فحيلي: إخراج لبنان من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي

عهد جديد وحكومة جديدة يحملان وزر تركة ثقيلة وكبيرة أورثتها العهود والحكومات السابقة نتيجة سوء أداء وفساد وعدم تطبيق الإصلاحات، حتى وصل لبنان إلى ما وصل إليه وأدى إلى وضعه على اللائحة الرمادية، فهل ستتمكن هذه الحكومة من إخراج لبنان من هذه اللائحة أو أننا ذاهبون باتجاه اللائحة السوداء ؟

في هذا الإطار يقول الباحث في كلية سليمان العليان للأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، الدكتور محمد فحيلي في حديث للديار: قد وضع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) ضغطاً كبيراً على نظامه المالي الهش أصلاً ، ويجب أن تفي الدولة بمتطلبات الامتثال الصارمة للخروج من هذا المأزق. ويؤكد فحيلي أن تحقيق هذا الهدف ليس مسؤولية طرف واحد. ويتطلب جهدا منسقاً وجماعياً عبر سلطات متعددة، لأن فشل كيان واحد سيعرض العملية برمتها للخطر، والنجاح الجزئي ليس خياراً فإذا فشل أي كيان مسؤول في الوفاء بالتزاماته، سيبقى لبنان على القائمة الرمادية.

وشدد فحيلي على ضرورة تحديد الإجراءات الرئيسية التي يجب على لبنان اتخاذها وتحديد مسؤولية كل طرف ذي صلة، مع التأكيد على ضرورة اتباع نهج الإصلاح القائم على كل شيء أو لا شيء – All or Nothing.

ويشير فحيلي إلى ان تقييم مجموعة العمل المالي للبنان يسلط الضوء على أوجه القصور في العديد من المجالات الرئيسية، بما في ذلك قوانين تبيض الأموال وتمويل الإرهاب، والعناية الواجبة للعملاء، ومصادرة الأصول، وشفافية الملكية المستفيدة، والتعاون الدولي لافتاً ان معالجة هذه القضايا تتطلب جهداً متزامناً من قبل جميع السلطات المسؤولة، مؤكداَ أن الامتثال الجزئي غير كاف، لأن مجموعة العمل المالي تتطلب إصلاحات شاملة يتم تنفيذها وإنفاذها بشكل فعال، “فإذا فشلت أي مؤسسة بمفردها، فإن النظام بأكمله ينهار، مما يضمن استمرار العزلة المالية والإضرار بالسمعة”.

وعدد فحيلي الإجراءات الأساسية والمسؤولية:

1. تعزيز قوانين تبيض الأموال وتمويل الإرهاب إذ تسمح الثغر في الإطار القانوني اللبناني بحدوث تجاوزات في تبيض الأموال وتمويل الإرهاب.

● تعديل التشريعات لتتمشى تماماً مع الأداء المسؤول، وضمان عقوبات متناسبة ورادعة، وتجريم جميع الجرائم الأصلية، معتبراً أن وزارة العدل، والقضاء، وهيئة التحقيق الخاصة، والبرلمان هي السلطات المسؤولة عن ضمان نجاح هذه الجهود، مؤكداً إذا نجح واحد فقط من هذه الكيانات بينما فشلت كيانات الأخرى، سيظل لبنان غير ممتثل، وستستمر الأنشطة غير المشروعة.

2. تعزيز مصادرة الأصول:

رأى فحيلي أن هناك ضعف في الآليات المعتمدة لتحديد الأصول غير المشروعة وتجميدها ومصادرتها مشدداً على ضرورة إنشاء مديرية مخصصة لإدارة الأصول، وتعزيز الأطر القانونية، وتدريب أجهزة تطبيق القانون على أفضل الممارسات في استرداد الأصول لافتاً ان وزارة العدل، وزارة الداخلية، هيئة التحقيق الخاصة، والقضاء مسؤولون عن ضمان حسن التنفيذ، ورأى أن الإنفاذ السليم هو الممر الإلزامي للحدّ من استغلال الثغر المالية ويساهم في خروج لبنان من اللائحة الرمادية.

3. تنظيم المنظمات غير الحكومية (NGOs) والتي لا تبغي الربحية (Non-Profit Organization) لمنع إساءة الاستخدام:

في هذا المجال تحدث فحيلي عن غياب الرقابة على مصادر تمويل هذه المنظمات يجعلها عرضة للاستغلال مشدداً على ضرورة التسجيل الإلزامي، وإجراء تقييمات المخاطر، وتعزيز الرقابة والتدقيق، مشيراً ان وزارة الداخلية، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ومركز الاستخبارات المالية، والجهات التنظيمية المالية ذات الصلة هي من تتحمل مسؤولية حسن التنفيذ والامتثال.

واكد أن المسؤولية للجميع وعلى الجميع أن يكف عن إساءة استخدام هذه المنظمات للتمويل غير المشروع مما يعيق إخراج لبنان عن اللائحة الرمادية.

4. تعزيز العناية الواجبة للعملاء (CDD) ومراقبة الأشخاص المعرضين سياسيا (PEP):

رأى فحيلي أن هناك ضعفا في تطبيق ل CDD، خاصة بالنسبة للأفراد المعرضين لمخاطر عالية، مشيراً إلى أهمية نشر التوعية وتفعيل العناية الواجبة المعززة (EDD)، وإنشاء قاعدة بيانات مركزية، وفرض إشراف تنظيمي أكثر فعالية، معتبراً ان مصرف لبنان، المؤسسات المالية بمختلف أنواعها وأشكالها، جمعية مصارف لبنان، ومكونات القطاع الخاص عليهم مسؤولية ضمان حسن التنفيذ والإمتثال، ” يجب ان يكون التنفيذ متينا وموحدا وعدم ترك فجوات، مما يسمح للجهات الفاعلة غير المشروعة باستغلال النظام”.

