أعلن رجل الاعمال الاماراتي خلف الحبتور انه بصدد تجهيز دعوى جماعية مع مكاتب قانونية عالمية لمقاضاة المتورطين في جريمة سرقة اموال اللبنانيين. اثار هذا الاعلان جدلاً واسعاً حول امكانية الملاحقة الدولية، اذ ليس أمراً بسيطاً أن تتمكن دول اجنبية من تجميد أرصدة سياسيين ومصرفيين وغيرهم لديها والحجز على ممتلكاتهم، ولو أن هذا الامر مطلب معظم الشعب اللبناني الذي يحمّلهم مسؤولية المآسي الاقتصادية والمالية التي يعيشها، كون شبهات الفساد تحوم حول غالبية الطبقة السياسية التي حكمت بلاد الارز منذ اتفاق الطائف على الأقل.
يجزم أهل الاختصاص أن هذا الامر لا يمكن تحقيقه بجرّة قلم أو بأمر من رئيس دولة عظمى. بل يحتاج إلى مسار قانوني طويل تبدأه الدولة اللبنانية، أو جهة مدنية متضررة. ويتطلب إزالة عقبات قانونية وجمع أدلة ثابتة وتحضير ملفات وبلورتها لاحقا بملاحقات قضائية، بالتعاون مع نيابات عامة في لبنان والخارج. وقد يستغرق البت في هذه الملفات عقوداً من الزمن، منذ بداية تحقيقات واستئناف ودعاوى مدنية وملاحقات في الخارج وصولاً الى صيغ تنفيذية وحجوزات ومصادرة واسترداد.
حاولت «نداء الوطن»، بالتعاون مع محامين مخضرمين ومختصين تركيب مشهدية توضح كيفية بناء هذا الملف القضائي المنشود. خصوصاً أن لبنان عضو في معظم الإتفاقات الدولية التي تحقق هذا الهدف، وسبق له أن أقر العديد من القوانين المتعلقه بذلك. كما أن وجود وثائق وتسريبات (وثائق بنما وبندورا على سبيل المثال) يمكن أن تشكل عنصراً لبناء هذه الملفات. الخلاصة الاولى التي يتفق عليها المختصون أن بناء هكذا ملفات يبدأ بطلب من الدولة اللبنانية أساساً، ويُمكن للمجتمع المدني القيام بذلك لكن هوامش تحركه أضيق. ما يعني أن تجميد أرصدة السياسيين المشبوهين أمر شاق لأن معظم أجهزة القضاء تقع تحت سيطرتهم. وهذه هي المعضلة.
ضاهر: هناك 4 مسارات قانونية… من الداخل الى الخارج أو بالعكس… والسرية المصرفية عائق
يشرح الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، المحامي كريم ضاهر لـ»نداء الوطن»، أنه «لا يمكن الوصول إلى تجميد حسابات سياسيين في لبنان أو أي شخص آخر إلا عبر 4 مسارات: المسار الأكثر شيوعاً هو الذي يحدده الفصل الخامس من معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد، التي إنضم إليها لبنان في العام 2008 بموجب القانون 33 الذي بات نافذاً في العام 2009». لافتا إلى أنه «من خلال هذا الفصل بات لدينا مسار معين في هذه المعاهدة يتعلق بأعمال الفساد، ويمكن شمل السياسيين بأنهم قاموا بأعمال فساد بموجب القانون 175 /2020 ومواد قانون العقوبات 51، أي الاختلاس والجرائم التي ترتكب خلال تنفيذ المهام وإساءة إستعمال المركز. لكن الجهة المختصة التي يمكن أن تطلب التحقيق بأعمال الفساد هي السلطة المختصة (القضاء اللبناني)، من الدولة الاجنبية التي فيها الاصول المادية والعقارات، وذلك للقيام بإجرءات وفقاً للفصل الخامس من هذه المعاهدة، و يتم الحجز وفقاً لقرار صادر بموجبها».
