ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن دور النرويج قد برز بوضوح أزمة الطاقة بتعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي، لكن الوقت قد حان لمطالبتها بالمزيد، بحسب الصحيفة.
وتذكر الصحيفة أنه في “خضم أزمة الغاز سطع نجم النرويج.. تصدرت المشهد وفعلت ما بوسعها لتبقى الإنارة مشتعلة في أرجاء أوروبا، فقد زادت من إنتاجها لتعويض ما يمكن من الإمدادات الروسي”.
وتضيف “لكن منذ أن بدأت روسيا علانية بتقليص صادراتها في يونيو، استمر صعود أسعار الغاز لأكثر من الضعف. وهذا ألقى بظلاله على أشياء كثيرة فحتى المصانع هدأ ضجيجها. هناك ثمة من يرى أن الوقت قد حان لمطالبة النرويج بفعل المزيد، انه أمر ربما كان ضربا من الخيال في يوم من الأيام، لكن يجب أن توافق النرويج على خفض اسعار بيع غازها”.
وتضيف ” قبل أن تعلو صيحات الاحتجاج من أوسلو وقبل أن تتدفق شكاوى أنصار اقتصاد السوق، يجدر القول إن هذا ليس اقتراحا رسميا، وإنما هي آراء يهمس بها في جلساتهم الخاصة مدراء تنفيذيون رفيعو المستوى في مجال النفط والغاز من خارج النرويج، وبما أن الأمر كذلك فهي تستحق أن نتعرف عليها”.
وتشرح “فايننشال تايمز” بشأن الأزمة” يقول هؤلاء إن أوروبا، سواء أرادت الاعتراف بذلك أم لا، فهي في الواقع متورطة في حرب اقتصادية نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا.
ووتابع إن “العقبة الأكبر التي يمكن أن توقف الدعم الأوروبي لكييف.. هي تحويل ازمة الطاقة إلى أزمة اقتصادية، وتحويل اهتمام الناخبين الغربيين للشأن الداخلي. أسعار الغاز لم تعد مرتفعة فحسب، بل إنها تحولت بسرعة إلى سلاح اقتصادي”.
وتضيف “النرويج تجني أموالا طائلة من بيع الغاز بسعر يكافئ 400 دولار لبرميل النفط، هذا الرقم ضخم لدرجة تحير العقل، لكن مهما كانت الارباح عالية ليس في مصلحة النرويح أن تنظر لجيرانها وهم يقعون الواحد تلو الآخر في مستنقع ركود اقتصادي عميق، أو أن ترى الجرأة الروسية وقد تزايدت لدرجة التحرك نحو حدود الاتحاد الأوروبي”.
وتتابع “الأرقام الصعبة تترك أثراً في النفس لذا سنورد بعضها. الحصة الأكبر من الغاز النرويجي تذهب عبر خط أنابيب إلى أوروبا، وهي يشكل نحو ربع إمدادات القارة الأوروبية. في حين أن نصيب المملكة المتحدة وحدها من هذا الغاز يشكل 40 في المائة من الغاز النرويجي”.
وتضيف ” في مايو الحكومة النرويجية توقعت أن تصل عائداتها من النفط والغاز لهذا العام إلى 100 مليار يورو، والحديث يدور عن دولة بتعداد سكان لا يتجاوز 5.4 نسمة، ما يعني أن حصة الفرد الواحد تبلغ حوالي 18 ألف يورو، وهذا يمثل أكثر من إجمالي الإنفاق العام لحكومة المملكة المتحدة للفرد خلال عامي 2020/21″.
وتقول “لقد تضاعفت أسعار الغاز منذ ذلك الحين، واليوم يتم تداوله باسعار تفوق عشر مرات متوسط أسعار العقد الماضي. من الواضح أن النرويج لديها مجال مالي كبير. للمقارنة كانت عائدات النفط والغاز أقل من 30 مليار يورو العام الماضي”.
وتتابع “إذا وافقت أوسلو على وضع حد أعلى للأسعار بما يكافئ 150 – 200 دولارًا لبرميل النفط، هذا بدوره يشكل أكثر من متوسط ما حققته النرويج في النصف الأول من هذا العام، عندما استطاعت شركة Equinor عملاق الطاقة المدعومة من الحكومة أن تحقق أرباحاً قياسية، صحيح أن هذا المستوى من الأسعار مازال مؤلمًا، لكن الاقتصادات الأوروبية أن تتحمله”.
الخبير الاقتصادي أسلاك بيرج، يعتقد أن “أي تخفيض في السعر سيكون من الصعب على أسلو تقبله من الناحية السياسية، لكن النزويح مع ذلك لديها مصلحة في المساهمة في استقرار الاقتصاد الأوروبي ودعم أوكرانيا. وأعتبر الخبير أن “الخيار الذي قد يكون منطقيًا لكلا الطرفين هو الالتزام بعقود طويلة الأجل بأسعار أقل بكثير من السعر الحالي، لكن أعلى بكثير من المتوسط التاريخي”.
وتؤكد “ليس من السهل أن تجد حلا سحرياً، فمن ناحية ثانية من المهم أن تظل أسعار سوق الغاز الأوروبية مرتفعة من أجل جذب الشحنات اللازمة من الغاز الطبيعي المسال قبل أن تذهب إلى آسيا. كما ان هناك مخاطر من استقرار الأسعار تحت تأثير عوامل السوق”.
وتقول الصحيفة “النرويج بدورها معرضة لتقلبات الاقتصاد العالمي، مدفوعة بأسعار الطاقة المتقلبة، هذا الخطر قائم أكثر مما قد يظن البعض، فقد خسر صندوق النرويج للثروة السيادية البالغة قيمته 1.2 تريليون دولار، في النصف الأول من هذا العام 14.4 في المائة، وهذا يشكل 174 مليار دولار، وهذا يساوي أكثر مما يمكن أن تحققه الحكومة من أسعار النفط والغاز القياسية”.
تدرك النرويج أيضًا وجود تهديد لحجم الطلب على الغاز على المدى الطويل بسبب الأزمة. لذلك فهي راغبة في بناء اقتصاد طاقة مستقبلي معتمد على مصادر الطاقة المتجددة (الرياح البحرية والهيدروجين)، وعلى التعاون الوثيق مع جيرانها أيضًا. مسؤولون تنفيذيون رفيعو المستوى في النرويج تحدثوا بصراحة عن مخاوفهم من أن يُنظر إليهم على أنهم يتبعون نهج “النرويج أولاً”، بحسب فايننشال تايمز.
وتتابع “من الأهمية بمكان بالنسبة لأوروبا أن تتجنب الوقوع في فخ الاستحواذ على مواردها القومية وإدارة ظهرها لجيرانها، لأن هذه سيصب في مصلحة بوتين. لا ينبغي لأحد أن يقترح معاملة النرويج باعتبارها مستفيدة من الأزمة ونسيان مساهمتها في أمن الطاقة الأوروبي. لكن الأمر يستحق على الأقل مناقشة ما يمكن فعله لخفض الأسعار”.
وتختم الصحيفة “إن فتح المجال لأقصى حد والسماح بالحد الأعلى من التدفق يستحق التقدير. وقد يكون القيام بذلك بسعر يساعد في تهدئة معاناة الاقتصادات الأوروبية في مصلحة النرويج أيضًا”.