خُفّضت الفوائد على الديون الداخلية فحققت الحكومة وفراً بنحو 2.3% في خدمة الدين إلا أنّ هذه الخطوة قد لا تنعكس على الناس نظراً لاستمرار المصارف بتطبيق التعاميم والقوانين على هواها، معتمدة الاستنسابية نهجاً لها كما يرى كثيرون.
في تعميمه الوسيط الذي حمل رقم 545، خفّض مصرف لبنان نسبة الفوائد المفروضة على القروض السكنية الممنوحة قبل تاريخ صدوره، وأمهل المصارف لغاية 31 آذار الجاري كحد أقصى لتعديلها ولتصبح بذلك سارية ابتداء من 01/04/2020. لكن ورغم إلزامية هذا القرار، يبدو أن عدداً من المصارف لن يلتزم بالتطبيق أو على الاقل سيحاول الالتفاف على القرار بطريقة ما.
يمكن الايفاء بالقروض طويلة الاجل لا سيما قروض الإسكان بطريقتين اثنتين لا ثالثة لهما: تتمثل الاولى بتسديد أصل الدين أي قيمته قبل تسديد الفوائد كما هي الحال بالنسبة الى قروض المؤسسة العامة للإسكان، أما القروض الباقية فتمزج الاصل بالفائدة، وهنا لم تتوضّح حتى الساعة الآلية التي ستعمل المصارف وفقها لتطبيق التعميم. الفوائد في لبنان متحرّكة، أي انها ليست ثابتة. وهنا يمكن تبرير، الى حدّ ما، التفاوت في زيادة نسب الفوائد على القروض السكنية بالنظر الى المؤشر الذي اعتُمد لدى توقيع العقد. فليس هناك من مؤشر موحّد لهذه السوق، وتختلف نسب الفوائد بحسب مؤشر مصرف لبنان، أو مؤشر سندات الخزينة أو الـBRR مؤشر فوائد بيروت.
لكن ما لا يمكن تبريره هو ان تعمد بعض المصارف بعد أول تعميم لمصرف لبنان حول خفض الفوائد ورغم الاوضاع المعيشية القاتمة وموجة الافلاسات التي طالت عدداً كبيراً من الشركات ومعها “تسونامي” تسريح الموظفين من عملهم، الى إبلاغ عملائهم بزيادة دفعاتهم الشهرية وذلك بمزاجية مطلقة ليعود بعض المصارف في وقت لاحق الى زيادة هذه الدفعة مرة ثانية قبل ابلاغ العملاء منذ أيام بقرار خفض الفوائد لتعود الدفعة الشهرية كما كانت عليه قبل الزيادة الاخيرة.
قانون غير مُعمّم
جورج، على سبيل المثال، موظف كان يعمل في مجال العلاقات العامة ولكن بسبب الاوضاع الاقتصادية الراهنة سُرّح من عمله. يروي ما حدث معه في اتصال مع “نداء الوطن” فيقول: “وصلتني رسالة نصية من المصرف الذي أتعامل معه منذ نحو شهرين لإبلاغي بزيادة الدفعة الشهرية لقرضي السكني بـ 100 ألف ليرة. فبادرت الى الاتصال للسؤال عن السبب لتبلغني الموظفة أنّ المصرف قرر هذه الزيادة وأنه بناء على ذلك تمت إعادة الجدولة من دون الحاجة الى توقيعي او الى اذن مني وللمصرف كامل الحرية باتخاذ قرار مماثل. فما كان مني الا أن أبلغتها بأنني أصبحت عاطلاً عن العمل وأنني ربما لن أتمكن من تسديد دفعاتي خلال هذه الفترة. الا أنه ومنذ أيام عاودت الموظفة الاتصال بي لإبلاغي بأن الزيادة التي قُررت ستُحسم بدءاً من 01/04/2020”.