يضيف:»عندها يتم الحجز على الاموال لفترة التحقق من الشبهات وتحولها إلى جرائم مثبتة، بعدها تتم مصادرة الاموال وطلب استرجاعها إلى لبنان. مع العلم أن الدولة التي توجد الاموال والعقارات على أراضيها، يمكن أن تشارك فيها لأن الجرم وقع ضمن نطاقها الجغرافي».
يوضح ضاهر «المسار الثاني لملاحقة السياسيين هو إذا تم التثبت من إحدى الجرائم الموصوفة في المادة الاولى من قانون 44 تاريخ 24 /11 /2015 وهو قانون مكافحة الفساد وتبييض الاموال وتمويل الارهاب».
شارحاً أن «هناك 21 حالة لجرم أساس، تبدأ بالسرقة وصولاً إلى تجارة المخدرات إلى تجارة الاسلحة والافلاس الاحتيالي والتهرب الضريبي والفساد وسوء إستخدام النفوذ (كما هي الحال في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق اوروبياً)».
ويشير ضاهر إلى أن «المسار القانوني الثالث هو حصول تهرب ضريبي. وفي لبنان هناك الكثير من السياسيين متهربون ضريبياً.
وفي حال تبين أن هناك إثراء غير مشروع وتهرباً ضريبياً يمكن التحرك وفقاً للقانون الصادر بتاريخ 55 /27/10/2016، وانضم لبنان من خلاله إلى المنتدى العالمي للشفافية لتبادل المعلومات لغايات بنكية. وهذا القانون يسمح للبنان بالطلب من أعضاء المنتدى معلومات عن الحسابات، وفي حال تبين أن هناك تهرباً ضريبياً، للبنان الحق بإسترداد هذه الاموال».
ويلفت إلى أن «المسار القانوني الرابع هو من دون تدخل او طلب من السلطة اللبنانية. ففي الولايات المتحدة الاميركية قانونا ماغنيتسكي واوفاك، وبموجبهما تم فرض عقوبات على كل من الوزراء علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وجبران باسيل. وايضا من خلال القانون البريطاني Unexplained wealth order reforms للاثراء غير المشروع، اذ يبادر القضاء الانكليزي إلى الحجز على موجودات المشتبه به من تلقاء نفسه في حال الشك بحالة إثراء غير مشروع».
ويذكّر ضاهر أنه «في سويسرا هناك قانون loi sur le valeur patrimoniale,، والمسند الى المادة 54 من الدستور السويسري. بالاضافة إلى قانون صدر في العام 2014 يسمح لسويسرا في حال توفر 4 شروط معينة بحجز الاموال للأجانب المدانين في أعمال فساد وتعدٍ على حقوق المواطنين في بلدانهم».
يضيف: «القانون الفرنسي أتاح المجال أمام المجتمع المدني لرفع دعاوى ضد «مجموعة أشرار». لذا أمكن الادعاء على حاكم مصرف لبنان من قبل إحدى الجمعيات المدنية. ويمكن طلب الحجز على الاموال لكنها لا تعود إلى لبنان في حال لم تتم مطالبة بها».
يؤكد ضاهر أن «تسريبات «اوراق باناما» تساعد في قضايا التهرب الضريبي والاثراء غير المشروع، ولكن المعضلة هي كيف يمكن تثبيت الشبهات بالقرائن، لأن الجرم مرتكب في لبنان. ولا يمكن ربح القضية في حال لم تتم الملاحقة والتقصي عن الاثباتات في لبنان».
ويختم: «حين يتحرك القضاء اللبناني يعني أن الضغط على السياسيين سيكون أكبر. ولهذا فان رفع السرية المصرفية خطوة مهمة، وتُفسر سبب إضراب المصارف خوفاً من إنكشاف تشابك المصالح بين المصرفيين والطبقة السياسية».
مرقص: المسألة تحتاج الى قرار مركزي من الدولة والقضاء اللبناني… وهذا غير متوفر للأسباب المعروفة
يشرح المحامي الدكتور بول مرقص (رئيس مؤسسة justicia الحقوقية) لـ «نداء الوطن» أن «تكوين ملف قضائي لتجميد أرصدة السياسيين في الخارج يجب أن ينطلق من قرار مركزي من الدولة البنانية لم يُتخذ لحينه. ربما لأنه لا مصلحة لكُثر من الافرقاء المُطبقين على الحكم في اتخاذه». موضحاً أن «هذا القرار يكمن في تفعيل التعاون الدولي إنطلاقاً من إستنابات دولية تُرسل إلى الخارج، وطلب تفعيل إتفاقية مكافحة الفساد الموقعة عام 2003 والتي انضم إليها لبنان في العام 2008».
