غياب أسس المحاسبة السليمة، تلف للمعلومات المالية، تعريض موجودات النقابة للسرقة والضياع، حسابات مالية غير محددة المصدر وغيرها من أشكال الخلل الجسيمة تحكم الواقع المالي في نقابة الأطباء في بيروت. هذا ما خلُص اليه تقرير أعدّه مستشار وزير الصحة جميل جبق موصيا بإعادة هيكلة قسم المحاسبة. هذه الوقائع تنسجم وما كان يقوله «أطباء الحراك» لجهة الفساد والهدر المالي اللذين يفتكان بالنقابة
يجب إعادة دراسة كامل ملفات الأطباء منذ تأسيس النقابة للتحقّق من أرصدة الذمم لأن هذه العملية لم تتم سابقاً (…)». هذه التوصية التي وردت في تقرير محمد كلش، المستشار المالي لوزير الصحّة جميل جبق، حول الوضع المالي لنقابة الأطباء في بيروت، تختصر حجم الفوضى المالية التي تعصف بها. التقرير الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، خلُص إلى غياب أسس المحاسبة السليمة، وعجز النقابة عن إصدار بيانات مالية صحيحة. وأشار إلى عملية «تلف» للمعلومات في برامج المحاسبة تستدعي التحقيق «لأنّ إخفاء أو إتلاف هذه المعلومات وعدم وجود نسخ إضافية تحفظها في أكثر من مكان خطأ جسيم».
وكشف التقرير وجود خلل جوهري في حسابات الأطباء في السنوات السابقة. إذ وصل رصيد ذمم الأطباء المُستحقّة عليهم عام 2017 إلى أكثر من 7 مليارات ليرة، فيما تبيّن وجود ذمم ديون مشكوك بتحصيلها تقدّر بنحو 4 مليارات ليرة. ولفت الى أن المشاكل في حسابات الأطباء والذمم التي ظهرت من ضمن حسابات عام 2015 حتى عام 2018، قد تكون ناتجة عن هذه السنوات وعما قبل 2015 من دون أن يجري العمل لتصحيحها وتسويتها، مشيرا الى ضرورة درس هذا الملف «لأهميته المادية والمعنوية منذ عام 2015 وما قبله، واعادة تكوين الحسابات من 1/1/2015 حتى تاريخه».
وكان جبق أوعز، في نيسان الماضي، بفتح تحقيق مالي للتثبّت من اتهامات بالفساد والهدر توجّه الى النقابة، وكلّف كلش «إبداء الرأي الأولي» في الوضع المالي للنقابة بين 2015 و2018».
التقرير لفت إلى أن أسعار برامج التدقيق المالي المعتمدة في النقابة غير منطقية نسبة الى حاجات النقابة، فيما تفيد معلومات «الأخبار» أن كلفتها تلامس 750 الف دولار. وأظهر التقرير ان النقابة لا تقوم بجردة فعلية للأصول الثابتة وغير المادية «ما يُعبّر عن خلل واضح وجوهري في البيانات المالية ويُعرّض موجودات النقابة للسرقة أو الضياع». وبعد الإطّلاع على عينات من المدفوعات، اتّضح ان هناك مدفوعات كثيرة «من دون قرارات» من المجلس، «كما أنّ المشتريات لا تتم وفقا للآلية المطلوبة من حيث استدراج عروض أو طلبات شراء وغيره». وبيّن التقرير أنه لا يوجد توصيف وظيفي يحدد آلية العمل ومهام كل موظف، موصيًا بضرورة العمل على إعادة هيكلة قسم المحاسبة وضرورة توظيف مدير مالي مسؤول عنه.
تضارب مصالح
وبما يتنافى مع مبدأ الشفافية ويُشكّل تضارباً في المصالح، تبيّن لمعدّ التقرير «أنّ السيد د.ح الموظف لدى شركة ابو سليمان التي تقوم بعمليات التدقيق الداخلي للنقابة، هو نفسه الذي قام بعمليات التدقيق والمحاسبة مع شركة BDO المسؤولة عن عمليات التدقيق الخارجي». وينسجم ذلك وواقع الفوضى الذي حكم الحسابات المالية منذ سنوات. فقد اتّضح، مثلاً، أنه لا يوجد يوميات للعامين 2014 و2015، وبالتالي لا توجد قيود «ما يعني انه يجب إعادة تكوين الحسابات للعام 2015 لإصدار ميزان المراجعة وبيانات مالية جديدة».
