فضائح «بالجملة»… هذا ما كشفه اليوم الأوّل من إمتحانات المتوسطة

 

 

 

على وقع فضيحة المدارس الخاصة غير الشرعية واحتجاجات التلاميذ الذين حُرموا من بطاقات ترشيحاتهم، إنطلقت القافلة الاولى من الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة أمس، وقد بلغ عدد المرشحين نحو 60 ألفاً و700 طالب، موزعين على 279 مركزاً. في هذا الإطار، كشف مصدر تربوي مسؤول لـ»الجمهورية»: «انّه حتى لحظة إنطلاق الامتحانات لم تكن وزارة التربية تملك جردة كاملة عن عدد المدارس الخاصة غير المستوفية للشروط، وما تمّ تداوله في الإعلام مجرّد تكهنات، أما العدد الفعلي للمدارس التي «وضعها مشبوه» فهو 296».

على طريقة «مين قبل الدجاجة أو البيضة؟» إنشغل أمس معظم من تابع الامتحانات الرسمية في توزيع مسؤوليات الأثمان التي تكبدّها التلاميذ الذين حُرموا من الدورة العادية لامتحانات الشهادة المتوسطة، بين «الوزير بلا قلب»، «الحق على الاهل»، «إدارة المدرسة نصّابة»، «وين التفتيش؟»…

تضاربت الآراء وانقسمت الأسرة التربوية، و”ضاع الشنكاش. التربية، المرشحين،المخالفات

إلاّ انّ القضية أبعد من «ورقة بالزايد أو بالناقص»، ليكتمل ملف المدرسة الفلانية أو غيرها. وفي التفاصيل، يروي المصدر التربوي المسؤول لـ»الجمهورية»، «عن مخطط أشبه بمسلسل عمره سنوات، تعمل على أساسه بعض إدارات المدارس الخاصة «الفاتحة ع حسابها»، معتمدة أسلوباً مافيوياً، يسيّر فيها أصحاب المدارس أمورهم بسياسة فرض الامر الواقع. إذ في كل سنة يُراجعون مرجعياتهم السياسية قبل ساعات قليلة من الامتحانات الرسمية لكي تضغط تلك المرجعيات على وزير التربية، مرة تحت عنوان «حرام نضيّع مستقبل التلاميذ»، ومراراً بعنوان «مرقلّي لمرقلك».

ويستشهد المصدر نفسه بحادثة غريبة حصلت مع أحد وزراء التربية في السنوات الاخيرة، والتي تُظهر كم الفساد المستشري في عمل بعض المدارس القائمة على التنفيعات، فيقول: «سأل الوزير خلال جولته احد المرشحين ما إذا كان يعرف زميله في القاعة نفسها والذي حضر معه من المدرسة نفسها، فأكّد الطالب انّه لا يعرف زميله، وتبيّن انّ معظم المجموعة لا تعرف بعضها، علماً انّهم أتوا من المدرسة نفسها. وأغرب من ذلك، وبعد البحث والتدقيق تبين انّ أحد المرشحين يسكن في منطقة حدودية نائية وقد عجز عن تحديد المكان الجغرافي لمدرسته التي تقع في عمق بيروت لعدم تردّده إليها. هذا غيض من فيض لإدارات تهتم فقط بتسجيل طلابها صورياً مقابل تقاضي الاموال».

لماذا علت الصرخة هذه السنة تحديداً وتعرقلت أمور بعض المرشحين، يُوضح المصدر: «كان الابتزاز سيّد الموقف لسنوات وتحت عنوان الاستثناءات تسيّر تلك الإدارات أعمالها، وفي هذه الدورة ظنّ أصحاب تلك المدارس انهم سيكسبون رهانهم وتنجح إتصالاتهم في تمرير الأسماء في الساعات الاخيرة عبر استحصالهم على تواقيع إستثنائية. إلا انّ شهيب حاول وضع حدٍ لهذا المسلسل، فعلت الصرخة، مع الإشارة إلى انّ وزارة التربية وجّهت إنذارات كثيرة للمدارس تذكّرها بالمواعيد وبآلية التقدّم من الامتحانات، ولكن «دق المي مي»،، والاسوأ، انّه تبين غياب أي أثر لبعض المدارس، فهي من الاساس لا تملك ملفاً».

