انقضى شهر أيلول ولم تصل شحنة الفيول الأخيرة التي ينص عليها اتفاق التوريد مع العراق، والموقّع في تموز 2021. وتضاربت مواعيد وصول الشحنة، وتبدّلت أقوال وزير الطاقة وليد فيّاض حيالها. فبعد أن كان الموعد المنتظر منتصف أيلول الماضي، ثم نهايته، بات الموعد في الأسبوع الأول من تشرين الثاني المقبل. لكن وراء التأجيل والتخبّط، ما هو غير مُعلَن. ووحدها العتمة مُعلَنة وواضحة.
قطبة مخفية
تتعدّد مصار الفيول التي تحتسبها وزارة الطاقة، لكنّ المؤكّد منها هو الفيول العراقي. وبعد تأخُّر الشحنة الأخيرة البالغة نحو 190 ألف طن، والمسلّمة للشركة التي ستبدّله بفيول لمعامل الكهرباء، قيل أنها تحتوي على نسبة عالية من مادة الكلوريد “تتجاوز تلك المقبولة للاستخدام على نحو جعل الشركة تطالب بخفض قيمة النفط، وهو ما لم يقبله العراق”. وأوضح فيّاض في 19 أيلول، أن العراق أكّد “شفهياً” استعداده لاسترداد النفط إذا ثبت احتواؤه على نسب مرتفعة من الكلوريد. وقال فيّاض أنه ينتظر الموافقة “الخطية”. وبذلك “يفترض ألّا يتأخر وصول الشحنة أكثر من أيام معدودة”.
الأيام المعدودة، غَدَت نحو شهر ونصف الشهر، وفق ما هو مُعلَن حتى الآن. كما لم يحدّد فيّاض موعداً واضحاً ولم يجزم وصول الموافقة الخطية العراقية. وهذا ما يزيد الغموض والقلق الذي يفسّره المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، بأنه محاولة لإخفاء سبب حقيقي آخر لتأخير وصول الشحنة.
وحسب ما يقوله لـ”المدن”، هناك مشاكل أخرى خفيّة “لا يجرؤء أحد في وزارة الطاقة على قولها، وعلى الأرجح، الوزير نفسه لا يعلمها”. ويستبعد بيضون أن يكون السبب هو مواصفات النفط العراقي لأن “ليس هناك ما يبرّر إعطاء العراق شحنة نفط غير مطابقة للمواصفات حتى تؤدي إلى خلل في القيمة”. أما إذا كانت المعضلة تتعلّق بمواصفات الفيول الآتي إلى المعامل، فإن وزارة الطاقة لا تكترث لهذا الأمر، فهي استعملت مؤخراً فيولاً غير مطابق في معمل الزوق. وعليه “النفط العراقي هو نفسه من الشحنة الأولى المتفق عليها في العقد، والشحنة الأخيرة هي نفسها، لكن ظَهَرَ متغيّر ما، لا علاقة له بالمواصفات”.
أيام وأسابيع
لا يقدّم فيّاض إجابات شافية، بل مزيداً من الغموض وإحالة القضية إلى الزمن. فيما النتيجة استمرار العتمة وتأجيل وصول شحنة النفط العراقي. وما يزيد القضية تعقيداً، هو الخوف من عرقلة مسار العقد الجديد مع العراق، إذ اختفت أخباره ولم تُجرِ وزارة الطاقة أو المديرية العامة لمنشآت النفط مناقصات لتحديد الشركة التي ستستبدل النفط العراقي بالفيول. علماً أنه بموجب قانون الشراء العام، فإن المناقصات يفترض أن تجري تحت مظلة هيئة الشراء العام، التي يرأسها رئيس دائرة المناقصات في التفتيش المركزي جان علية.
وبالتوازي مع غموض مسار النفط العراقي، بردت حرارة الحديث عن الفيول الإيراني. وكان فيّاض قد أشار منذ نحو أسبوع إلى أن “مهمة الوفد اللبناني إلى إيران كانت إيجابية، والفيول المطلوب سيصل إلى لبنان خلال أيام وأسابيع وليس أشهراً”. لكن الأيام انقضت والأسابيع تعني نحو شهر على أقل تقدير. وكلّها “مهل غريبة وغامضة وفضفاضة”، برأي بيضون.
ويدخل الفيول الإيراني على خط المهل الغريبة، وأجمَعَ فيّاض ومسؤولون إيرانيون على أن وصول الفيول الإيراني يستغرق وقتاً قصيراً. وأعلنت السفارة الإيرانية في بيروت أن السفن المحملة بالفيول “ستكون جاهزة خلال أسبوع أو أسبوعين للإبحار”. وفي هذا السياق، يشكّك بيضون بما بحثه الوفد اللبناني مع الجانب الإيراني، ويعتقد أن “الفريق اللبناني قدّم معطيات تعرقل عملية استجرار الفيول، ومنها النوعية المطلوبة للمعامل”. كما أن الجهات الرسمية اللبنانية، وفي مقدّمها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “محرجة من قبول الهبة الإيرانية. وهناك عدم حماسة لهذا الموضوع”. ولذلك، إن “مستوى تمثيل الوفد الذي ذهب إلى إيران، والصلاحيات المعطاة له، لن تحكي لحلّ أزمة من هذا النوع”.
لا يريد المواطن اللبناني الدخول في متاهات السياسة وبروتوكولات الاتفاقات والتصريحات الرسمية، بل يريد الكهرباء. لكنه بدل الحصول عليها، يجد أوهاماً يطلقها وزير الطاقة “للإيحاء بأنه قادر على الفعل، لكن كل الأمور تتأجّل”. والفيول العراقي تأخّر والفيول الإيراني مساره غامض. على أنّ الظلمة الأكبر، تلفُّ الكهرباء الأردنية والغاز المصري، فهل حلحلة ترسيم الحدود البحرية تحرّك تدفّق الكهرباء والغاز؟ أيضاً الإجابة مبهمة.