يضيف: «هذه الاتفاقية تُعطي لبنان الحق في طلب تجميد الاصول والموجودات والاموال التي خرجت منه، والمتأتية من جرائم الفساد، ومنها الرشوة والاثراء غير المشروع وإساءة إستعمال السلطة واستغلال النفوذ وسائر الجرائم المالية». مشدداً على أن «لبنان لم يذهب إلى ذلك، بل راوغ أو كانت ثمة طلبات يتيمة صدرت منه ولم تكن معززة أو موضع زخم داخلي».
ويشير إلى أن «ذلك يبرز عبر مؤشرات منها أن الدولة اللبنانية لم تعين لغاية ليوم محامياً للدولة يساهم في تحصيل أموالها المتأتية من الفساد والمحوّلة الى الخارج. كما أن لبنان لم يحضر التحقيقات الاوروبية (مع سلامة) رغم أن النيابة العامة التمييزية قد أجازت لممثلي وزارة العدل الحضور».
يرى مرقص أن»الدول الاوروبية تقوم بما عليها بينما نحن لم نقم بما قامت به بعض الدول العربية الافريقية، مثل تونس ومصر وسواهما من الدول، التي سعت إلى استرجاع أموالها المتأتية من الفساد بعد انقلابات في الحكم، والاطاحة بأنظمة عقب ثورات حصلت». معتبراً أنه «بصرف النظر عن حجم الاموال التي استطاعت هذه الدول استردادها، إلا أنها على الأقل حاولت وفعّلت التعاون الدولي، إنطلاقاً من النصوص المحلية. كما لا يغيب عن بالنا أن القانون 44 /2015، المتعلق بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب في لبنان، أيضا ينص على مصادرة الاموال المبيضة ومنها التي تنتج عن الفساد لمصلحة الخزينة اللبنانية، وهذا ما لم يقم به لبنان أيضاً».
يضيف: «الدول الاوروبية أبدت إستغرابها لعدم مطالبة لبنان بحقوقه. حتى انبرت إحداها إلى مزاحمة لبنان وطلبت أولوية في الأموال الملاحقة. الأنظمة الاوروبية تعمل كلّ بمفردها، لكن بالتعاون في ما بينها عبر شبكة eurojust، والتي وإن كانت تحفظ لكل بلد أوروبي إستقلاليته في التحقيق، إلا أنها تُرسي تعاوناً بين وفود الدول الاوروبية، الامر الذي لم يستفد منه لبنان». ويختم: «هذه الدول حفظت حقوقها وبادرت إلى طلب من لبنان بحفظ حقوقه. باستثناء دولة واحدة قانونها ينص على مشاركته فيها، في حين أن بقية الدول تتيح للبنان إستعادة حصته بالكامل. أما التسريبات الصحافية فلا أعتقد أنه يمكن التعويل عليها في بناء ملف قضائي بهذا الحجم».
زبيب: المحاولات الداخلية تفشل أو يفشلونها… وعلينا الاعتماد على المعاهدة الأممية لمكافحة الفساد
يصف الدكتور علي زبيب (محام متخصص في الشؤون الاقتصادية الدولية) «بناء ملفات قضائية لملاحقة السياسيين اللبنانيين في الخارج بأنه موضوع حساس وشائك ولا بديل عنه، في ظل تقاعس السلطات القضائية اللبنانية وتداخل وسطوة السياسة على القضاء في لبنان».
ويقول لـ»نداء الوطن»: «في الشق الدولي، ما ينطبق من حيث المبدأ على المواطن العادي ينطبق أيضاً على السياسيين، وفقا لإتفاقية مكافحة الفساد لعام 2003 المذكورة أعلاه»، لافتاً إلى أن «المواد 30 و31 و53 الى 57 من هذه الاتفاقية عالجت جميع الامور المتصلة بملاحقة وتجريم الاشخاص المرتكبين في أي من الدول الاعضاء فيها، بغض النظر عن موقعهم السياسي».
