وبالتدقيق مليّاً في ملفّ اللحوم المدعومة، تعاني السوق اللبنانية شحّاً كبيراً في الثروة الحيوانية، لسببين رئيسيين: أولّهما، إمتناع تجار وشركات عن بيع الأبقار الى السوق المحلي بالسعر المدعوم، إضافة إلى تهريب الأبقار الى سوريا بكمّيات كبيرة، والثاني، تصدير الأغنام الى الخليج العربي، وبالتالي تفريغ السوق المحلي من الثروة الحيوانية ممّا يرفع ثمنها تلقائياً، ويحرم المواطن اللبناني من تناول اللحوم على أسعارها الحالية.
أبو حسن صاحب سلسلة ملاحم في البقاع بين شتورا وجلالا وبرّ الياس وتعلبايا والمصنع، يجزم بأنه لم يستطع الحصول على رأس بقر أو رأس غنم بلدي أو تركي مدعوم منذ نحو شهر، ويقول: “سعر كيلو لحم البقر المدعوم بين الـ 30 والـ 35 ألف ليرة ولأنّ ما فينا نسكر، نضطّر لشراء كيلو البقر الحيّ الواقف 25 ألف ليرة بفاتورة برّانية، فيما المفترض أن نشتريه كمدعوم ما لا يزيد عن 16 الف ليرة”. وعن دور البلديات في تحديد السعر يجيب: “هذا الكلام مضحك ودليل عجز الدولة عن تحديد الجهات التي تبتزّ المواطن، يجب أن تلاحق المستورد وتفرض عليه تسليمنا الذبيحة، حينها يتمّ تحديد سقف لسعر كيلو اللحم المذبوح وضبط المخالف”.
يكشف أحد العاملين في مجال تربية المواشي واستيرادها لـ”نداء الوطن” عن أنّ أكثر من 15 ألف رأس غنم يتمّ تصديرها أسبوعياً الى دول عربية، يطلب في هذه الأيام الغنم البلدي المعروف بـ”العويس”، (هو خروف بلدي عمره صغير وزنه لا يتجاوز الـ 40 كيلوغراماً، يربّى في بادية الشام، وبين لبنان وسوريا). ويؤكد أن بعض التجار عمدوا الى استيراد هذا النوع من الغنم من منطقة أورفة التركية، حيث يتمّ استيراده بسعر أغلى بنصف دولار عن سعر كيلوغرام غنم البيلا القادم من تركيا وجورجيا ورومانيا وغيرها، فيتمّ نزع “الكبسة” عن أذنه وإطعامه الشعير والتبن لمدّة اسبوعين، وبعدها يتمّ تصديره عبر المطار الى الخليج العربي على أساس أنّه بلدي عويس بـ 270 دولاراً اميركياً عن كل خروف واصل.
أما في موضوع الأبقار فلا يختلف الوضع. فبحسب الكشوف والإعتمادات المصرفية يفترض أنّ في لبنان حالياً أكثر من 35 ألف رأس بقر، إلا أنّ شحّ السوق المحلي ناتج من ارتدادات التهريب الى سوريا، وامتناع التجّار عن بيع المدعوم، وهم يستقوون بنفوذهم الحزبي والسياسي.
من جهته، وزير الزراعة عباس مرتضى إستهل حديثه لـ”نداء الوطن”، طالباً من وزير الاقتصاد إحالة ملف اللحوم الى النيابة العامة المالية في أسرع وقت ممكن، وقال “إن وزارة الزراعة موافقتها فنّية في خصوص الإستيراد والمواصفات، وهي خاضعة لوزارة الاقتصاد والتجارة المطالبة بحماية السلع كونها لديها صلاحيات كاملة بهذا الخصوص”، واضاف: “لبنان حالياً محتكم الى كارتيلات وهي أقوى منا بل وتتحدّانا”. ودافع وزير الزراعة عن الاذونات في التصدير على أساس أن ما يتمّ تصديره الى الخليج خروف “العويس” البلدي الذي تتم تربيته في المراعي البرية بين لبنان وسوريا، وهو سعره غالٍ ومرتفع، وكنت أصدرت قراراً بوقف التصدير بهدف تعويم السوق المحلي، ما أدّى الى تدخّل الجانب القطري مع رئاسة الحكومة لإعادة تصدير الخروف البلدي لأنّ الخليجيين يستهلكونه، فيما اللبنانيون لا يشترونه لان سعره مرتفع جداً”.
وأضاف: “المشكلة الأساسية ليست في الغنم بقدر ما هي في البقر، لأنّ لبنان إستهلاكه أكبر في لحوم الأبقار، منها نتيجة صراع داخل كارتيل اللحوم المستوردة، التهريب ليس من مسؤوليتي، انما تدخّلي هو مؤازرة وليس من صلاحياتي مكافحة التهريب والإحتكار”. وأشار الى “أنّ في هذا الملفّ ظلامية يذهب الصالح بظهر الطالح، بعض المستوردين باعوا ما لديهم من ابقار للسوق المحلي، وآخرون يمتنعون عن بيع الأبقار المدعومة، فلا يمكن المساواة بين من يبيع وبين من يحتكر”.