حذر “الملتقى السنوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” الذي عقد الخميس الماضي في بيروت من مخاطر توسع التعاملات النقدية في لبنان على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومن انعكاساتها على تصنيف البلد لدى مجموعة العمل المالي (فاتف).
ونوه حاكم مصرف لبنان المركزي بالإنابة وسيم منصوري في كلمة افتتاحية بانعقاد الملتقى الذي ينعقد تحت عنوان “تداعيات الاقتصاد النقدي على النظام المصرفي” بتنظيم من “اتحاد المصارف العربية” بالتعاون مع “الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب” و “ھيئة التحقيق الخاصة” المالية في لبنان.
وأشار منصوري إلى أن الاقتصاد اللبناني شهد انكماشا حادا في السنوات الاخيرة حيث انخفض الناتج المحلي من 55 مليار دولار سنويا إلى أدنى من 20 مليارا، وفقدت الليرة اللبنانية 98 % من قيمتها … أما الموازنة، فانخفضت من 17 مليار دولار إلى 3.2 مليار دولار”.
وقال منصوري إن “الأزمات خلقت حالة من عدم الثقة لدى المودعين، ما حرف النشاط الاقتصادي إلى خارج النظام المصرفي وأصبح نقديا بمجمله”، معتبرا أن ذلك “يشكل خطرا كبيرا على الدولة ويهدد بعكس مسار التقدم الذي حققه لبنان في مجال مكافحة تبييض الأموال في القطاع المصرفي”.
وحول الانعكاسات السلبية للتعاملات النقدية الواسعة الجارية في لبنان، لفت منصوري إلى “أننا نعمل جاهدين لمنع إدراج مجموعة العمل المالي (فاتف) للبنان في الخريف المقبل على القائمة الرمادية للدول الخاضعة لرقابة خاصة”.
وشدد على حاجة لبنان إلى وضع خطة عمل تشاركية مع الجهات المحلية المعنية كافة بدعم من السلطة التشريعية لمعالجة الثغرات وتعزيز فعالية نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.”
كما شدد على “وجوب الارتكاز الى دعائم أربع لإخراج لبنان من الأزمات العميقة هي المحاسبة عن طريق القضاء ووضع آلية واضحة لإعادة أموال المودعين، إضافة إلى بناء الاقتصاد من خلال إعادة إطلاق عمل القطاع المصرفي فضلا عن إعادة هيكلة الدولة وإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها”.
في السياق لخص الباحث في الشؤون الإقتصادية والمصرفية محمد فحيلي في حديث للديار النقاط الرئيسية من خطاب منصوري بالاتي:
1. التحديات الراهنة: أشار الدكتور منصوري إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبيرة التي تواجه لبنان، بما في ذلك التأثيرات السلبية للأوضاع الجيوسياسية والاقتصاد النقدي المدولر.
2. جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: أكد أن مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب كانت ولا تزال أولوية قصوى للبنان. وأوضح الخطوات التي اتخذتها البلاد لتعزيز إطارها القانوني والتنظيمي في هذا المجال، بما في ذلك إصدار قوانين جديدة وإنشاء هيئة التحقيق الخاصة في الـ 2001.
3. الاقتصاد النقدي المدولر: ناقش الأثر السلبي للنشاطات النقدية المدولرة في النظام المصرفي اللبناني، وكيفية تعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية للحد من الاقتصاد النقدي.
4. الإجراءات الجديدة: أشار إلى القرارات والإجراءات الجديدة التي اتخذها مصرف لبنان لتقليل الكتلة النقدية وتحسين الاحتياطات الأجنبية. كما تم الحديث عن وقف تمويل الدولة والتدخل في سوق القطع كجزء من الإصلاحات الهيكلية. من الخطأ اختزال مشكلة القطاع المصرفي في لبنان بمجرد مشكلة تضخم. فالتضخم المرتفع هو نتيجة للأزمة، وليس السبب الجذري لها.