يضيف: «لتفادي الدخول في دقائق هذه المواد سنختصرها كالآتي: عالجت المادة 30 المعنونة (الملاحقة والمقاضاة والجزاءات) التدابير الداخلية التي تتخذها الدول الاطراف وفقاً لنظامها القانوني لملاحقة مرتكبي الجرائم ومنهم السياسيون». مشيراً إلى أن «المادة 30 أوجبت إلقاء التوازن بين الملاحقة والحصانات القضائية. وهذا أمر قد يخلق إلتباسا في التفسير لناحية إحالة بعض الجرائم في لبنان على وجه الخصوص إلى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وغير المفعل بطبيعة الحال».
يرى زبيب أن «الاهم في هذه المادة هي الفقرة 7 التي تعطي الحق لمنع أي مجرم من تولي شأن عام او البقاء في منصبه. أما المادة 31 والمعنونة ( التجميد والحجز والمصادرة) فتنص أن على دولة طرف في الاتفاقية أن تتخذ داخلياً جميع التدابير للتمكين من كشف أي من العائدات الجرمية الناتجة عن الافعال».
لافتاً إلى أن «هذه المادة فنّدت إمكانية إجراء عمليات التجميد والحجز والمصادرة على كل الاموال والاصول المنقولة وغير المنقولة، حتى بعد بيعها وتغيير طبيعتها او دمجها مع أصول مشروعة».
ويوضح أن «الفقرة 7 من هذه المادة إتسمت أيضا بالاهمية القصوى كونها تُلغي السرية المصرفية مطلقاً عن المرتكبين والمتهمين وتمنع الدول الاعضاء من التذرع بها.
وهو أمر لطالما عانينا منه في لبنان كون التذرع بالسرية المصرفية يأتي بالمرتبة الاولى لضرب أي محاولة للإستقصاء والتحري على الصعيد الخاص وضرب أي محاولة للتدقيق الجنائي على الصعيد العام».
وشرح كيف أن «المادة 53 تعالج موضوع الاسترداد المباشر للممتلكات بحيث تفرض على دولة طرف في المعاهدة ان تسمح لأي دولة طرف أخرى برفع دعوى مدنية أمام محاكمها، بهدف تثبيت الحق المشروع في الممتلكات المحجوزة للدولة الطالبة. كما تعطي الحق بدفع تعويض للدولة المتضررة والاعتراف بالمطالبة ونقل الملكية وهو الاساس».
يضيف: «اما المادة 54 فهي تعالج آليات إسترداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي حيث تعطي هذه المادة الحق للدولة الطالبة بإصدار حكم وتنفيذه في الدولة الموجودة فيها الممتلكات المكتسبة. ولا يقتصر الامر على إنفاذ أمر قضائي إنما على الدولة الطالبة تقديم طلب يتضمن أساساً معقولاً لعملية الملاحقة والحجز والاسترداد».
لافتاً إلى أن «هذا أمر خطير كونه يمكن أن يتسم بالاستنسابية المطلقة لناحية ما هو معقول مما هو غير معقول.
ومن هنا يمكننا القول أن إتفاقية مكافحة الفساد هي الركن الاساسي لبناء ملفات قضائية لعدد من السياسيين اللبنانيين أكانوا موجودين في السلطة حالياً أم لعبوا أي دور في الحياة السياسية على مدى الـ 35 عاماً المنصرمة. وتقع زيارة الوفد القضائي الاوروبي تحت مظلة هذه الاتفاقية لكنها استهدفت عدداً من الشخصيات المصرفية بعيداً عن السياسيين».
يعتبر زبيب أنه «يمكن للتسريبات الفضائحية على مستوى العالم ( اوراق بنما أو بندورا) أن تساعد في بناء هذه الملفات كونها معنية بعمليات إختلاس مال عام وتبييض أموال. وقد تتصل بجرائم أعلى وهي تمويل الارهاب كون هذين الجرمين متصلين بشكل وثيق بموجب القوانين الدولية والقانون 44/ 2015 اللبناني».
