يحتلّ التوظيف العشوائي موقعاً متقدّماً وأساسياً في الإجراءات التقشفيّة لموازنة 2019، وتتحدّث أوساط نيابية أن هناك اتفاقاً سياسياً شاملاً لوقف التوظيف بشكل نهائي ومنع دخول متعاقدين جدد وموظفين إلى القطاع العام باستثناء مناصب الفئة الأولى ومجالس الإدارات .
ملف التوظيف العشوائي ما كان ليسلك طريقه إلى الحسم لولا توالي مسلسل الفضائح وكشف أرقام خيالية يتقاضاها موظفون في الدولة لا يعملون ووظائف وهمية.
وعليه تتّجه الأنظار إلى الاجتماع المقبل للجنة المال والموازنة النيابية الذي يُعقد يوم الخميس بدعوة من رئيسها النائب إبراهيم كنعان يحضرها التفتيش المركزي وديوان المحاسبة وتكتسب أهميتها بأنها الجلسة التي تسبق إصدار التقرير النهائي للتوظيفات العشوائية.
تملك اللجنة أرشيفاً من المعلومات والوثائق استحوذت عليها من التفتيش ومن عملية إحصاء التوظيفات التي حصلت في الوزارات والإدارات، والأرشيف صار مليئاً بالفضائح والارتكابات التي حصلت بحقّ الدولة اللبنانية ومؤسساتها تحت عنوان توظيف الأزلام والمحاسيب.
تحت عنوان التوظيف الانتخابي لكسب الأصوات جرى توزيع عشرة آلآف وظيفة من حساب خزينة الدولة، ومن باب التوظيف في القطاع العام دخلت لجنة المال إلى مغارة الاتصالات ليتبيّن أن هناك أكثر من 500 موظف في قطاع الاتصالات في شركتَي الخليوي يقبضون ولا يعملون.
أرقام كثيرة وردت في ملفات مغلقة حوت مفاجآت ووقائع عن توظيفات في أغلب الوزارات بالوثائق والتفاصيل، فاحتلت وزارة التربية المرتبة الأولى من ضمن سبع وزارات مخالفة لقانون الأجير والمتعاقد والمياوم وبعدها الاتصالات فوزارة الصحة والخارجية والمالية والأشغال ومن ثم البلديات التي شملها تلوث التوظيف.
حصيلة اجتماعات ممثلي الكتل كانت تكوين فكرة شاملة عن التوظيف غير الشرعي وفيها أن التوظيفات ارتفعت قبل الانتخابات النيابية الأخيرة بنسبة 60 بالمئة، وأن عشرة آلآف شخص جرى توزيعهم على الوزارات والإدارات بشكل عشوائي في السنتين الأخيرتين، باعتراف وزير الاتصالات محمد شقير أنه عندما استلم وزارة الاتصالات تسلّم ملفاً يتضمّن أقل من 500 موظف لا يعملون.
لجنة الموازنة والمال النيابية قامت باستقصاءات كثيرة واستيضاح وزارات ومؤسسات عامة حول التقارير التي وردت إليها من التفتيش ومجلس الخدمة المدنية وعدد من المستندات التي استحصل عليها أعضاء اللجنة من النواب وممثلي الكتل النيابية أظهرت جميعها حدوث هدر للمال العام من التوظيف السياسي والانتخابي وأن كتلة الرتب والرواتب في الموازنة تفوق الأربعين بالمئة.
التقرير النهائي للجنة المال والموازنة سوف يخرج إلى النور ولن يبقى في الأدراج أو يخضع لأي تسويات كما يؤكد رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان كلّ مرة يتمّ سؤاله عن التقرير ولن يتمّ الرضوخ لأي تسويات وقد ثبت أن التوظيف العشوائي هو أحد أبرز مزاريب الهدر والفساد في الدولة.
الإصرار النيابي على المحاسبة لا يُلغي أن عملية التصحيح ستكون معقّدة ويُفترض إيجاد المخارج القانونية لها.
وفق أوساط قانونية فإن المادة 16 من الدستور تفرض على الوزراء تطبيق القانون والأنظمة فيما ظهر في الواقع أنه تمّ خرق القانون من قبل عدد من الوزراء .
معالجة هدر التوظيف تحتّم البحث في كيفية حصوله وأشكال التعاقد والمهل المحددة ودراسة الملفات حول التعاقد لإبطاله أو منع تجديده وتحويل الموظفين إلى إدارات أو وظائف أخرى.
هكذا يسهل القول إن ملف التوظيفات الذي كشف على الملأ هو من أخطر الملفات وأكثرها إرهاقاً وهدراً في الدولة ولكن الخروج منه يحتاج إلى التوافق السياسي لرفع الغطاء عن الموظفين أولاً وعدم تهريب الملف أو تمييعه بل اتّخاذ الإجراءات القصوى، فأن يدفع بضعة موظفين تجاوزوا القانون وأصول التوظيف الثمن يبقى أهون الشرور من أن يقع أو يفلّس البلد ويستمرّ هدر المال العام.