رغم جميع المحاولات لتحسين سير العمل في مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النافعة)، لا تزال الأمور بعيدة عن التصحيح. البعض يرى الفساد والتجاوزات مستمرة، متحسرين على أيام “مغارة علي بابا” قبل حملات التوقيفات، وإغلاق المراكز التي جرت منذ أكثر من عامين، والتي لا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم.
على الرغم من الفوضى والضغط على مركز الدكوانة لتسيير أمور “النافعة”، والشجارات التي تندلع نتيجة هذا الضغط من وراء الستار، نجد السماسرة ومعقبي المعاملات الذين يتمتعون بعلاقات خاصة مع الموظفين لتمرير المعاملات. إلا أن “البدع” والاختراعات والتجاوزات لا تزال مستمرة، من جداول نقابة أصحاب معارض السيارات الجديدة إلى السيارات “اللبنانية” والأنقاض، يبدو أن الأمور لم تتغير كثيراً.
اليوم تبرز في الواجهة قضية تعطيل المنصة ومنع تسجيل أي “بيك أب” أو “فان” أو “رابيد” تحمل رمز “م”. فتتطلب هذه المركبات موافقة مسبقة لتسجيل نقل فئة “م”، ليتبين أن بعض هذه المركبات تمر دون الحاجة للمنصة.
بدأت القصة عندما فتحت نقابة أصحاب معارض السيارات أيام الاثنين والجمعة، مما أثار الشكوك حول نواياهم. كان الهدف الظاهري هو جلب السيارات الجديدة وتمريرها عبر جدول خاص يتم إعداده من قبلهم. وكانت النقابة تتقاضى 50 دولارا على كل سيارة، و500 ألف ليرة لصندوق قوى الأمن الداخلي المكلفين بأعمال النافعة، لكن ما كان يبدو كحركة تنظيمية بسيطة، كان يخفي وراءه شبكة معقدة من الفساد.
بعد الانتهاء من تسجيل السيارات الجديدة، بدأت النافعة في استخدام نفس الجدول لتسجيل سيارات المعارض المستعملة والسيارات التي يجلبها السماسرة، مما فتح بابا جديدا للرشاوى. فهنا بدأ المواطنون يدفعون 50 دولارا للنقابة و25 دولارا للسمسار و500 ألف ليرة لبنانية لصندوق الدرك فقط لتسجيل سياراتهم، في حركة توسعية على حساب جيوبهم.
الفضائح لم تتوقف هنا. سيارات الأنقاض التي كان يجب أن تخضع للكشف عبر المنصة، وجدت طريقها للسير دون أي فحص. فتعطيل المنصة كان مقصودا، وأصبح اللجوء إلى نقيب أصحاب المعارض وليد فرنسيس هو الخيار الوحيد. فأصدر فرنسيس تعميما يتضمن أرقام هواتف لمندوبين في كل المناطق، ليتولى هؤلاء المهمة بطرق غير قانونية.
ولكن الفضيحة الأكبر تتعلق بسيارات “الفان” والنصف نقل، التي تحتاج إلى ترخيص لرمز “م”. فبدلاً من اتباع الإجراءات القانونية، تم وضع “نمر” تجربة لهذه السيارات لفترة قصيرة حتى يتم تسجيلها على الرمز “م” بشكل قانوني. السيارات، بما في ذلك “الرابيد” والكميونات الصغيرة، كانت تحتاج إلى حجز دور عبر المنصة في الأيام العادية، ولكن تم تعطيل المنصة.
المشهد أمام النافعة كان مروعا. طوابير من السيارات تنتظر يومي الجمعة والاثنين على جداول فرنسيس. شهادات حية أكدت أن السيارات تُوضع على الجداول بدفع 250 دولارا للنقابة، و150 دولارا داخل النافعة لتسريع معاملاتهم. المفاجأة الكبرى كانت أن النمر المؤقتة مكتوب عليها “Auto francis”، مما يعني وجود مرفق خاص داخل المرفق العام يحقق أرباحًا طائلة. والمستفيد الأكبر من هذه الفوضى كان بشير الزمار، المسؤول عن جمع كل سيارات النصف نقل، الذي جعل من هذا الوضع مصدرا لثراء غير مشروع.
وفي الاطار، علمت “الديار” أن دراجة نارية تابعة للمدعو غسان عابده تم حجزها، مما دفعه لتسجيلها ودفع الرسوم المتوجبة عليه (تسجيل، رخصة سير، لاصق إلكتروني) في 30-7-2024، حيث بلغ المبلغ حوالي 4500 ليرة لبنانية. في اليوم التالي، ذهب ليكمل معاملاته ويسترد دراجته، لكن المفاجأة كانت في طلبهم منه مبلغ 4 مليون و500 ألف ليرة لبنانية إضافية، رغم أن المعاملة لم تُنجز ولا يحق لهم أن يأخذوا منه أي مبلغ إضافي.
الأحداث تتوالى والتساؤلات تزداد: كيف يمكن لمنظومة بهذا الحجم من الفساد أن تستمر؟ وما هي الأسرار الأخرى التي لم تُكشف بعد؟ يبدو أن كل يوم يكشف عن طبقة جديدة من الفساد المستشري، وأن القصة لم تنته بعد بل تتجه نحو المزيد من الفصول المظلمة والمثيرة.