منذ أن رفع الموظفون الفنيون في المديرية العامة للطيران المدني في مطار بيروت صوتهم، ملوّحين بالتوقف عن العمل الليلي “شبه المجاني” -حسب تعبيرهم- انهالت الإتصالات لاحتواء الموقف تجنباً لتعطيل عمل المطار ليلاً.
وحسب المعلومات، من المرجّح أن تسفر الاتصالات عن نتائج إيجابية في الساعات المقبلة، لسبب واحد هو أن مسألة تعطيل عمل المطار ليلاً غير مقبولة على الإطلاق، ولا يمكن حصر ساعات الطيران بالدوامات الرسمية نهاراً فقط، على ما يقول مصدر رفيع من مطار بيروت. أما مطالب الفنيين والتي تُعد محقّة في جانب منها، إلا أن علامات استفهام تدور حول مستحقيها أيضاً.
تحذير موظفي الطيران المدني
هدّد الموظفون الفنيون في المطار بالتوقف عن العمل لساعات إضافية ليلاً، بدءاً من أول شهر أيار المقبل، وبالتالي قد تقتصر ساعات العمل بالمطار في حال تنفيذ تهديدهم على 8 ساعات نهارية فقط، بدلاً من 24 ساعة. ما يهدّد تسيير الرحلات الجوية على مدار الساعة.
فالفنيون المناوبون في مصالح المديرية العامة للطيران المدني، باستثناء الملاحة الجوية، يعترضون على عملهم لساعات إضافية تصل الى نحو 100 ساعة شهرياً في مقابل تقاضيهم “الفتات”، حسب توصيف أحد العاملين، الذي يرى أن ساعات العمل الإضافية لا تتناسب والمبالغ الزهيدة التي يتقاضونها.
وتضم مديرية الاستثمار الفني في المطار: مصلحة سلامة الطيران، ومصلحة صيانة الأجهزة الملاحية وأجهزة الإرشاد، ومصلحة الاتصالات الجوية، ومصلحة الأرصاد الجوية.
نقص أم تخمة؟
يقف وراء هذه الأزمة العديد من العوامل ترتبط جميعها بسوء إدارة الحكومات اللبنانية المتعاقبة لملف المطار وتسييس عمليات التوظيف فيه، وتقاسم الحصص، على غرار كافة الوظائف الحساسة بالبلد. الواقع السياسي المهترىء والتجاذبات السياسية كانت قد دفعت بجبران باسيل إلى عرقلة ملء المراكز الشاغرة في المطار عام 2009، لعدم مراعاتها التوازن الطائفي، علماً ان التعيين حينها كان سيتم بناء على نتائج مباراة مجلس الخدمة المدنية.
بالمحصلة، تعاني المصالح الفنية والملاحة الجوية في مطار بيروت من نقص في عديدها الفعلي، الذي يعمل ليلاً ونهاراً، ومن فائض ملحوظ في الوقت نفسه بالموظفين الشكليين الذين يتقاضون رواتبهم ولا يعملون، حتى أن منهم من لم يحضر يوماً إلى مقر عمله في المطار، بالإضافة إلى أن العديد من العاملين الذين يتقاضون بدل ساعات عمل ليلية لا يعملون ليلاً، وتصل نسبتهم لما يقارب 80 في المئة من العاملين. إذ أن سير عمل المطار لا يستلزم وجودهم. أما من يستلزم وجودهم في المناوبات الليلية، فلا تزيد نسبتهم عن 20 في المئة من العاملين. وعن صحة واقع المصالح الفنية والملاحة الجوية، فيرى مصدر رفيع من المطار أن هيكلة وتنظيم قطاع النقل الجوي بات ضرورة ملحّة.
وإذا كان النقص بين الفنيين بالمطار يعرّض النقل الجوي للخطر، فإن الفائض أيضاً بين فئات وظيفية أخرى تستنزف حقوق العاملين الفعليين. من هنا يدعو المصدر في المطار الحكومة ممثلة بوزارة الأشغال إلى “غربلة” العاملين الفنيين وغير فنيين في المطار، وإعادة هيكلة هذا القطاع. إذ أنه يعاني من تخمة بالعاملين غير المهنيين، الذين تم توظيفهم سياسياً. مطالباً بالاستعانة بضباط من الجيش اللبناني في أعمال الملاحة الجوية بعد تدريبهم، وهو أمر ميسّر. رافضاً استمرار وضع المطار تحت رحمة الموظفين الذين تم توظيف غالبيتهم لتنفيع سياسيين ووزراء سابقين.
تحصيل حقوق أم ابتزاز؟
يتقاضى موظفو مصالح مديرية الطيران المدني بدلات إضافية عن ساعات العمل الليلي التي يعملون فيها. غير أن البدلات المالية تتفاوت فيما بين الموظفين بحسب مهامهم. وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تحرك العاملين وتلويحهم بالإضراب بدءاً من شهر أيار.
فالعاملون في مصلحة الملاحة الجوية، وهم الذين يتولون مهام حساسة، بينها تأمين إقلاع وهبوط الطائرات، يتقاضون مبالغ إضافية إلى رواتبهم تتراوح بين 2500 و4000 دولار فريش يعود الجزء الأكبر منها إلى شركة طيران الشرق الأوسط، التي تحاول تأمين سير الرحلات الجوية على مدار الساعة. اما باقي الموظفين لاسيما الفنيين منهم، فتتراوح الزيادات المالية على رواتبهم بين 300 و700 دولار فقط، وتعود أيضاً للميدل ايست.
وإذ يؤكد مصدر آخر أن الميدل إيست تدفع بدلات مالية لكافة العاملين في المطار، ومن بينهم الأجهزة الأمنية، لكن بشكل متفاوت بين الفئات والمصالح، يقول “إن المصالح الفنية تهدد بالإضراب للضغط على الميدل إيست لزيادة مخصصاتهم. علماً أن الشركة غير ملزمة بالدفع لأي كان” ويصف تلويحهم بالإضراب بـ”عملية الإبتزاز”.
زيادات مالية قريباً
وبصرف النظر عما إذا كانت التحركات المطلبية للعاملين الفنيين في المطار مسألة تحصيل حقوق أم عملية ابتزاز لتحصيل بدلات مالية إضافية، إلا أن المعنيين بالوزارة والمطار يعملون على تلبية مطالبهم قريباً. ويؤكد مدير مطار بيروت فادي الحسن العمل على حل مطالب الموظفين الليليين، لضمان استمرار عمل المطار 24 ساعة.
من جهته، يجزم مصدر مقرب من وزير الأشغال علي حمية، نية الأخير تلبية مطالب الموظفين الليليين من خلال صرف زيادات مالية من صندوق المطار، الذي يخصّص 20 في المئة منه لتشغيل المطار وتأمين الخدمات، أي بمعزل عن موازنة الوزارة، وذلك بعد درس مطالبهم وتصورهم للزيادات، مع الأخذ بالاعتبار إرساء المساواة بين العاملين لجهة الزيادات، لاسيما بعد أن خسرت الساعة الليلية للعمل بالمطار نحو 60 ضعفاً من قيمتها مع انهيار الليرة. وتكشف مصادر الوزارة أن التوجه سيكون لزيادة البدلات بما يقارب قيمتها الفعلية قبل الأزمة.