يجد الأغنياء وأصحاب الثروات الطائلة أنفسهم اليوم أمام لحظة الحقيقة مع بروز مساعي لحشد الجهود عالميا لفرض ضرائب أكبر على ممتلكاتهم وأعمالهم قد تساعد على تطويق تهربهم من دفع رسوم عادلة.
ولكن محللين يرون أن المبادرة التي تنبثق من أعضاء مجموعة العشرين سوف تُظهر مدى فاعليتها بشكل أكبر في حال انضمت دول أخرى ذات ثقل اقتصادي لهذا المسار بعد الاتفاق عليها داخل هذا التكتل أولا.
وفي مواجهة انعدام المساواة المتزايد في العالم، اجتمع وزراء مال مجموعة العشرين امس الخميس في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية لمناقشة فكرة فرض ضرائب على أثرى الأثرياء، وهو موضع خلافات حادة بين الدول الأعضاء.
وتضمّ مجموعة العشرين التي تأسّست عام 1999، كبرى القوى الاقتصاديّة في العالم، إضافة إلى الاتّحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.
وطرحت هذه المبادرة، التي دفع بها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي ترأس بلاده هذا العام المجموعة، للنقاش خلال اجتماع الخميس.
وقال لولا أثناء إطلاق “التحالف العالمي ضدّ الجوع والفقر” في ريو دي جانيرو “بعض الأفراد يسيطرون على موارد أكبر مما تملكه دول كاملة”.
وتهدف المبادرة وهي أولويات الرئاسة البرازيلية لمجموعة العشرين، إلى جمع دول ومنظمات دولية للقضاء على الجوع في العالم.
وأضاف الرئيس اليساري أنه يجب فرض ضرائب على أصحاب المليارات لأنه “في قمة الهرم، لم تعد الأنظمة الضريبية تصاعدية، بل تنازلية”.
وعلى سبيل المثال، تتجه الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة حزب العمال إلى القيام بإصلاح شامل تقول إنه سيجعل النظام الضريبي في البلاد أكثر عدالة ويجمع الأموال للخدمات العامة الممتدة.
ومع ذلك، يمارس أثرياء البلاد ضغوطا على الحكومة لإعادة النظر في مقترحاتها الضريبية المثيرة للجدل، والتي يرى خبراء أنها قد تتسبب في موجة هروب جماعي إلى الخارج بحثا عن ملاذات آمنة لأموالهم، ما يفقد البلاد ميزتها التنافسية للأعمال.
وعشية قمة مجموعة العشرين في ريو، نشرت منظمة أوكسفام دراسة أظهرت أن ثروات واحد في المئة من أغنى أثرياء العالم ازدادت بما مجموعه 42 تريليون دولار خلال العقد الماضي.
ورغم هذه المكاسب، فإن الضرائب المفروضة على الأغنياء انخفضت إلى “مستويات تاريخية”، وفق المنظمة، التي حذرت من “مستويات غير معقولة” من عدم المساواة في ما بقية العالم “يبحث عن الفتات”.
واعتبرت أوكسفام ذلك “اختبارا حقيقيا لحكومات مجموعة العشرين”، وحضّتها على فرض ضريبة سنوية على صافي الثروة بنسبة 8 في المئة على الأقل على أصحاب الثروات الطائلة.
وقال ماكس لاوسون رئيس قسم السياسات في المنظمة “لا يمكن إنكار الزخم لزيادة الضرائب على الأثرياء”. وتساءل “هل لديهم الإرادة السياسية للتوصل إلى معيار عالمي يضع حاجات الكثيرين قبل جشع قلة من النخبة؟”.
وترى أوكسفام أن مبلغ 42 تريليون دولار يزيد بنحو 36 مرة عن الثروة التي جمعها النصف الأفقر من سكان العالم. ورغم ذلك، فإن أصحاب المليارات “يدفعون نسبة ضريبة تعادل أقل من 0.5 في المئة من ثرواتهم” في أنحاء العالم.
وأشارت إلى أن حوالي أربعة من كل خمسة من أصحاب المليارات في العالم يعتبرون دول مجموعة العشرين موطنا لهم.
وفي تقرير الثروات العالمية الذي أصدره يو.بي.أس في وقت سابق هذا الشهر فقد توقع البنك السويسري أن يتم تمرير ما يزيد قليلا عن 10 في المئة، أي نحو 9 تريليونات دولار، من تحويل الثروة الكبيرة أفقيا أولا، معظمها في الأميركيتين.
وأشار الاقتصاديون في البنك السويسري أن تحليلهم يظهر أن الأفراد هم أكثر عرضة لتسلق سلم الثروة بدلا من الانزلاق إليه.
وفي الواقع، يميل واحد من كل ثلاثة أفراد إلى الانتقال إلى شريحة ثروة أعلى على مدار عقد، في حين ترتفع فرص الهروب من شريحة الثروة الأدنى إلى أكثر من 60 في المئة، بحسب يو.بي.أس.
لكن من المتوقع أن تكون النقاشات المتعلقة بمقترح فرض الضرائب حادة على مدار يومين، وسط تأييد فرنسا وإسبانيا وجنوب أفريقيا وكولومبيا والاتحاد الأفريقي، ومعارضة شديدة من الولايات المتحدة وألمانيا.
وبالإضافة إلى الضرائب، من المقرر أن يُناقَش أثناء الاجتماع الأخير لكبار مموّلي مجموعة قبل قمة رؤساء الدول والحكومات في نوفمبر المقبل التي ستعقد في ريو أيضا، الوضع الاقتصادي العالمي، في ما سيُبحث الجمعة في تمويل التحول المناخي والديون.
وفي ظلّ الانقسامات بين الدول الغربيّة وروسيا، التي تعرقل جهود مجموعة العشرين منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فإنّ إصدار بيان مشترك يبدو تحدّيا.
وفي فبراير الماضي، وصل وزراء المال في ساو باولو إلى “طريق مسدود”، على ما أقرّ وزير الاقتصاد البرازيلي فرناندو حداد.
ومساء الثلاثاء، قالت تاتيانا روزيتو، المسؤولة في الوزارة إنّ “الحل الذي تفكر فيه البرازيل هو التوصّل هذه المرّة إلى ثلاثة نصوص”.
وأوضحت أنّه من ناحية ستكون ثمة وثيقة لـ”التعاون الدولي في المسائل الضريبيّة”، تتضمّن مسألة فرض الضرائب على “أثرى الأثرياء”، ومن ناحية أخرى بيان ختامي أوسع، وأخيرا إعلان منفصل تنشره الرئاسة البرازيليّة يتطرّق إلى الأزمات الجيوسياسيّة.
وبدأ تطبيق هذا النموذج. فقد أصدرت الرئاسة البرازيلية بيانا الأربعاء الماضي، قالت فيه إنّ بعض أعضاء مجموعة العشرين “تبادلوا وجهات النظر” بشأن الوضع في أوكرانيا وغزّة خلال المناقشات المتعلّقة بمبادرة الجوع.
وترى بعض الدول أن المجموعة هي منتدى مناسب لمناقشة هذه القضايا، في ما يرى البعض الآخر عكس ذلك.
وقالت مفوضة الاتحاد الاوروبي للشراكات الدولية يوتا أوربيلاينن للصحافيين “من المرجح، بحسب خبرتي في الاجتماعات السابقة لمجموعة العشرين، أن تفرض الاجتماعات المقبلة على المستوى الوزاري نصوصا منفصلة”.
وأضافت أوربيلاينن أن السعي للتوصل إلى نص واحد “لن يسمح لنا بتبني أيّ شيء مهما كان”.