يكثر في الآونة الأخيرة، تناول موضوع سكك الحديد في لبنان، من باب الاستهزاء حينا والانتقاد أحيانا، فيما يغيب وسط هذه المعمعة البحث الجدّي في تفعيل سكك الحديد، لأسباب لا تتعلّق بالنقل المشترك فقط، إنّما بدور لبنان الاستراتيجي في المنطقة، وبدوره كصلة وصل وما يمكن أن يعنيه ذلك على الصعيد الاقتصادي والمالي وعائدات الدولة.
ما غاب عن الأذهان اللبنانية، حضر بقوّة لدى العدو الاسرائيلي الذي يسعى للاستفادة من موقعه الجغرافي ومن علاقاته المستجدة مع الدول العربية، للاستفادة اقتصاديا والتحوّل الى بلد ترانزيت مع كلّ ما يدرّه هذا الأمر من أموال في خزينة العدو، في حين أن الدولة اللبنانية تنام منذ عقود على حرير!
فالعدو الاسرائيلي يسعى لتطوير سكك الحديد وربط مرفأ حيفا بالعالم العربي وتحديدا مع الأردن والسعودية والامارات، فيصبح بالتالي بوابة الى الخليج العربي.
مسار “سكك حديد السلام”، كما يسميه وزير المواصلات والاستخبارات الاسرائيلي يسرائيل كاتس، يمرّ من سكّة حديد الحجاز التاريخية بين حيفا وبيسان وصولا الى معبر الشيخ حسين على نهر الاردن حيث يرتبط بسكة حديد الأردن ومنها الى شبكة القطارات السعودية والاماراتية.
من المتوقع أن يبلغ حجم التبادل التجاري من المشروع نحو ٢٥٠ مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، على أن تشمل المرحلة الثانية منه نقل المسافرين أيضا!
فماذا تنتظر الحكومة اللبنانية إذا؟ ولماذا لم تضع مشاريع جدّية في هذا الإطار لارساء سكة الحديد من بيروت إلى طرابلس وعكار والبقاع وربط المرافئ البحرية والجوية باحواض جافة في الشمال والبقاع؟
لماذا تغيب الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية وتحضر المشاريع الوقتية ويتمّ الاستدانة لتنفيذ مشاريع معظمها غير منتجة ولا استراتيجية!؟
شعبويا، قد تكون الاقتراحات بالغاء مصلحة سكك الحديد أو استبدال الإسم وآخرها الاقتراح المقدم من النائب بولا يعقوبيان، مربحة. عمليا واستراتيجيا، يعتبر الأمر مزيدا من التخلّي عن الرؤية الاستراتيجية للبنان وموقعه الاستراتيجي في المنطقة.
الدولة اللبنانية مطالبة بالاسراع في تصحيح خطأ استمرّ عقودا، وبالبدء بتنفيذ رؤية اقتصادية استراتيجية ترفع لبنان من القعر قبل فوات الأوان.