والأهم، أن الميزانيات العمومية في نهاية كل عام يجب أن تتطابق مع إفتتاحية العام الذي يليه، وهو أمر لم يحصل في الأعوام الأربعة الماضية! إذ أظهرت الأرقام وجود فروقات مالية كبيرة بين الميزانيات الختامية للعام السابق والافتتاحيات للعام المقبل «وبالأخص بحسابات الذمم، وهذا خلل جوهري جسيم”.
وبمقارنة الحسابات الختامية للعام 2017 مع الحسابات الافتتاحية لعام 2018، تبيّن وجود فروقات هامة تجاوزت 100 مليار ليرة! فضلا عن وجود حسابات إعانات غير مدفوعة وحسابات أخرى وحساب مؤونات بقيمة نحو 4 مليارات و220 مليون ليرة غير واضحة! كما تبيّن وجود حسابات أرصدة أطباء سلبية «وهو خلل جوهري»، وفق ما يرد في التقرير، مشيرا الى اكتشاف وجود ارصدة سابقة منذ سنة 2015 بقيمة 78 مليونا و690 ألف ليرة غير محدد مصدرها! فضلا عن وجود حسابات ديون مشكوك في تحصيلها تبلغ قيمتها 42 مليار و208 ملايين ليرة، وحسابات غير صحيحة في حسابات التقاعد والورثة والأرامل بقيمة 269 مليونا و237 الف ليرة. وكشف التقرير أيضاً وجود رصيد بقيمة 191 مليوناً و85 الف ليرة عن سنوات 2016 و2017 تم سحبه من البنك ولم يتم تسجيله في البيانات المالية للنقابة.
التقرير لفت الى عدم وجود جردة سليمة للمخزون من قرطاسية ومطبوعات وطوابع وغيرها، «كما ان عمليات الجرد لا تتم بشكل دوري او سنوي وهذا ما يجب البدء فيه». واللافت أنه وجدت سنة 2015 جردة للوصفة الطبية بمبلغ مليار و595 مليون ليرة لم يعرف اذا كانت صحيحة ام لا،
اذ أنها لم تظهر في ارقام السنوات اللاحقة!
إلى ذلك، فإن الجمعيات العلمية الطبية، البالغ عددها 50 جمعية، «لم تظهر حساباتها في كامل السنوات السابقة حتى العام 2016». وبالتالي، يجب مراجعة كافة الحسابات منذ تأسيس هذه الجمعيات أو سبع سنوات على الأقل. كما يجب النظر الى ايرادات الجمعيات المفترض تحويلها الى النقابة، «علما ان اكثرية الجمعيات لم تقدم مستنداتها وحساباتها غير مرفق معظمها بمستندات ثبوتية».
أمام هذا الواقع، يأمل عدد من الأطباء المعترضين منذ أشهر على الواقع المالي للنقابة أن يُعدّ هذا التقرير بمثابة إخبار للنيابة العامة المالية التي سبق أن تقدّم عدد منهم أمامها بدعاوى هدر وفساد ولم تُفضِ إلى أي نتيجة.
انتخابات النقابة في التاسع من حزيران
من المُقرر أن تجرى انتخابات نقابة الأطباء في بيروت التي تضم نحو 13 ألف منتسب في التاسع من حزيران المُقبل، لانتخاب نقيب جديد. حتى الآن، بلغ عدد الاطباء الذين سددوا اشتراكاتهم السنوية ويحق لهم المشاركة في العملية الانتخابية نحو 9 آلاف. ووصل عدد المرشحين الى 22، من بينهم مرشّح تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الله الدكتور شرف ابو شرف ومرشّح تيار المستقبل الدكتور جورج افتيموس والدكتور جورج الهبر المدعوم من «حراك الأطباء»، فيما لم تحسم حركة أمل وبقية الاحزاب دعمها لأي مرشح بعد.