ورأى فحيلي أن الإجراءات الجديدة التي اتخذها مصرف لبنان، مثل تقليل الكتلة النقدية وتحسين الاحتياطات الأجنبية، قد تكون خطوات مهمة، لكنها تتعامل مع أعراض المشكلة بدلاً من معالجتها من جذورها، معتبراً أن الأزمة المصرفية في لبنان تتعلق بالفساد المستشري وسوء الإدارة وانعدام الثقة، “وهذه هي القضايا التي يجب معالجتها أولاً إذا كان هناك أمل في استعادة الاستقرار المالي والاقتصادي”.
5. التحديات المستقبلية: دعا منصوري إلى ضرورة وضع خطة شاملة لمعالجة الثغر وتعزيز فعالية النظام المالي في مواجهة المخاطر، مشدداً على أهمية التعاون مع الدول العربية في هذا المجال. “فشل القطاع المصرفي ليس مجرد تعثر بسيط يمكن تجاوزه بسهولة ، فالتحديات المستقبلية التي أشار إليها الدكتور منصوري تتطلب أكثر من مجرد خطة شاملة لمعالجة الثغر، وإن أهمية تعزيز فعالية النظام المالي في مواجهة المخاطر لا تكمن فقط في التعاون مع الدول العربية، بل أيضًا في إجراء إصلاحات جذرية تتعامل مع الأسباب العميقة التي أدت إلى هذه الأزمات، وهو أمر يتطلب مواجهة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة، وهي تحديات تتجاوز بكثير الحلول التقنية البحتة”.
6. أربعة مبادئ أساسية: أكد منصوري على أربعة مبادئ أساسية للخروج من الأزمة العميقة في لبنان، وهي: المحاسبة القضائية، إعادة أموال المودعين، إطلاق عمل القطاع المصرفي، وإعادة هيكلة الدولة “هذه المبادئ الأربعة تبدو طموحة جدا وتكاد تكون مستحيلة التحقيق في ظل الظروف السياسية الحالية في لبنان”.
و لذلك يرى فحيلي أن الفساد المستشري وعدم الكفاءة داخل الطبقة السياسية يجعل من الصعب جدًا تنفيذ مثل هذه الإصلاحات دون ضغط خارجي كبير أو تغيير جذري في المشهد السياسي ، متوقعاً أنه قد يكون ذكر منصوري لهذه المبادئ كمحاولة لتوضيح المسار المثالي للمضي قدمًا، حتى لو كان تنفيذها على أرض الواقع يبدو غير قابل للتحقيق في الوقت الحالي.
ولفت فحيلي إلى أن المبادرات أو الإجراءات التي تتطلب تعاوناً أو مشاركة فعالة من الفئة السياسية الفاسدة وغير الكفؤة، بالنظر إلى أدائها الضعيف خلال سنوات الأزمة، قد تكون محكوماً عليها بالفشل.
ويرى فحيلي أن السبب وراء حديث الدكتور منصوري عن هذه المبادئ والمقترحات هو ضرورة التأكيد على الحلول المثالية من الناحية التقنية والاقتصادية، بغض النظر عن العقبات السياسية ، يمكن أن يكون ذلك محاولةً لتوجيه الضغط العام والدولي على الطبقة السياسية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة أو لتبرئة المؤسسات المالية مثل مصرف لبنان من التبعات السلبية المحتملة نتيجة عجز السياسيين عن اتخاذ القرارات الجريئة اللازمة.
بمعنى آخر يقول فحيلي قد يكون حديث منصوري عن هذه الأمور جزءاً من دوره الرسمي في تقديم رؤية إصلاحية ومشاريع قوانين يمكن أن تضع لبنان على المسار الصحيح إذا ما تم تطبيقها، حتى لو كان يدرك ضمنياً أن إمكان التنفيذ محدود بسبب السياق السياسي الحالي.