ويتوقف المصدر نفسه عند الأعداد المشبوهة للتلاميذ في بعض المدارس الخاصة غير الشرعية، فيقول: «كيف يمكن تفسير واقع مدرسة تتسع لـ200 أن تستوعب على سبيل المثال 70 طالباً إضافياً، كيف تؤمّن لهم المقاعد وتضمن حصولهم على العلم الكافي؟ لماذا كل هذا الحشو؟ لا شك في انّها تأخذهم كـ»تنفيعة» مقابل حفنة من المال».

ويميّز المصدر بين أوضاع متعددة ودرجات مختلفة من المخالفات، بين المدارس غير الشرعية، فيقول: «فئة من الاساس لا تملك رخصة وأشبه بشقة سكنية، فئة متجاوزة عدد الطلاب بحسب مرسوم إنشائها، فئة ملفها ناقص، فئة من عام إلى آخر تحاول ترتيب أوضاعها، والفئة «الأسوأ» تلك التي تسجّل طلابها وتحاول ان تستحصل على بطاقات ترشيح لهم على حساب مدرسة أخرى شرعية».

وقفة إحتجاجية

وفيما الخط الساخن كان «يغلي» في الوزارة بالاتصالات من مراكز الامتحانات، كانت حناجر بعض الامهات على مدخل الوزارة تطالب شهيب بالإستقالة، فيما مجموعة من التلاميذ تجمهروا والغصة في عيونهم لحرمانهم من المشاركة في الامتحانات، بعدما أمضوا سنوات من عمرهم على مقاعد مدارسهم.

وخلال الوقفة الاحتجاجية، حاولت مديرة مدرسة الاتحاد التربوي حنان كرباج أن تحرق نفسها، بعدما سكبت كمية من الوقود على ثيابها ووجهها، محاولة إشعال النيران بجسدها، الا انّ الاهالي والتلامذة المعتصمين سارعوا الى منعها.

وبعد تلك الحادثة، شرحت كرباج بصوتها «المبحوح» وجهة نظرها لـ»الجمهورية» قائلة: «أملك مرسوماً، ولكن عند الصباح تمزق بالمياه، ولدي إذن مزاولة المهنة، وقد عُيّنت مديرة منذ العام 2003، ولم يكن لدينا أي مشكلة، ولكن كل ما في الامر، انّ في مدرستي عدد الطلاب المسجلين يزيد عن عدد المسموح به، في الرخصة 270 تلميذاً، فيما هناك 330 تلميذاً، وقد زاد عدد طلاب المدرسة اسوة ببقية المدارس الخاصة التي فتحت أبوابها للتلاميذ السوريين». وتضيف: «كنت قد إستحصلت على موافقة إستثنائية لسنة واحدة، وبعدها أتى المفتش التربوي وأجرى كشفاً على مساحة المدرسة، فدوّن انه يحق لي بـ408 تلاميذ. فقدّمت ورقة إلى الوزارة العام المنصرم للإستحصال على موافقة حول زيادة عدد التلاميذ، فلم أتبلغ أي معارضة من الوزارة، وكل المدارس قدّمت طلبها ولم يمنعها أحد من المشاركة في الامتحانات». وتتابع: «هذه السنة حضرنا لنقدّم عدد التلاميذ لدينا والحصول على موافقة، إلّا انّ من يدوّن التقرير أخطأ في كيفية تدوين إسم المدرسة، وعوضاً من مدرسة الاتحاد التربوي، سجل النجاح التربوي، وريثما تمّ تصحيح الاسم في المعاملة إنتهت مهلة تقديم الطلبات، بدليل انّ في المنطقة التربوية في بعبدا أخذوا مني طلبات طلابي ودققوا فيها، وأبلغوني انّ طلابي سيحلون في مركز في حارة حريك، والبطاقات قد انتهت ويكفي إحضار الموافقة من وزارة التربية لكي اتسلّمها. واليوم نحن في الشارع للأسف»، مشيرة إلى انها تقبل بمحاسبتها، ولكن «شو ذنب التلاميذ؟».

