لم يأت تقرير «ستاندرز اند بورز» حول الوضع في لبنان سلبياً، كما ظنّ البعض. لأنّ الرهان الاساسي في التقرير يرتبط بالتصنيف الائتماني.
إذ كان يسود قلق من أن تعمد الوكالة الى خفض تصنيف لبنان الى فئة الـ (C) بما كان سيؤدي الى تداعيات ضاغطة على الوضع المالي، على اعتبار انّ وكالة «فيتش» سبق وخفّضت تصنيف لبنان الى فئة (C).
ومن المعروف انّ مفاعيل أي تصنيف لا تصبح سارية سوى اذا اعتمدته وكالتان عالميتان من أصل 3. ولا يزال هناك «قطوع» وكالة «موديز»، التي لم تصدر تصنيفها الائتماني بعد.
وفي حال أبقت لبنان ضمن فئة الـ(B) كما فعلت «ستاندرز اند بورز»، وهذا الأمر مُرجّح حتى الآن، فهذا يعني انّ البلد نجا من مجموعة نتائج قاسية، من ضمنها ما يتعلق باحتياطات مالية كانت ستضطر المصارف الى اتخاذها من شأنها تثقيل الكلفة التشغيلية، وخفض إضافي في العائدات على الرساميل، بما كان سيؤثّر سلباً على القطاع الذي لا يزال يحمي الاقتصاد الوطني من الانهيار.
كذلك، كانت بنية الفوائد ستتعرض لضغوطات اضافية تدفعها الى الارتفاع اكثر. هذه المفاعيل، في وضع شبيه بالوضع اللبناني، كانت ستؤدي الى تسريع وقوع الكارثة.
من هنا، ورغم التحذيرات والتحليلات الواردة في تقرير «ستاندرز اند بورز»، فإنّ النتيجة الأساسية يمكن اعتبارها إيجابية مقارنة مع الأضرار التي كان سيتسبّب بها خفض التصنيف.
أما التركيز على المقطع الذي يتحدث عن ضعف محركات النمو، والتي ترتكز على قطاعات مثل السياحة والعقارات، فلا يمكن اعتبارها مقلقة كثيراً، لأنّ نسب النمو المنتظرة في البلد معروفة مسبقاً، ولا أوهام أو رهانات على نمو اضافي مفاجئ.
كذلك، فإنّ تعديل النظرة المستقبلية من مستقرّة الى سلبية لا يصنع الفرق، بدليل انّ «فيتش» التي خفّضت تصنيف لبنان الى (C)، غيّرت النظرة المستقبلية من سلبية الى مستقرة.
منذ تشكيل الحكومة، تراجع منسوب المخاوف من الانهيار. وساهمت الصدمة الايجابية المتأخرة في تحسين الارقام المتعلقة مباشرة بالمناخ النفسي، مثل تقييم المخاطر على التأمين على سندات الدين اللبنانية (CDS)، أو انخفاض العائدات على السندات في الخارج. لكن هذه المؤشرات هي بمثابة ردود فعل أولية وفورية، لا تستمر طويلاً، من دون تغييرات فعلية تتيح وضع رسم بياني للمسار الذي يمكن ان يسلكه الوضع المالي للدولة في المستقبل.
هذه النقطة واحدة من النقاط الاساسية التي ركّز عليها الموفد الفرنسي بيار دوكان خلال تواجده في بيروت. ومن الملفت انّ محادثات الرجل مع المسؤولين اللبنانيين تحولت مادة خلافية على المستوى الداخلي اللبناني.
اركان الدولة أرادوا «تجميل» كلام الموفد ومواقفه، والمعارضون أرادوا تحميل كلامه اكثر مما يحتمل. وفي الواقع، ما قاله دوكان واضح، سواء في العلن أو داخل الغرف المقفلة. وهو يعرف بالتفاصيل نقاط الضعف والمخاطر التي تواجه الوضع المالي في لبنان.
ولكنه يؤكد حتى اللحظة انّ إمكانات الخروج من النفق لا تزال مُتاحة، لكن القرار موجود لدى اللبنانيين أنفسهم، ولا علاقة للخارج بهذا الأمر. ويشعر دوكان بالاستغراب، لأنه يضطر الى القيام بدور المحفّز للمسؤولين اللبنانيين لكي يبدأوا العمل في مشروع الانقاذ.
وهو يعتبر انه بمجرد ان يضطر الى الانتقال من مسؤول الى آخر، والى تكرار كلام يقوله منذ بداية التحضير لمؤتر «سيدر» قبل اكثر من عام، فهذا يعتبر علامة فشل لا تدعو الى التفاؤل.
الوضع المالي يحتاج البدء في العمل فوراً، ومسار نمو الدين العام كارثي بكل معنى الكلمة، وسيصل حتماً الى سقف الـ115 مليار دولار في العام 2021.
وستصبح كلفة خدمة هذا الدين حوالى 9 مليارات دولار، ومثل هذا الرقم قياساً بحجم اقتصاد قد لا يزيد عن 60 مليار دولار يستدعي اجراءات سريعة، وعملاً مضنياً. لكن وتيرة مقاربة الحكومة لهذا الوضع، حتى الآن على الأقل، ليست على المستوى المطلوب. وهذا الأمر لاحظه دوكان بوضوح، ولفت عناية المسؤولين الى أهمية الوقت في المعالجات.
في تقييم أولي للعمل الحكومي، لم تصدر حتى الآن إشارات تدفع الى الاطمئنان. خارج الاطار الحكومي، تحوّل ملف مكافحة الفساد الى مادة خلافية ستزيد في حدة الأزمة، وتقلّص فرص الاصلاح. على الخط الدولي، لا تبدو ردود فعل المولجين متابعة الملف اللبناني ومساعدة حكومته على تحاشي السقوط، راضية عن الاسلوب الذي تتم عبره مقاربة الأزمة.
في هذا المناخ، يمكن اعتبار تقرير «ستاندرز اند بورز» إيجابياً، و«رحم» الدولة اللبنانية، وأعطاها فرصة إضافية لعلّ التغيير الموعود يصل قبل فوات الأوان.