فذلكة الموازنة أمام لجنة المال: أرقام غير موثوقة!

 

 

بدأت لجنة المال والموازنة، أمس، بدرس مواد الموازنة، بعد أن انتهت في الجلسة الصباحية من درس فذلكتها. مسار المناقشات جدي، لكنه يبقى محاصراً بالعلاقة العضوية التي تجمع المجلس النيابي بالحكومة. فالكتل التي أقَرَّت هنا تدقِّق هناك. وبعد الخيبة من مشروع الموازنة، لم يبق سوى الترقيع. وأول التعديلات أدى إلى إعادة أموال الهبات إلى كنف الرقابة

أكثر من 50 نائباً تحمّسوا للمشاركة في جلسة مناقشة الموازنة في لجنة المال النيابية. جلّهم ينتمي إلى كتل ممثلة في الحكومة. وهي كتل شاركت في صياغة المشروع الذي بدأت اللجنة بدرسه. ليس الترابط في المواقف حتمياً، لكن يفترض نظرياً أن المنتمين إلى كتلة واحدة يتشاركون الرؤية الاقتصادية نفسها أو على الأقل يوافقون على الإجراءات الأساسية. لكن أمس، تبين أن معظم النواب كان خطابهم مناقضاً لما أقرّه ممثلو كتلهم في الحكومة. النواب غير راضين عن المشروع الذي أرسلته الحكومة. لكن كيف التعبير عن هذا التوجه؟ دستورياً ثمة طريقان: إما يقترحون ردّ الموازنة إلى الحكومة لإعادة درسها أو يتقدمون بطلب لطرح الثقة بها. ذلك وَهْم، ولم ولن يحدث. ولذلك، هم يشاغبون. ينتقدون. يعترضون. يرفعون الصوت، ثم يعود كل منهم إلى عرينه ملتزماً سقف ما وصلت إليه الحكومة.

قلة من يحملون مشروعاً جدياً لدرس الموازنة. لكن هل يستطيع هؤلاء فرض وجهة نظرهم الداعية إلى الالتزام بدستورية الموازنة، بوصفها مشروعاً يتضمن إنفاق الدولة وإيراداتها؟ وهل سيتمكنون من تشذيبها وإبعاد المواد الملتصقة بها من دون وجه حق؟ الأغلبية ستقرر. ومنذ الآن يثق أحد النواب بأن الأغلبية في اللجنة، قبل الهيئة العامة، ستسير بما رسمته الحكومة، مع إمكان تعديل بعض البنود، التي لا تمس بجوهر الموازنة. ولذلك، على سبيل المثال، دعت اللجنة أمس إلى دعم الجمعيات الجدية كـ«سيسوبيل» إلى حين إجراء التقييم والرقابة على كل الجمعيات.

هنا أيضاً، لا يمكن إغفال ما أعلنه رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان في مؤتمره الصحافي أمس. كرر دعوة الحكومة إلى تحمّل مسؤولياتها بإرسال مشروع قانون يتعلق بقطوعات الحسابات، التي يشكل إقراراها موجباً دستورياً يسبق إقرار الموازنة. وأكد أن المطلوب هو القطوعات جميعها لا قطع حساب 2017 فقط. كما ذكّر بأن التذرع بأنها تخضع للتدقيق في ديوان المحاسبة لا يستوي مع المادة 87 من الدستور التي تفصل بين الإحالة إلى مجلس النواب والإحالة إلى الديوان. كل طرف عليه أن يقوم بواجبه بالتدقيق بشكل مستقل. ليس هذا فحسب. صار عادياً أن يُسمع وزير المالية يقول، رداً على أسئلة النواب، إن الحكومة، كما المجلس، يخالفان المادة 86 من الدستور، التي تجيز الصرف على القاعدة الاثني عشرية خلال شهر كانون الثاني فقط. لكن هذا التصريح «الشفّاف» لا يوضع سوى في خانة: ما باليد حيلة والاضطرار لقوننة الصرف، حتى نهاية أيار، ثم تمديدها حتى منتصف تموز، أي ريثما تكون الموازنة قد أقرّت.

وهْم خفض العجز

مع افتراض أن الموازنة ستُقرّ في نهاية حزيران، ماذا يعني ذلك؟ ببساطة، كل الإنجازات التي تحققت يُفترض قسمتها على اثنين. أما إنجاز تخفيض العجز إلى 7.5 في المئة من الناتج المحلي، فليس سوى دعاية موجهة لجمهور خارج لبنان اسمه «الدول المانحة». التقديرات مرتبطة بزيادة الرسوم وتقليص النفقات خلال 12 شهراً، أي إن الحسبة ستكون مختلفة خلال ستة أشهر. وأكثر من ذلك، إذا كانت فذلكة الموازنة تشير إلى أن نسبة العجز من الناتج المحلي هي 4.81 في المئة من دون احتساب عجز كهرباء لبنان، و7.58 بعد احتسابه، فهل هذا تقدير واقعي؟ وهل يمكن الحديث عن عجز فعلي فيما الحكومة تصر على فصل الموازنات الملحقة التي تشكل 9.4 في المئة من موازنة الدولة؟ لو جُمعت كل نفقات الدولة ووارداتها في موازنة واحدة، هل كانت نسبة العجز ستبقى نفسها؟

إقراض الدولة بفائدة واحد في المئة: المصارف تنفي… والغموض مستمر

وإذا كانت هذه النسبة قد جُمّلت عبر ترحيل اعتمادات ملحوظة في قوانين برامج من العام 2019، وقيمتها 800 مليار ليرة، إلى أعوام لاحقة، فهل هذا يعني أن تلك الأعوام ستشهد مشكلة على صعيد الإنفاق العام، وبالتالي ستشهد عودة مستويات العجز إلى الارتفاع؟ الأكيد أنه إذا أضيف هذا المبلغ إلى نفقات موازنة عام 2019، فإن الإنفاق سيرتفع من 23.339 ألف مليار إلى 24.139 مليار، أي بزيادة 249 مليار ليرة عن اعتمادات موازنة 2018 البالغة 23.891 ألف مليار. وهذا يعني أن العجز كان يمكن أن يصل إلى 12 في المئة (بلغ في العام الماضي 11.5 في المئة)، بالرغم من كل الإجراءات التقشفية التي استحدثت، والتي طالت الطبقات الفقيرة والمتوسطة أكثر من غيرها.