ويضيف جورج “ليست هذه سوى عملية نصب لئلا تقوم المصارف بخفض الفوائد عملاً بتعميم مصرف لبنان. وهنا لا بدّ من الاشارة الى أني حصلت على القرض العام 2016 وذلك يعني أنه يحق لي الاستفادة من التعميم. لكن المسألة لم تنته عند هذا الحد حيث عاودت الموظفة ذاتها الاتصال بي منذ يومين لإبلاغي بضرورة تسديد سندين فأجبتها بأن قانون الموازنة يجيز فترة سماح للمتعثرين لمدة 6 أشهر لتكتفي بالاجابة بأن المصارف لم تبلّغ بهذا القرار علماً أنه نشر في الجريدة الرسمية وبالتالي أصبح نافذاً”.
بدوره يوضح رفيق أن “لديه قرضاً سكنياً من أحد أكبر المصارف وهو مختلف عن القروض التي تقدمها المؤسسة العامة للاسكان، فهذا القرض مدعوم من مصرف لبنان وهو بصفر بالمئة فائدة وقد اقتضت تركيبة هذا القرض بتسديد رأس مال القرض في فترة 15 سنة ومن ثم تقسيط الفوائد. منذ نحو عام اتصلوا بي من المصرف لإبلاغي بزيادة دفعتي الشهرية بقيمة 77 ألف ليرة أي أن الزيادة وعلى فترة 26 سنة تكون بنحو 24 مليون ليرة علماً أن الفترة الاولى من القرض ما كان يجب أن تلحظ أي زيادة على الفوائد. لكن الاخطر هو عدم احترام المصارف لقانون الموازنة لناحية عدم احترامها البند المتعلق بفترة السماح لـ 6 أشهر نتيجة الاوضاع المستجدّة، وذلك على الرغم من أن هذا الموضوع قد تُرك للمصرف وعملائه لايجاد حلّ يراعي الاوضاع الاقتصادية لكل شخص على حدة. لكن ما حصل في الواقع يتمثل بتفسير التعاميم والقوانين من قبل المصارف التجارية على هواها من دون حسيب ولا رقيب ولا من يحاسبها”.
التعميم يوفّر 7 مليارات ليرة
عن الموضوع يرى مدير عام المؤسسة العامة للاسكان روني لحود في حديث مع “نداء الوطن” أن تعميم مصرف لبنان إيجابيّ وهو يشمل كل القروض القديمة وسيستفيد منها الذين يقومون بإيفاء الفوائد المترتّبة على قروضهم للمصارف. ذلك يعني أنه وفي ما خصّ القروض المدعومة التي تمنحها المؤسسة العامة للإسكان فإنّ قيمة السند الشهري قد لا تتقلص الا للأشخاص الذين يسددون فوائد قروضهم. أما الذين ما زالوا في مرحلة تسديد أصل الدين فلن تلحظ دفعاتهم أي تخفيض ولن تتغير قيمة مستحقاتهم الشهرية، بما أنهم ما زالوا في المرحلة الاولى من تسديد قيمة القرض والتي يتم بموجبها تسديد رأس المال الاساسي. الا أن بوسعهم الاستفادة من تعميم البنك المركزي مع بدء المرحلة الثانية والتي بموجبها يتم تسديد قيمة الفوائد المترتبة عليهم”.
ويضيف لحود “سيؤدي تعميم مصرف لبنان حتماً الى خفض كلفة الفوائد التي تسددها المؤسسة العامة للاسكان الى المصارف شهرياً نيابة عن المقترضين بمعدل يتخطى الـ7 مليارات ليرة لبنانية شهرياً. وبالتالي ستنخفض المتوجبات المقدرة على المؤسسة من حوالى 21 ملياراً شهريا الى ما يقارب 14 مليار ليرة لبنانية”.
لا يملك “المستهلك” اللبناني الذي يرزح تحت وطأة واحدة من أكبر نسب مديونية الأسر في العالم، سوى “وعد الكمّون” أي الكمون الذي يوعَد بالسقي ولا يُسقى. وهكذا يبقى اللبناني وكالعادة “كبش المحرقة” الذي يتأثر بارتفاع الفوائد ولا يستفيد من هبوطها فقط بسبب استنسابية المؤسسات المالية العاملة في السوق المحلية وشراهتها.