أرسل وزير المال يوسف الخليل تقريراً عن مشروع موازنة 2025 إلى مجلس الوزراء، المعروف باسم «الفذلكة»، لا يعبّر إلا عن التقشّف الذي تمارسه الحكومة بالتعاون مع مصرف لبنان. فالإدارات العامة طلبت «مبالغ خيالية» ولم تتقيد بالمهل القانونية والسقوف المطلوبة، بينما يشير الوزير إلى أن المشروع أُعدّ بناءً على «ترشيد الإنفاق وضبطه والأخذ بالاعتبار وضعية المالية العامة الحرجة قبل طلب زيادة الاعتمادات، بحيث يتم ربط تحديد الاعتماد ليس فقط عبر زيادته بسبب غلاء الأسعار، وإنما بتخفيضه أولاً عبر مراجعة الكمية والنوعية…».مسار واضح لموازنة 2025 ينطوي على تناقضات غريبة مثل «توحيد سعر الصرف»، بينما أسعار الإيجارات استثنيت من اعتماد سعر صرف يبلغ 89500 بل حدّدت على أساس 15000 ليرة للدولار أو 7 أضعاف للعقود بالليرة اللبنانية أو 5% للعقود ما قبل عام 1992، كما أبقيت مع اعتمادات الكهرباء كما وردت من مؤسسة كهرباء لبنان «ريثما تتبلور المعطيات».
لا تعبّر فذلكة الموازنة عن سياسة حكومية، لا بل كانت أقرب إلى «إفادة» بآلية الإعداد وتطبيقها وإشارات إلى بعض النقاط والتعديلات في المشروع وفق مقاربة تعتمد الحدود الضيّقة في الإنفاق بعيداً من النقاش المتصل بدور الدولة في تحفيز الاقتصاد. واللافت أن الخليل أشار إلى أنه سبق لوزارة المال أن راسلت رئاسة الحكومة في 5/7/2019 في إطار «تأطير مسألة إعداد مشروع الموازنة العامة وترجمة توجهات الحكومة ورؤيتها من خلال ثلاث نقاط (عقد اجتماع في مجلس الوزراء لمناقشة التوجهات العامة، والطلب من الوزراء إرسال اقتراحاتهم القانونية مع مشاريع موازناتهم، وإعطاء وزارة المال الوقت الكافي لإعداد نسخة مصححة ومعدلة)، إلا أن الوزارة «لم تتبلّغ لغاية تاريخه أيّ ردّ على هذا الكتاب الذي يعدّ أساسياً في موضوع ترجمة توجهات الحكومة في الوثيقة الأهم لإدارة مالية الدولة، نعني بها الموازنة».
ما يقوله الخليل، هو أنه على الأقل منذ منتصف 2019 لغاية اليوم، الدولة ليس لديها توجّهات ولا سياسات، وإنما تعمل على ردّ الفعل بلا أيّ مقاربة فعلية خارج إطار شحّ التمويل وضرورة التقشف.
ويشير الخليل إلى وجوب اتخاذ إجراءات لإعادة إدارة المالية العامة إلى مسارها الطبيعي الكفيل بضبط العجز وتحسين المؤشرات الاقتصادية والمالية، ومنها إصلاح النظام التقاعدي، وإعادة هيكلة وجدولة الدين العام، وتعزيز الرقابة على مختلف الصعد، والعمل على الحدّ من عجز الميزان التجاري، بالإضافة إلى أهمية إجراء الإصلاحات اللازمة لتحسين المؤشرات الاقتصادية والمالية، ووضع خطّة التعافي المالي الاقتصادي موضع التنفيذ، ووقف إعطاء سلفات الخزينة للإدارات العامة خلافاً للأصول… إلى جانب وضع استراتيجية لمعالجة الأزمات المتعدّدة بصورة جذرية، ومنها أزمة الرواتب التي شهدت معالجات مجتزأة واستنسابية خلقت هوّة بين القطاع العام والقطاع الخاص من جهة، وضمن القطاع العام نفسه من جهة أخرى».
ترجمة رؤية الخليل أتت في إطار خفض موازنات الإدارات العامة والجهات الأخرى أكثر من 169783 مليار ليرة، ورغم ذلك ارتفعت النفقات إلى 427695 مليار ليرة. ومقابل هذا الإنفاق، ضمنت الموازنة إيرادات ضريبية وغير ضريبية بقيمة 401128 مليار ليرة، علماً أنه «لم يتم لحظ ما يتعلق بالفوائد على سندات الخزينة بالعملة الأجنبية أسوة بالمعمول به من العام 2021 مع التأكيد على أهمية المفاوضات مع الدائنين من أجل إعادة هيكلة الدين العام وعدم استنزاف الاحتياطات بالعملة الأجنبية بموازاة إجراء إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي الذي يعاني تعثّراً ومشاكل عدّة».
في المحصلة، بلغت النفقات الجارية في المشروع 90.21% من مجمل النفقات، بينما لم يترك للنفقات الاستثمارية سوى 9.79%، أي ما قيمته 41887 مليار ليرة، كما لم يتم لحظ أيّ اعتماد لقوانين البرامج.
وبرّر الخليل الزيادة في أرقام الموازنة والعجز الذي لم يكن موجوداً في موازنة 2024، بالإشارة إلى أن «مواجهة ارتفاع الأسعار، وتضمين الزيادة في بدل النقل المقطوع للأجهزة العسكرية والزيادات على الرواتب والأجور، وزيادة اعتمادات وزارة الشؤون الاجتماعية ورفع التقديمات المدرسية وزيادة الإيجارات وتسديد سلف الخزينة وزيادة اعتمادات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتوظيف الجديد وغيره».