمة “كارادينيز” بسبب إفراغ الخزينة من الأموال واندثار السيولة، أم بسبب الصراع ما بين أفرقاء 8 آذار لا سيّما وأنّ التضارب في وجهات النظر في ملف الكهرباء قد انفجر في الفترة الأخيرة، كما تجلّى في جلسة مجلس النواب لدى مناقشة البيان الوزاري.
إن صحّ انسحاب البواخر، ففي ذلك رحيل لكابوس أثقلت رائحة فساده كاهل اللبنانيين. الجيّد بالموضوع أنه وبعد مغادرة البواخر ستنخفض الفاتورة النفطية لانتاج الكهرباء ولكن السيئ هو انخفاض التغذية بالتيار الكهربائي. وبالتالي سيدفع المواطن، الذي بات رهينة محطات البنزين، وأصحاب الأفران والمصارف، فاتورة المولد وهي الأغلى عالمياً.
بدون حلّ نهائي سيتجاوز التقنين الـ14 ساعة. وفي عمليّة حسابية صغيرة، 14 ساعة × 435 = 6090 ليرة (لليوم) أي حوالى 183 ألف ليرة شهرياً ذلك طبعاً للـ5 أمبير. كل ذلك، من دون أن ننسى الشحّ في مادتي المازوت والمترافقة مع تقييد السحوبات من المصارف. وفي حال عجز مصرف لبنان عن تحويل الأموال لاستيراد المحروقات فعندها ستصبح مادة المازوت أسيرة السوق السوداء الأمر الذي سيؤدي إلى تضاعف الفاتورة الشهرية على المواطن.
منذ العام 1993 تعتمد الدولة على تثبيت سعر الكيلوواط عند 9.5 سنتات على أساس سعر 25 دولاراً لبرميل النفط. لكن من المفترض أن يتحرك سعر كيلوواط الكهرباء مع سعر برميل النفط، ولو حصل ذلك لكانت الخزينة العامة قد وفّرت حوالى 70% من عجز الكهرباء (على أساس أنّ العجز التقني يبلغ 30% فيما كلفة استيراد الفيول تتسبب بباقي القيمة). لكنّ ذلك لم يحصل، بسبب عدم جرأة السياسيين المتعاقبين من نواب ووزراء على اتخاذ قرار مماثل من شأنه أن يطيح بـ”كراسيهم”.
يبقى المطلوب واحداً، اعتماد خطة تأخذ في الاعتبار المعامل على الغاز والطاقات البديلة الكفيلة بتأمين 40% من حاجة لبنان من دون تحميل الأعباء للمواطنين. والأهم الابتعاد عن مركزيّة الانتاج التي لا تتلاقى مع الـTrend العالمي والانتقال إلى نموذج انتاج لامركزي، يوزّع وحدات الانتاج على سائر المناطق والأراضي اللبنانية.