5. تحسين الشفافية في الملكية المستفيدة – Beneficial Owner:

هنا يقول فحيلي إن عدم وجود سجل مركزي يمكن الوصول إليه لمعلومات الملكية المستفيدة يسمح في ارتكاب الجرائم المالية، ويجب إنشاء سجل وطني للملكية المستفيدة، وإنفاذ متطلبات الإبلاغ، وتنفيذ آليات التحقق، والجهات المسؤولة عن ضمان حسن التنفيذ والإمتثال هم وزارة العدل، وزارة الاقتصاد والتجارة، مصرف لبنان، ومراكز الاستثمار – Investment Authorities، أما التنفيذ المطلوب فهو عبر جميع الكيانات ذات الصلة؛ غير ذلك يبقي معلومات الملكية المستفيدة غامضة، مما يعزز مخاوف مجموعة العمل المالي.

6. تعزيز تنظيم التقنيات الجديدة (AI) والأصول الافتراضية (Virtual Assets):

وفقاً لفحيلي يؤدي عدم وجود إطار تنظيمي واضح للأصول الافتراضية إلى مخاطر الجرائم المالية، ووضع إطار تنظيمي شامل ومتماسك، وإجراء تقييمات للمخاطر، وزيادة الوعي بين المؤسسات المالية أصبح واجبا مشيراً أن الجهات المسؤولة عن ضمان حسن التنفيذ والامتثال هي وزارة المالية، مصرف لبنان، ومراكز الاستثمار، و إذا فرضت سلطة واحدة فقط اللوائح بينما تأخرت سلطة أخرى، فسيستمر المجرمون الماليون في وجود واستغلال الثغر.

7. تعزيز التعاون الدولي وإجراءات تسليم المجرمين:

يعتبر فحيلي أن التأخير وعدم الكفاءة في الاستجابة لطلبات المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم المجرمين مصدر قلق، ويجب تعديل القوانين لتسريع الإجراءات والتفاوض على المعاهدات الثنائية وتعزيز قدرات السلطات المعنية أما الجهات المسؤولة عن ضمان حسن التنفيذ والامتثال فهي وزارة العدل، ووزارة الخارجية، والقضاء، وهيئة التحقيق الخاصة، محذراً من أن يؤدي الفشل في أطر المساعدة القانونية المتبادلة إلى إبقاء لبنان معزولا عن النظام المالي الدولي.

دور القطاع الخاص

وحول دور القطاع الخاص يقول فحيلي :

يعد القطاع الخاص شريكاً أساساً في جهود لبنان للخروج من اللائحة الرمادية وبدون تعاونها الكامل، لن يكون أي إصلاح تقوده الحكومة فعالاً، مشيراً إلى أن المسؤوليات الرئيسية تشمل ما يأتي:

● ضمان الامتثال لتدابير العناية الواجبة للعملاء (CDD) وتنفيذ العناية الواجبة المعززة (EDD) للعملاء ذوي المخاطر العالية.

● الإفصاح عن الملكية المستفيدة بشفافية لمنع إساءة استخدام هياكل الشركات.

● التعاون النشط مع المنظمين لضمان تنفيذ السياسات المتوافقة مع مجموعة العمل المالي.

● تطبيق تدابير مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب على المهن عالية الخطورة مثل الوكلاء العقاريين والمحامين وغيرهم.

● الامتثال للوائح الجديدة الخاصة بالأصول الافتراضية والتكيف مع مخاطر الجرائم المالية المتطورة.

● الاستثمار في التدريب وعمليات تدقيق الامتثال الداخلية للحفاظ على نهج وثقافة الشفافية.

وحذّر فحيلي إذا فشل القطاع الخاص في الوفاء بهذه المسؤوليات، فإن جهود لبنان للخروج من اللائحة الرمادية ستنهار، بغض النظر عن مدى جودة أداء أجهزة الدولة.

ويختم فحيلي بالقول: نهج كل شيء أو لا شيء – All or Nothing: التزام وطني إن الخروج من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي ليس مهمة يمكن إنجازها من قبل طرف واحد. وإذا فشلت أي سلطة أو قطاع في تنفيذ الإصلاحات اللازمة، فإن الجهد بأكمله ينهار. يعتمد النجاح على:

● إنشاء فريق عمل وطني لضمان حسن تنفيذ خريطة الطريق التي تقدمت بها مجموعة العمل المالي.

● تنفيذ إجراءات مساءلة صارمة لمراقبة الامتثال ومعاقبة عدمه.

● تأمين الإرادة السياسية والالتزام بضمان تصويب الأداء وتنفيذ الإصلاحات دون تدخل.

إذا فشلت إحدى مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص، يظل لبنان على اللائحة الرمادية؛ إما أن ينجح الجميع أو لا أحد!

فإن مسار لبنان للخروج من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي واضح ولكنه متطلب. النجاح الجزئي أو المجتزأ هو كالفشل. فقط من خلال العمل الجماعي والإصلاحات التشريعية والإنفاذ الصارم من قبل جميع السلطات المسؤولة وكيانات القطاع الخاص يمكن للبنان استعادة الثقة في نظامه المالي واستعادة الوصول إلى الأسواق الدولية.

مصدرالديار - أميمة شمس الدين
المادة السابقةروائح كريهة في مرفأ بيروت: حريق جديد قادم
المقالة القادمةحاكميّة “المركزي” رُحِّلت لما بعد زيارة لودريان… 3 اسماء بالصدارة