مشدداً على أنه «بعد أكثر من 3 سنوات على وقوع إنتفاضة 17 تشرين، والازمة المالية والنقدية غير المسبوقة، لم نر أي نوع من أنواع المحاسبة أكان على المستويات السياسية او المالية، وهذا مؤسف جدا».
ويشير إلى أنه»علينا أن نبحث في جميع الوسائل والادوات الدولية التي يمكن ان تساعد لبنان على استرداد ما تم نهبه. فجميع الاجراءات الداخلية قد فشلت نظراً لقوة المافيا السياسية القائمة والتي تتحكم بمفاصل الدولة والقضاء والامن».
لافتاً إلى أنه «بعد فشل المساعي الدولية لإسترداد الاموال المنهوبة عبر الوسائل الدولية الخاصة لا بد من اللجوء إلى ملفات قضائية تشكل ضغطاً على السياسيين لإعادة الاموال إلى لبنان بشتى الطرق».
الكك: إسترداد الأموال المنهوبة يمر بمخاض سياسي عسير للإنتقال من النظام القائم إلى نظام جديد
في الميزان المالي- القانوني أيضاً، تشرح أستاذة القانون المتخصصة بالشأن المصرفي الدكتورة سابين الكك لـ»نداء الوطن»، أن «هناك عدة أساليب لتجميد الاصول في الخارج ومنها إدراج أسماء أشخاص ومؤسسات على قائمة عقوبات معينة في الامم المتحدة وتلتزم بها الدول، كما حصل مثلاً مع تنظيم القاعدة والمنتمين إليه».
لافتة إلى أن «تجميد الاصول لا يعني فقط تجميد الحسابات بل يعني أيضا كل الممتلكات العينية وغير العينية التي تعود لاشخاص أو مؤسسات. في المسار القضائي حتى اليوم لبنان بعيد جداً عن كل الاصول والآليات المعتمدة». وتشدد على أنه «من حيث المبدأ يجب إثبات أن هذه الاصول والممتلكات من مصادر غير مشروعة وإلا فلا مبرر قضائياً لحجزها. من هنا يجب أن نملك أدلة كافية على الجريمة التي نتهم فيها سياسياً معيناً. هل لبنان في هذا الاتجاه؟ أنا أشك».
موضحة أنه «يمكن الانطلاق من القضاء اللبناني أو الاستناد إلى قوانين بلدان أخرى كما هو حاصل في ملف الحاكم رياض سلامة، في حال كان الجرم فيه عناصر محققة في بلد غير لبنان. لأنه إذا أردنا اللجوء إلى القضاء الاجنبي يجب أن نجد عنصراً للإختصاص، أي عنصر نتائج الجريمة مثلاً، أو أن المدعى عليه يحمل جنسية البلد الذي تتم مقاضاته لديه». تضيف: «بمطلق الاحوال يجب أن نعرف من هم الكيانات والاشخاص الذين لديهم الصفة والمصلحة لممارسة الدعاوى القضائية وجمع وقائع وإثباتات في كل ما يتعلق بالحسابات المصرفية وكيفية تحويلها، وتكوين هذا الملف ويسمح بالادعاء. وبات واضحاً أن الآليات في لبنان لا تزال معطلة بالرغم من تحسين صورة قانون رفع السرية المصرفية. لكن عملياً لا يزال مصرف لبنان يتحكم في كيفية رفعها ولا يمكن الاتكال عليها كثيراً».
