تتفرَّع وتكثر الفضائح المتعلّقة بملف الكهرباء ثم تجتمع عند مجلس الوزراء الذي وافق على الخطة التي أطلقها وزير الطاقة وليد فيّاض، بهدف رفع ساعات التغذية إلى نحو 10 ساعات بالتوازي مع زيادة التعرفة وإجراء التحسينات المطلوبة. لكن النتيجة جاءت عكس ذلك.
لم تستطع اللجنة الوزارية الخاصة بملف الكهرباء، حسم الملفات العالقة والمتزايدة. مع أن رئيسها، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأعضاءها باستثناء وزير الطاقة وليد فيّاض، يطرحون تساؤلات حول ما تم تنفيذه من الخطة حتى الآن، ويطلبون إجابات عن بضع نقاط يحصرونها بتخفيض تعرفة الفواتير وبمصير باخرة الغاز أويل التي طلبها فيّاض قبل رصد الاعتماد المالي لها. علماً أن الأزمة المرتبطة بخطة الكهرباء وبهذا القطاع، أعمق وأبعد.
فرض أمر واقع
ما يجري في ملف الكهرباء حالياً هو عبارة عن فرض أمر واقع ليس مستجداً. فمنذ العام 2010 يُفرَض الأمر الواقع في ملف بواخر الفيول وبواخر الطاقة وتنفيذ التزامات تكبِّد الخزينة العامة مئات ملايين الدولارات على شكل سلف خزينة لا تُستَرَد.
ورغم المرحلة الحرجة المتعلّقة بعدم توفُّر الدولارات الكافية للإسهاب بتمويل المشاريع الفضفاضة، وافق مجلس الوزراء على خطة الكهرباء التي تتضمّن الإتيان ببواخر فيول. وعلى مرأى اللجنة الوزارية، دخلت البواخر تباعاً، إلى أن علِقَت الباخرة الأخيرة، وفُتِحَ السجال حول تأمين 58 مليون دولار فريش، لها. فرفضَ ميقاتي تمويلها مع أن وزير المالية يوسف الخليل مشى بالإجراءات المالية المطلوبة وأحال الملف إلى مصرف لبنان، وجُمِّدَ هناك بقرار من حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري، الذي يرفض تأمين أي مبالغ مالية من المصرف بلا غطاء تشريعي من مجلس النواب.
الأمر الواقع إذاً، هو تشريع خطّة للكهرباء على أساساتٍ مهترئة وملوثة بهدر مليارات الدولارات. والتوقُّف عند باخرة أخيرة لا يرتقي لمرتبة الإصلاح. فالخطة نفسها جاءت متسرِّعة وإرضاءً للإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ولذلك، فإن تثبيت الخطة، وتالياً استيراد الفيول والغاز أويل ورفع التعرفة بلا كهرباء، هو فرض أمر واقع يستحيل تغييره إلا بانقلاب على خطة الكهرباء كاملة. وهذا يستدعي الانخراط في تحقيق مالي لن يسلم منه كل مَن وافق على هدر المال بدون كهرباء.
التعويل على اللجنة الوزارية
التسرُّع الذي قامت به الحكومة، عن قصدٍ أو غير قصد، يجري التخفيف من تداعياته داخل اللجنة الوزارية. لكن ما لم يكن في الحسبان، هو فتح ملف شركات مقدّمي الخدمات وختم النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم لشركة KVA بالشمع الأحمر وإطلاقه التحقيقات في ملفات تطال تزوير الفواتير والتقصير بإنجاز التعهّدات، وهي تهمة قد تنسحب على شركات مقدّمي الخدمات الأربع، أي KVA وNEU وBUS وشركة مراد.
وتداركاً لأي انعكاسات غير محسوبة النتائج، يرى المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون أن على اللجنة الوزارية “إعادة النظر بالتعرفة المتسرِّعة وغير المدروسة والتي لم تصل إلى نتائجها، أي 10 ساعات تغذية والتخفيف من اعتماد المواطنين على المولّدات الخاصة وتقليص فاتورتها”. وحسب ما يقوله بيضون لـ”المدن”، فإن المواطنين “أصبحوا يهربون من كهرباء الدولة ويريدون التخلّص من عبء فواتيرها لأنها ظالمة”. ولذلك، يأمل بيضون من اللجنة الوزارية أن “تعيد النظر بالتعرفة. وأن تُجري مقارنة بين معدلات الهدر قبل رفع التعرفة وبعدها، وبين ما إذا حققت الوزارة هدفها بزيادة التغذية وتأمين الفيول من الجباية أم لا”. ولا يستبعد بيضون أن “ترفع اللجنة الغطاء عن وزارة الطاقة وتتسلَّم هي زمام الأمور وتقوم بإجراء التعديلات على التعرفة”.
