تسجّل أسعار سندات الخزينة اللبنانية هبوطاً شديداً فيما يرصد المستثمرون المشاحنات السياسية في بيروت والتشنجات الإقليمية التي تتصاعد وتيرتها في الخليج. وقد ارتفعت فوارق العائدات على السندات اللبنانية فوق سندات الخزانة الأميركية إلى أعلى مستوياتها تقريباً منذ عشر سنوات. وسجّل سعر عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية، التي يجري شراؤها باعتبارها شكلاً من أشكال التأمين على السندات، ارتفاعاً كبيراً من جديد ليصل إلى 888 نقطة أساس، أي بزيادة أسبوعية بلغت 13 نقطة أساس. وفي هذا الصدد، كتب جايسون توفي، كبير الخبراء الاقتصاديين لشؤون الأسواق الناشئة لدى شركة Capital Economics، أن اتساع فوارق العائدات يؤشّر إلى أن “المستثمرين بدأوا يقتنعون بوجهة نظرنا لناحية أنه سيكون على السلطات اللجوء إلى إعادة هيكلة الديون”.
لطالما كانت المشاحنات السياسية عنواناً من عناوين الحكم في لبنان بعد الحرب الأهلية في إطار نظام قائم على تقاسم السلطة وتوزيع المناصب بين المذاهب. لم تتخلف الدولة يوماً عن تسديد مستحقات سندات الدين. لكن مع تضخم الدين العام اللبناني ليبلغ نحو 160 في المئة من إجمالي الناتج المحلي – وهي ثالث أعلى نسبة في العالم – وتعثُّر الاقتصاد الحقيقي في البلاد، يخشى المستثمرون أن الوقت بدأ ينفد. وقد أعرب رئيس الوزراء سعد الحريري هذا الشهر عن استيائه من أن السياسيين لا يزالون يتساجلون بسبب موازنة أُقِرّت بعد 19 جلسة حكومية، “وكأن معظم مَن أقروا الموازنة في [مجلس الوزراء] هم من كوكب سياسي آخر لا علاقة له بالحكومة”.
تهدف موازنة 2019 إلى خفض العجز من 11.5 إلى 7.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من خلال تطبيق بعض الزيادات الضريبية، بما في ذلك زيادة أسعار الفوائد، والاقتطاع من المنافع التي يحصل عليها موظفو القطاع العام. والموازنة هي حالياً قيد النقاش في مجلس النواب، ويُفترَض، بحسب ما كان مقرراً، أن يجري التصويت عليها بحلول نهاية شهر حزيران الجاري.
لكن وفقاً لمحللين في وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، تبقى الإجراءات التي نصّت عليها الموازنة فضلاً عن إبرام اتفاق مع المصارف المحلية لإعادة تمويل سندات الخزينة بأسعار فوائد أقل، “غير كافية لإحداث تغيير كبير في مسار الدين”.
كذلك لم يحقق لبنان تقدّماً يُذكَر من أجل الحصول على رزمة المساعدات لتمويل البنى التحتية والتي تصل قيمتها إلى 11 مليار دولار، ويشترط المانحون الدوليون إجراء خفوضات في العجز إنما أيضاً تطبيق إجراءات لتعزيز الشفافية قبل أن يبادروا إلى صرف الأموال التي تعهّدوا بتقديمها إلى لبنان.
وفي غضون ذلك، يأتي تصاعُد وتيرة التشنجات في الشرق الأوسط بين إيران والدولتَين الحليفتين للولايات المتحدة، السعودية والإمارات، ليُلقي بثقله أيضاً على ثقة المستثمرين بلبنان الذي يقع بين إسرائيل وسوريا ويتأثر القطاع التجاري فيه ونموه الاقتصادي إلى حد كبير بالتطورات الإقليمية، لا سيما وأن البلاد تعوّل على التحويلات المالية من المغتربين، وخصوصاً الموجودين منهم في بلدان الخليج الغنية بالنفط، لدعم ميزان مدفوعاتها.
يُشار إلى أن أسعار سندات الخزينة اللبنانية كانت قد حققت معافاة بعد تسجيلها هبوطاً شديداً في أواخر العام الماضي، وجاءت هذه المعافاة في أعقاب تشكيل حكومة جديدة في أواخر كانون الثاني بعد أزمة استمرت تسعة أشهر تعثّرت خلالها ولادة الحكومة.