غموض مستمر

أهم حصة من خفض النفقات مرتبطة بما أعلن عن اكتتاب القطاع المصرفي بسندات الخزينة بمبلغ 11 ألف مليار ليرة، بفائدة واحد في المئة. كل الغموض الذي سبق جلسة أمس استمر بعدها. رئيس اللجنة أعلن أنه في ظل الاقتصاد الحر لا يمكن إلزام المصارف بهذا الاكتتاب! ميّز بين القانون وبين «المساهمة». كما برّر عدم إفصاح المصارف عن نيتها في هذا الصدد، لما لذلك من تأثير على أعمالها، لكنه اكتفى بالتأكيد أن المبلغ سيصل إلى الخزينة. هذا يعني أن أحداً لن يستطيع التأكد من أين سيصل. وهذا ربما يؤكد الترجيحات التي تشير إلى أن مصرف لبنان هو من سيكتتب، أي إن الدولة ستدفع من جيب وتقبض في جيب. وحتى في حال أسهمت المصارف، فذلك سيدفع ثمنه من أموال مصرف لبنان أيضاً، الذي لن يتأخر في تقديم الحوافز لها أو ما يُسمى الهندسات المالية.

للمناسبة، إذا كانت الحكومة تعتبر أن موازنة 2019 هي «مشروع استثنائي لظرف استثنائي»، فكيف تبرر صرف 123 مليار ليرة لتسديد سلف خزينة أعطيت لبعض المؤسسات العامة؟ وهل صحيح أن من بينها تسديد سلفة أعطيت لمجلس الإنماء والإعمار في العام 1983؟ وإذا كان ذلك صحيحاً، فكيف تأكدت من عدم تسديد هذه السلفة؟ وهل تملك قيودها بالرغم من تصفير الحسابات مطلع العام 1993؟

رهانات غير مدروسة

في مناقشات الفذلكة، لم يجد النواب في عبارات من نوع «انطلاق الاقتصاد اللبناني يبقى هو الأهم، سواء عبر تعويض ضعف الموازنات الاستثمارية بمساهمات سيدر أو عبر تعويض مترتبات تخفيض الانفاق العام وزيادة الواردات التي تضعف القدرة الاستهلاكية، بتوقعات عن تخفيض أسعار الفائدة التي يشكّل اقتراض الدولة الأساس في تحديدها» سوى «فذلكة» من دون طائل. ففذلكة الموازنة تقر بأن الحكومة، بإجراءاتها، تضعف القدرة الاستهلاكية، لكنها مع ذلك تراهن على خفض الفائدة من دون أن توضح كيف سيحصل ذلك، بعد رفع معدل الفائدة في نهاية العام الماضي بأكثر من 3 نقاط مئوية.

واستكمالاً لرفع الشعارات من دون توضيح طريقة تحقيقها، تذهب الفذلكة إلى تأكيد المؤكد بأن الوصفة لاستقرار ميزان المدفوعات وتعافي الميزان التجاري هي تطوير القطاعات الإنتاجية، من دون أن تقدم أي سبل لتنفيذ هذه الوصفة. لا بل على العكس، بدلاً من إجراءات الحماية عمدت إلى زيادة رسم جمركي بنسبة 2 في المئة على أغلب المنتجات المستوردة بما يشكل ضريبة استهلاك مقنّعة أكثر مما هي رسم حمائي. وتسترسل الفذلكة في التقاط إشارات لنمو سيطال القطاع السياحي، لكنها بدلاً من تقديم ما يشجع السياح على القدوم إلى لبنان تذهب إلى استحداث رسم على الإشغال الفندقي على سبيل المثال.

سلفة «الكهرباء» مجمّدة

انتهت الفذلكة، وبدأ نقاش المواد. النقاش المسائي وُصف بالجدي. 15 مادة درست، أقرَّ منها 13 مع بعض التعديلات، فيما عُلِّقَت مادتان.

فقد صُوّت على تعديل المادة السابعة، بما يسمح بإخضاع كل السلف والقروض للرقابة، فتم التوافق على التعديل على أن على تقر المادة معدلة اليوم. من دون التعديل، كانت المادة تسمح بإعفاء السلفات الطارئة المعطاة لدفع النفقات الممولة من الهبات النقدية من الرقابة.

كذلك عُلقت المادة 13 بالتصويت. وتلك مادة تتعلق بإعطاء كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 1306 مليار ليرة. وقد أُُجّل بتّها إلى حين بحثها مع وزيرة الطاقة في جلسة ستخصص لاعتمادات الموازنة.

بواسطةايلي الفرزلي
مصدرجريدة الاخبار
المادة السابقةالخلوي «مجاناً» للسُّياح: خدمة «سيم 24»… تبديد للمال العام؟
المقالة القادمةسجال في “اللبنانية”: من يقرر مصير الإضراب؟