فرصة شراء الوقت ضاعت… والآن الى أين؟

فرصة تلو الاخرى يهدرها لبنان لإعادة انتظام حياته المالية والاقتصادية والسياسية. فبعد اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب، أُعيد خلط الاوراق، ولبنان مجدداً امام فرصة لتأليف حكومة خلال 4 الى 6 اسابيع حددها الرئيس الفرنسي. فهل فرص الانقاذ لا زالت سانحة؟ وهل كان من المتوقع لمبادرة ماكرون ان تنقذ الاقتصاد كما يروّج له ام اننا مع او من دون مبادرة سائرون بخطى ثابتة نحو الهاوية؟

يؤكد الباحث في التمويل والمصارف في جامعة كلية دبلن محمد فاعور انّ مبادرة ماكرون لم تكن تهدف الى انقاذ الاقتصاد، إنما وفق أفضل تقدير كانت ستعطي لبنان مزيداً من الوقت ربما اشهر او سنة او سنتين على ابعد تقدير، لأنّ ماكرون ما كان ليتدخل بكل تفاصيل الحياة السياسية، بينما المشكلة الاساسية هي في الممارسة، إذ كان يمكن تطبيق إصلاحات شكليّاً فقط، وهناك امثلة كثيرة على نهج التذاكي للتحايل على الاصلاحات الذي اعتمدته الحكومة، منها مراسيم مكافحة الفساد التي أفرغت من مضمونها.

 

إنطلاقاً من ذلك، إستبعد فاعور ان تؤدي مبادرة ماكرون الى انقاذ فعلي للاقتصاد، مشدداً على انها كانت ستشتري مزيداً من الوقت على غرار ما كان يحصل إثر باريس 1 وباريس 2 وباريس 3 التي أعطت للبنان الوقت لا أكثر ولا أقل.

 

وعمّا اذا كان لبنان أضاع فرصة الانقاذ بتعثّر تشكيل الحكومة، قال: الأصح انّ لبنان أضاع فرصة شراء الوقت مجدداً، واعطاء مهلة 4 الى 6 اسابيع لتشكيل حكومة هو ببساطة ترف في الوقت لا يملكه المواطن اللبناني، وقد لاحظنا كيف ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إبّان اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب من 7500 الى 8200 ليرة او حتى اكثر. وبالتالي، إذا كان هذا هو المسار الذي سيتبعه سعر الدولار اعتباراً من الآن، فسنصل الى اسعار صرف خيالية في وقت قريب. أضاف: انّ ارتفاع سعر الصرف متوقع نهاية العام بعد رفع المصرف المركزي الدعم عن المحروقات والدواء والقمح، لأنّ التجار سيضطرّون الى تأمين الدولارات من السوق السوداء، امّا بدء ارتفاعه من الآن فسيُسرّع في الانهيار.

 

ورداً على سؤال، قال فاعور: لا يمكن التكهّن بالسعر الذي يمكن ان يصله الدولار في السوق السوداء، لأنها صغيرة. وبالتالي، انّ أصغر عملية بيع وشراء للدولار تحرّك السوق بشكل واسع، ولا يمكن تقدير ما اذا كان السعر سيرتفع قليلاً قبل ان يعاود الانخفاض ام سيسير في منحى تصاعدي، إنما الأكيد انّ المواطن اللبناني وحده من يدفع ثمن إهدار الوقت عن طريق فقدان القيمة الشرائية لِما تبقّى من مدخوله بنتيجة انهيار سعر الصرف.

 

وشدّد فاعور على انّ ما حصل هو ضياع فرصة شراء الوقت وليس فرصة الانقاذ الاقتصادي، وبالتالي انّ الخسارة ليست كبيرة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار انّ التعطيل والشلل كانا سيحصلان حتى لو تشكّلت الحكومة، على غرار ما حصل في حكومة حسان دياب.

 

وعمّا اذا كان لبنان قد وصل الى القعر، يقول فاعور: للأسف انّ لبنان ما زال يَهوي وهو لم يصل الى القعر بعد لا بل انّ الآتي أعظم، لافتاً الى انّ حجم الكارثة سينكشف عندما يرفع مصرف لبنان الدعم عن السلع والمتوقّع مع نهاية العام. حتى لو شكّلت حكومة خلال 4 الى 6 اسابيع، انّ رفع الدعم سيتم خلال 3 اشهر أو اقل، اي انه امام الحكومة الجديدة شهر واحد فقط لإيجاد حل، وهي فترة قصيرة جداً لن تكفي لِلَجم تَبعات رفع الدعم. واشار الى انّ خفض الاحتياطي الالزامي من 17.5 مليار دولار الى 15 او 12 مليار دولار هو احتمال وارد ولا شك انها حيلة جديدة لشراء الوقت، على أن يصدر في مقابل هذا الخفض شهادات إيداع للمصارف على الاحتياطي غير الالزامي، وفي هذه الخطوة استكمال لمنهجية العمل التي كانت سائدة.

 

مصير الخطة الاقتصادية؟

أمّا عن مصير الخطة الاقتصادية، فيقول فاعور: انّ الخطة كانت مبنية على فرضيّات جداً متفائلة لم تأخذ بعين الاعتبار كورونا ولا تداعيات انفجار مرفأ بيروت، واستناداً الى تقييم عدد من الخبراء فمن المتوقع ان تصل نسبة الركود الاقتصادي الى 25% مع نهاية هذا العام بينما كان يتوقع ان تصل في الخطة الاقتصادية الى 17%، وقد يتخطى هذه النسبة نظراً لحالة الشلل التي نعيشها ولتضييع الفرص التي سيكون لها الاثر السلبي على حجم الركود، وبالتالي قد ترتفع هذه النسبة الى 30%. من دون ان ننسى انّ الفرضية التي بنيت عليها الخطة الاقتصادية كانت مبنية على سعر صرف مختلف عمّا هو عليه اليوم، الى جانب الفرضيات حول انّ حجم الهيركات الذي كان سيتم التفاوض عليه مع الدائنين سيزيد، إذ انه وفق الخطة كان سيتمّ التفاوض على نسبة 75% ومن المتوقع ان يرتفع الآن الى حجم اكبر بكثير بحيث من الممكن ان يصل الى 85%. كل هذه الفرضيات تعني انّ الحكومة التي ستأتي ستبدأ بعملها من الصفر، لا سيما في ما يتعلق بالتوقعات الماكرو اقتصادية لأنها تغيرت جميعها. وبالتالي، يجب إعادة النظر فيها. وشدد فاعور على انّ السياسات الاقتصادية والمالية المطلوب تطبيقها للجم الانهيار معروفة بشكل عام، لكنّ المشكلة الاساسية هي في عدم وجود النية السياسية لتطبيقها.

مصدرايفا ابي حيدر - الجمهورية
المادة السابقةوزراء طاقة “مجموعة العشرين” يؤكدون أهمية حزم التحفيز
المقالة القادمة«إياتا» يبحث أسوأ أزمة في اجتماع «مصيري»