ما يحمله بيضون وَصَلَ إلى ميقاتي عبر قنوات مقرَّبة، ويتمنّى بيضون على رئيس الحكومة الأخذ بالمعلومات والعمل على أساسه وفتح ملف الكهرباء بشكل واسع.
تحديات أمام علي إبراهيم
ما قد تتجاهله اللجنة الوزارية لا يمكن للقاضي إبراهيم تجاوزه. فإن كانت اللجنة مقيَّدة بما وافقت عليه الحكومة ضمن خطة الكهرباء، يمكن لإبراهيم القفز فوقه والوصول إلى ملفّات أبعد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تبيان سبب تجميد العمل في معمليّ الزوق والجية والاستمرار في تشغيل معمليّ دير عمار والزهراني حصراً، مع أن كلفة تشغيل المعملين الأخيرين هي 14 سنت لكل كيلواط، فيما تشغيل المعملين الأوّلين هي 11 سنت للكيلواط. علماً أن الفيول مؤمَّن وخزانات المعامل ممتلئة. فهل استيراد الفيول هو الهدف النهائي أم هو وسيلة لتشغيل المعامل وزيادة الإنتاج؟.
وربطاً بملف بواخر الفيول، لا يجب أن يغفل القاضي إبراهيم عن غرامات التأخير للبواخر التي سبقت، وهي مبالغ لا تقلّ عن 300 مليون دولار، يُفتَرَض أن يتم التفاوض عليها مع شركة “فيتول بحرين”، بهدف تخفيضها. لكن في جميع الأحوال، يبقى على الدولة واجب دفع مبلغ مالي رتَّبهُ قرار متسرِّع من وزارة الطاقة.
أيضاً، ومنذ العام 2010، فُتِحَ تحقيق في ديوان المحاسبة حول فواتير الكهرباء المرتجعة في المؤسسة، والتي “تُسرَق” ويتم استعمالها “من قِبَل بعض العمال والمياومين، لمساومة أصحاب الفواتير على دفع نصف قيمتها، ولا تذهب الأموال إلى المؤسسة”. ولا يخرج ملف التلاعب بالعدادات عن هذا السياق، وهو ما بدأه إبراهيم مع شركة KVA وأكَّدَ لـ”المدن”، أن التحقيق مستمر وقد يجرّ ملفات تتعلّق بشركات أخرى.
ملف غرف التحكُّم بالكهرباء في المناطق لا تنفصل عن الملف المفتوح حالياً. فتوزيع ما يتوفَّر من الكهرباء لا يتم بشكل عادل، بل يخضع لمكاسب بعض الموظفين المدعومين سياسياً.
عقود مشغِّلي معامل الانتاج كذلك يجب أن تخضع للتدقيق والمحاسبة. فمئات ملايين الدولارات مترتّبة لهم من دون تقديم خدمات فعلية.
فضلاً عن ملفّات تتعلّق بحقوق موظفي مؤسسة كهرباء لبنان، ومنها ملف التغطية الصحية الذي يغرق بمزاجية بعض الموظفين الممسكين بالملف.
ولا ينتهي الأمر عند استمرار شركات مقدّمي الخدمات بتأخير إرسال أموال الجباية إلى حسابات مؤسسة الكهرباء يومياً، بل تبقى الأموال في حسابات مصرفية خاصة، ويتم الاستفادة من فوائدها، قبل تحويلها. وهو ملف ليس بجديد، وفتحه التفتيش المركزي من دون الوصول إلى نتيجة فعلية.
ملفّات كثيرة أمام اللجنة الوزارية والقاضي إبراهيم. فمن منهم يسارع إلى تبنِّيها وكشف تفاصيلها؟
هي تحديات مفتوحة بانتظار المستقبل القريب.