لم تعد العتمة الشاملة غريبة عن اللبنانيين، لكنّ الجديد هذه المرّة طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إجراء تحقيق في موضوع الانقطاع الكليّ للتيار الكهربائي، ما بدا أنّه تحميل للمسؤولية لرئيس مجلس الإدارة المدير العام للمؤسسة كمال حايك. إلا أنّ وزير الطاقة وليد فياض يرفض الاتهام رفضاً قاطعاً رغم الأجواء التي أُشيعت بأنّ ذلك تمّ برضى منه.
فاجأني ما حصل، يقول فياض في مقابلة مع موقع mtv، مضيفاً: “لم أكن أنتظر هذا الظلم المتمثّل في الإجراء الذي اتخذه ميقاتي، ولا يحقّ له رمي التهم على جهة واحدة. وقلت له خلال لقاء جمعنا أمس “ما قدرت نام الليل”، فضميري لا يسمح لي بذلك أبداً إذ يجب أن نرى سياق الأمور كي نحكم وإلا يكون الحكم غير عادل”، متسائلاً: “لماذا لم يُحقّقوا في العتمة الشاملة التي شهدتها البلاد في السابق؟”.
ويشرح فياض السياق الذي أوصلنا إلى الـblackout، قائلاً: “السبب وراء الأزمة والعتمة التي نعيشها هو غياب التعدّد في مصادر الطاقة، وهو وأحد الأسباب وراء دخولي إلى هذه الحكومة. ففي الـ2021 كان الحديث عن أنّنا نريد تأمين الكهرباء بكلفة أرخص للبنان ما يؤمّن الاستقرار الاقتصادي، وبعد ذلك في الـ2022 عندما اقترحت إيران هبة بـ600 ألف طنّ من الفيول ووافقتُ عليها ورفعتها إلى رئيس الحكومة لكنّها لم ترَ النور”. وفي لوم واضح للحكومة ورئيسها يسأل فياض، “لماذا؟ ألم تكن تؤمّن تعدّد المصادر وتُساعدنا في حلّ جزء من المشكلة؟ ولماذا نحمل الإداريين الذين يقومون بعملهم مسؤولية أكبر منهم بكثير؟”.
هذا السبب الأهمّ، أمّا السبب الثاني الذي يتحدّث عنه فهو “الحصار الخارجي المفروض علينا” وهو ما يتجلّى في توقف الغاز المصري والكهرباء من الأردن جراء قانون قيصر. وللتصدي لهذا الواقع، يقول فياض، “قمنا بإعادة النظر في تعرفة الكهرباء وزدناها بشكل هائل كي نتمكّن من تغطية كلفتها وكي نتمكّن عبر الجباية من جمع الأموال لزيادة التغذية. ولتحقيق ذلك، أوّل ما فعلناه بعد تأمين مبلغ يصل إلى ما بين 50 مليون و100 مليون دولار هو أنّنا عرضنا شراء “سبوت كارغو” والذي تبلغ كلفته بين 20 و25 مليون دولار من أجل تأمين التعدّد في مصادر الطاقة وأجرينا مناقصة في هيئة الشراء العام في حزيران 2024 أي قبل نحو 3 أشهر من دخولنا في العتمة الشاملة وقمنا بترسية موقتة لهذه المناقصة وأرسلنا ذلك إلى كهرباء لبنان التي بدورها أجرت اجتماعات لمتابعة الموضوع ولكنّ القرار كان بحاجة إلى موافقة من قبل الحكومة”، وهو ما لم يأتِ حينها، وبالتالي “أُوقِفت هذه المناقصة جراء المزايدات في السياسة، وفي جلسة شهيرة للحكومة في تموز تمّ التداول بأنّ هذه الصفقة مشبوهة، مع العلم أنّه لا يشوبها أي شائبة، وأنّ العراقيين مستاؤون منها، وهذا أيضاً غير صحيح بدليل أنّنا اليوم قمنا بتلزيمها إلى الشركة الفائزة بالمناقصة وهذا يبرهن أنه لم تكن هناك مشكلة”.
ويُتابع: “من زرع التخوّف في النفوس ومنع التلزيم النهائي لـ”سبوت كارغو” هو تسريب أخبار في الإعلام عن أنّ العراقيين قلقون ولا يريدون الاستمرار في منحنا الفيول العراقي لأنّنا نقوم باستخدام الأموال لشراء الفيول بدل تسديد المستحقّات، ونحن حينها قمنا بالتوضيح أنّ ذلك يحصل بالتنسيق مع العراقيين وأنّنا تواصلنا معهم وألا مشكلة لديهم وأنّهم يقفون إلى جانب لبنان ويريدون أن تكون لدينا مصادر أخرى للكهرباء حتى لا نقع في ما وقعنا به اليوم من عتمة شاملة. يُضاف إلى ذلك ارتباط التأخير في الفيول العراقي بتوقّف مصرف لبنان عن تحويل الأموال التي يتوجّب على الدولة اللبنانية دفعها بانتظار تشريع من مجلس النواب”.
إذاً، هذا هو المسار الذي أدّى إلى العتمة التي دخل بها البلد والمسؤولية لا تقع، وفق ما أوضح فياض، على جهة واحدة كما الحال اليوم. في هذا السياق، يُشدّد الأخير على أنّه غير موافق بتاتاً على هذا الإجراء ولا يمكن أن نتفاجأ بأنّ لا فيول لدينا في ظلّ وجود كلّ هذه المعوّقات إن كانت خارجية أو داخلية أو سياسية. ويقول: “أنا ضدّ الظلم ويجب نصرة الأوادم بدل توقيفهم، ولا أدافع عن كمال حايك فقط إنّما أدافع عن كلّ الأوادم ويجب العمل على إلغاء البيروقراطية عوضاً عن التصويب على الأشخاص الذين يعملون. ولذلك يجب عدم تحميل الإدارة في كهرباء لبنان كلّ المسؤولية ومن غير المفروض أن يُعاقَبوا بل يجب شكرهم على العمل الذي يقومون به في ظلّ الوضع المزري وعدم تقاضيهم رواتبهم كما يجب”.
إلى أين نتّجه في موضوع الكهرباء؟
“هذا الأسبوع سيتمّ تأمين 200 ميغاواط وفي بداية الأسبوع المقبل تكون “سبوت كارغو” قد وصلت ونعمل على آلية لتسريع فحصها كي نتمكّن من رفع التغذية إلى 600 ميغاواط وهذا يؤمّن نحو 6 ساعات كهرباء في بيروت وحوالى 4 ساعات في مناطق أخرى بانتظار وصول الفيول العراقي في أوائل أيلول”، يُجيب فياض. هنا لا بدّ من السؤال عن مبادرة الجزائر بعد قرارها تزويد لبنان بكميات من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء وإعادة التيار. في هذا السياق، يقول فياض إنّها ستكون عبارة عن هبة من دون مقابل.