تلفت الكك إلى أن «هناك مبادئ أساسية تحكم كيفية بناء ملف قضائي لتجميد أصول أي سياسي. فهذا الاجراء في الدول الاوروبية يتعرض لحق الملكية الذي تنص عليه شرعة حقوق الانسان وكل الدساتير في العالم. ومن هنا التعرض لهذا الحق سواء كان أصولاً مالية او عينية، لكي تتمكن الدول الذهاب إلى هذه الخطوة، تحتاج إلى وقائع وأدلة ومعطيات قضائية تتناسب مع قوانين تلك الدول». وتؤكد أن «تسريبات أوراق بنما تساعد حتماً في بناء مسار قانوني. وبالرغم من حصول تحركات شعبية في لبنان منددة بالفساد إلا أنه لم يتم التحرك من قبل المجتمع المدني والجمعيات الناشطة والنواب التغييريين للتصدي لهذه الملفات حول السياسيين». مذكرة بأن «الدول التي لجأت إلى مسار إسترداد الاموال مرت بمخاض سياسي كبير، أي الانتقال من نظام إلى نظام جديد طالب باسترداد الاموال».
وتختم:»حتى لو صدر القرار برد الاموال فهي لا تُسترجع مباشرة بل عبر مشاريع تنموية وتحت رقابة مؤسسات دولية لأنها أموال الشعب.
ولذلك هناك سذاجة في إطلاق شعار استرداد الاموال المنهوبة، فالمسألة ليست كبسة زر».
بطرس: لدينا ما يكفي من قوانين لمكافحة الفساد وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع… ولكن!
يحدد المحامي راضي بطرس لـ»نداء الوطن» مسارين لتكوين ملف قضائي لتجميد أرصدة السياسيين. الاول يستند إلى إتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد (سبق ذكر تفاصيلها أعلاه)، التي تضع إطار تعاون بين دول الاعضاء، أي تبادل المعلومات/ الحجز/المصادرة/الملاحقة». شارحاً أنه «بناء على هذه الاتفاقية أسس لبنان هيئة مكافحة الفساد التي اعطيت صلاحيات للإدعاء أمام القضاء المختص». ويشير إلى أنه «في حال استلزم الامر ملاحقة خارجية يجب أخذ الاذن من وزارة العدل وإعداد إستنابات قضائية، والاستماع إلى شهود من الخارج أي المعاملة بالمثل كما حصل في ملف الحاكم رياض سلامة». يضيف: «هناك هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الاموال وقانون الاثراء غير المشروع. وفي العام 2021 تم إقرار قانون الجرائم المتأتية عن الفساد. والمسار الاساسي هو أن تطلب الحكومة تكوين هذا الملف، أي بعد إدعاء النيابة العامة وإجراء التحقيقات. بعدها تتم ملاحقة المتهم عبر مراسلات مع الدول الموقعة على الاتفاقية».
يوضح بطرس «أن لبنان أقر قانون 214/21 لإستعادة الاموال المتأتية عن جرائم الفساد. تم بناء على ذلك قيام هيئة لمكافحة الفساد وتنص المادة 2 من القانون على أن إتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد تُطبق ومعها قانون مكافحة تبييض الاموال والإثراء غير المشروع»، مشدداً على أنه «قانون مهم جداً، لأنه خلق دائرة لإستعادة الاموال المتأتية من جرائم الفساد، يحق لها التحقيق وطلب معلومات وتهيئة ملفات». ويشير إلى أن «المسار الثاني يتم بناء الملف بواسطة إخبارات خارجية (ملف حاكم مصرف لبنان مثالاً). ولا يمكن لأفراد إقامة دعوى وإحالتها للقضاء الاجنبي، فالمشكلة الكبرى تكمن في وجود إثباتات. الجمعيات المدنية في لبنان يُمكن أن تتحرك في بلد كفرنسا مثلاً، على اعتبار أن أموال المؤتمرات الاقتصادية ( باريس1 و2 و3) تعرضت للإختلاس.
لكن المشكلة في الاثبات المتين لأن الشك في أي إتهام يفسر لمصلحة المتهم». ويختم: «لا يمكن الاتكال على وثائق بنما حيث تم تسريب 11 مليون مستند منها ما يعود إلى 40 عاماً مضت. والصحيفة الالمانية التي سربت هذه الوثائق لم تعلن عن مصدر التسريب. وأمانة الاثبات تقتضي أن يتم التحقيق في صحة الوثائق في بلدان لا تُفرض فيها السرية المصرفية، وتتمتع بسهولة الوصول إلى معلومات للتأكد من صحة هذه الوثائق، وإعتمادها لاحقاً كأساس لشكوى أو تحقيق».