أما نغم، واحدة من الامهات اللواتي إفترشن الارض منذ الصباح الباكر إلى جانب المديرة كرباج، فتعرب عن سخطها لـ»الجمهورية»، خصوصاً أنّ ابنها سبق ونال شهادة البريفيه وتقدّم من الامتحانات الرسمية على اسم مدرسة «الاتحاد التربوي»، فتقول: «كل ما في الامر أنّ المديرة أبلغتنا عن تلقيها إتصالاً من وزارة التربية مفاده أن أوراقها إنتهت وعليها تسلّمها، وبعدما حضرت تبيّن أن خطأ ورد في تدوين اسم المدرسة، بدلاً من «الاتحاد التربوي» «النجاح التربوي»، ويتهمون المديرة بأنّ لديها 70 طالباً إضافياً، بدلاً من تهنئتها على إعتبار انها «ضبّت لولاد» من الشارع». وتضيف: «نحن سدّدنا كامل القسط ولم نعلّم أولادنا بـ»بلاش». وتقاطعها والدة أخرى، «لو سلّمنا جدلاً انّ المديرة قد أخطأت فلتُحاسب أو فلتُقفل المدرسة عوضاً من تحويل أولادنا إلى كبش محرقة».

شهيّب: مدارس لا تملك داتا

وفيما كان الاهالي يتجمهرون عند البوابة الرئيسية لوزارة التربية، كان الوزير شهيب والاعلاميون على موعد في جولة لتفقّد الامتحانات في يومها الاول من مجمع الجامعة اللبنانية- الحدث. وعلى هامش الجولة، قال شهيّب: «همّنا أن نساعد أولادنا على النجاح في المرحلة المقبلة، بعيداً من الفوضى ، نريد أن يخوضوا امتحاناتهم بشكل أدق». وعن عدم إعطاء طلبات الترشيح لعدد من الطلاب قال: «هذه المدارس لا تملك داتا في الوزارة ولا أي رخصة، وانما هي مدارس تجارية».

وعصرًا سمح شهيّب لمرشحي الثانوية العامة من المدارس المخالفة بتقديم ترشيحاتهم، وأبرز ما جاء في البيان: «بموجب الإجراءات الواجب اتباعها والتدابير التي يقتضي اتخاذها بشأن المدارس الخاصة التي باشرت بإسداء التعليم لأول مرة في العام الدراسي الجاري 2018/2019 من دون الحصول على إجازة لفتحها وعلى ترخيص بمباشرة العمل فيها، وعلى إحالة وزير التربية والتعليم العالي الموجهة إلى المدير العام للتربية بتاريخ 15/5/2019 والمتعلق بالمدارس الخاصة من مجانية وغير مجانية والتي عملت سابقاً بموجب موافقات إستثنائية، اللتين تضمنتا تمكين المدارس المعنية بهما من تقديم اللوائح الإسمية بأسماء التلامذة المسجلين فيها، يمكن لهذه المدارس رفع لوائح بأسماء مرشحيها لشهادة الثانوية العامة وذلك حتى موعد أقصاه الساعة الخامسة من بعد ظهر غد الجمعة».

وفي خضم التجاذبات، بعد يوم طويل من توزيع التهم والمسؤوليات، غرّد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط مدافعاً عن شهيب قائلاً: «انّ محاولة تشويه سمعة اكرم شهيب لا تجدي لانه في فترة الاجتياح الاسرائيلي حاول تجنيب الفتنة الطائفية في عاليه، التي عمل عليها المحتل الاسرائيلي وتعامل على هذا الاساس مع الجميع في محاولة لمنعها، ثم كان مدير مكتبي في الشام حيث نسقنا مع كافة الفصائل الوطنية وكان أكرم من الاوائل في اسقاط 17 أيار».

ختاماً، كان يُمكن «تربية» أصحاب المدارس بعيداً من التلاعب بمستقبل المرشحين. وفتح لهم مجال المشاركة في الدورة الاستثنائية لا يُداوي حرقة قلوبهم. فلو تكاتف المعنيون في الوزارة، أو استعانوا بالخبرات الماضية لتمكنوا من إلحاق المرشحين بالدورة العادية، عبر استحداث مراكز أو اجتراع الحلول لهم.

بواسطةناتالي اقليموس
مصدرجريدة الجمهورية
المادة السابقة“القوات”: لن نقف مكتوفي الأيدي!
المقالة القادمةجنبلاط: الضريبة على معاشات المتقاعدين هي قمة الظلم