من المقرر أن يستأنف النظر في ملف “فوري” المجمّد منذ أكثر من سنة ونصف السنة. هذا الملف الذي فرمله حاكم مصرف لبنان السابق، رياض توفيق سلامة، لأشهر طويلة بعد مخاصمته جميع قضاة الهيئة الاتهاميّة. أعيد ملف “فوري” لقاضي التحقيق الأول، بلال حلاوي، حيث أن محكمة التمييز الجزائية أصدرت قرارًا بردّ استدعاء التمييز شكلًا، الذي سبق وأن تقدّم به وكيل سلامة ضد القرار الذي صدر سابقًا عن الهيئة الاتهاميّة، حين قررت فسخ قرار قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا (قبل تقاعده) الذي قضى بترك سلامة وعدم توقيفه.
إحياء ملف فوري
للتوضيح أكثر، تعود أحداث هذا الملف إلى العام 2023، حين بدأت جلسات استجواب سلامة وشقيقه رجا، والمساعدة المصرفية ماريان الحويّك أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت آنذاك، شربل أبو سمرا.
في الجلسة الأخيرة قبل دخول الملف في مرحلة التجميد، اعترضت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، ممثلة الدولة اللبنانيّة، القاضية هيلانا اسكندر، على مسار التحقيقات، وعلى المحاباة التي كانت تظهر بين أبو سمرا وسلامة. حينها، لم يصدر أبو سمرا مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة، بل قرر تركه رهن التحقيق وإنهاء جلسات الاستجواب، فاستأنفت اسكندر هذا القرار وحُول للهيئة الاتهاميّة للبت فيه، فخاصم سلامة جميع قضاة الهيئة الاتهاميّة كما تنحى عدد من قضاة الهيئة الاتهاميّة عن هذا الملف، ودخل الملف في دوامة قانونيّة طويلة، إلا أن محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية سهير حركة، أصدرت قرارًا برد استدعاء التمييز شكلًا، المقدم من سلامة، ضد القرار الصادر عن الهيئة الاتهامية المناوبة في بيروت، برئاسة القاضية ميراي ملاك، والقاضي بفسخ قرار قاضي التحقيق شربل أبو سمرا بترك سلامة، وضد القرار الصادر عن الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي نسيب إيليا، الذي قضى بتدوين رجوع الدولة اللبنانيّة ممثلةً برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية اسكندر عن استئناف القرار الصادر عن القاضي أبو سمرا بترك المدعى عليه، وبالتالي يُعاد الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي.
وقضت المحكمة إلزام سلامة دفع مبلغ 50 مليون ليرة تعويضًا للدولة اللبنانيّة لإساءة استعماله حق التمييز، وذلك سندًا للمادة 309 أصول محاكمات جزائية ومصادرة التأمين.
المُتابعون لقضايا سلامة يُدركون جيدًا أن ملف “فوري” هو الفضيحة الكبرى للأخوين سلامة. شركة وهمية مُسجلة باسم رجا، اشتبه سابقًا بتلقيها أموالاً غير مشروعة على شكل عمولات بعقد موقّع مع مصرف لبنان المركزي، واستمر الشقيقان بتلقي العمولات عن عقد شركة فوري، بالرغم من حلّها قانونيّا وشطبها. وكشفت التحقيقات الأولية في سويسرا عن عملية تبييض أموال قُدرت بحوالى 300 مليون دولار أميركي، حُولت من المصرف المركزي إلى حساب رجا سلامة المصرفي، وتوسعت هذه التحقيقات لتشمل دخول عدة دول أوروبيّة في القضية، وصولًا إلى القضاء اللبناني الذي ادعى على الحاكم بجرائم ماليّة: “الاختلاس، تبييض الأموال، استعمال المزور، الإثراء غير المشروع، التهرب الضريبي..”. وأصدر القاضي بلال حلاوي مذكرة توقيف وجاهية بحقه، وأصدر القاضي نقولا منصور المذكرة الثانية بحق سلامة، هذا إلى جانب المحاكم الأوروبية التي أصدرت مذكرات توقيف غيابية بحق سلامة وعممتها عبر الإنتربول الدولي.
طوال هذه الفترة، لم يتوقف ملف سلامة عن المُتابعة في أوروبا ولبنان أيضًا. في فرنسا، أكدت محكمة التمييز الفرنسية مصادرة ممتلكات في العاصمة باريس يشتبه في أنها استحوذت عليها بطريقة احتيالية عائلة سلامة.
استمرار توقيف سلامة
ومن جهة القضاء اللبناني، سبق وأن تقدم وكيل سلامة القانونيّ، مارك حبقة، بطلب إخلاء سبيل سلامة، أمام القاضي حلاوي، لكن الأخير رفض إخلاء سبيله لمرتين على التوالي، فطعن حبقة بهذا القرار، لكن الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي نسيب إيليا، تماشت مع قرار القاضي حلاوي، وصادقت على قرار إبقاء سلامة موقوفًا وردت الطعن المقدم من وكيله.
تصبّ هذه التطورات القضائية في مسار سلامة القانونيّ داخل قصور العدل. هذا يعني استئناف البحث بجميع الملفات التي كانت مجمدة أمام القضاء اللبناني بسبب مخاصمة سلامة للقضاة، وباتت هذه الملفات قيد المتابعة من قبل القاضي بلال حلاوي، الذي سيُتابع جلسات الاستجواب في ملف “فوري”، وسيستكمل جلسات الاستجواب في قضية اختلاس 42 مليون دولار أميركي، التي دفعت بالمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار إلى توقيف سلامة منذ شهرين للتحقيق معه.
وحسب معلومات “المدن” فإن رئيسة الهيئة الاتهامية القاضية هيلانا اسكندر ستطلب من القاضي حلاوي تعيين جلسة استجواب للمدعى عليهم في ملف فوري. كما أنها ستشارك في هذه الجلسات بصفتها ممثلة الدولة اللبنانية، وستطرح الأسئلة على المدعى عليهم.
وترى مصادر قضائية مُتابعة أن قرار محكمة التمييز الجزائية كان صائبًا، وتمكن من إنهاء العراقيل التي سيطرت على الملف. في هذه الحالة، يمكن مُتابعة جميع الملفات المُدان بها سلامة. وعلّقت مصادر قانونيّة لـ”المدن” إلى أن التحقيقات قد تتوسع لتطال ملفات عديدة تُدين سلامة بشكل أكبر، لافتًة إلى أنها ستكشف عن “الرؤوس” التي عاونته طيلة العقود الماضية وشاركته في جرائمه المالية. ولم تستبعد المصادر نفسها احتمال صدور مذكرة توقيف وجاهية ثالثة بحق سلامة، بعد تحديد جلسة لاستجواب سلامة في ملف “فوري”.
إذن، المسار المُتوقع قريبًا، بعد أن يطلع القاضي حلاوي على ملف فوري، سيُعين جلسة للمدعى عليهم، وسيتابع الملف من النقطة التي توقف عندها أبو سمرا سابقًا. وفي حال عيّن جلسة للمساعدة المصرفية ماريان الحويك، وشقيق الحاكم رجا سلامة، يتوجب عليهم حضور الجلسات، وفي حال تغيبهم عن الجلسة، يحق للقاضي إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقهما.
إذن، يبدو أن رحلة سلامة داخل القضاء اللبنانيّ لن تنتهي بسهولة، ما يعني أن فترة احتجازه لا تزال طويلة.