فيول ممزوج بالماء: قضية غشّ يسهل لملمتها!

ارتبطت عبارة “الفيول المغشوش” في أذهان اللبنانيين بقطاع الكهرباء. إذ جيء بالفيول المغشوش مراراً إلى معامل الإنتاج التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، بالإضافة إلى بواخر الطاقة التركية، وبقيت العتمة شبه شاملة. ومع الأزمة الاقتصادية التي برزت في تشرين الأول 2019، ارتفعت مستويات الغشّ كمّاً ونوعاً في ظل السوق السوداء، التي انتعشت وسط دعم الدولة استيراد المحروقات.

ويبدو أن الغشّ لم يتوقَّف مع رفع الدعم، بل امتدَّ ليشمل الفيول الذي يستخدمه القطاع الصناعي. وإحدى فصول الغشّ، مزجُ الماء بالفيول لزيادة الكميات المباعة، وهو ما كشفه النائب ميشال ضاهر، أحد أركان القطاع الصناعي بوصفه صاحب شركة “ضاهر فودز” التي تصنع “ماستر شيبس”. لكن عَرضَ قضية ما، يختلف عن سياق حلِّها بالطرق الصحيحة، خصوصاً في ظل التراخي المعتمد في الدولة لحلّ مثل هذه القضايا التي غالباً ما تنتهي بالنسيان.

فتح تحقيق وتشكيك
وصول شحنة فيول ممزوج بالماء لم يمرّ مرور الكِرام بالنسبة للنائب ضاهر. فبعد نحو يومين من كشفه للقضية عبر تغريدة في موقع إكس (تويتر)، لا تزال التحقيقات جارية بإشراف وزارة الطاقة للتأكّد من تفاصيل ما ذكره ضاهر، الذي تساءَلَ “هل وصل الغشّ بشركات النفط إلى حدّ خلط الماء مع الفيول؟”، مؤكّداً أن هذه الطريقة قد تسبِّب الانفجار وتوقُّف الإنتاج في المصانع.

لا تقف القضية عند شحنة معيَّنة قد تسرَّبَ الماء إليها بطريقة أو بأخرى. فهذا الأمر يدعو للشكّ في ما إذا كانت شحنات مماثلة وصلت إلى شركات أخرى، وتسبَّبَت بأضرار لمَ يُكشَف عنها إعلامياً. لكن في جميع الأحوال، فإن إعلان ضاهر عمّا حصل معه، استدعى وقوف وزارة الطاقة عند القضية، سيّما وأن ضاهر تواصلَ مع وزير الطاقة وليد فيّاض “ووعدني بفتح تحقيق واسع ومعاقبة المسؤولين، خصوصاً وأن وزارة الطاقة تقوم بفحص البواخر عند الاستيراد”.

التحقيق فُتِحَ في الوزارة، وفق ما يؤكّده فيّاض في حديث لـ”المدن”. لكنّ الوصول إلى قرار نهائي قد لا يكون بسرعة فتح التحقيق، إذ يشير فيّاض إلى “ضرورة تواصل الوزارة مع الأطراف المعنية بالملفّ، أي ضاهر وشركة Uniterminals التي اشترى منها الفيول، بالإضافة إلى الشركات التجارية الأخرى التي اشترت الفيول من الشركة عينها، لمعرفة ما إذا كان هناك شحنات فيول ممزوجة بالماء”. ويلفت النظر إلى أن “لا شكاوى في هذا الشأن وردت إلى الوزارة من زبائن آخرين، عدا شكوى ضاهر”.

وبانتظار نتائج التحقيق، يستغرب فيّاض وجود الماء في شحنة الفيول “واستخدامها من قِبَل موظّفي شركة ضاهر قبل التأكّد مسبقاً من مواصفاتها، خصوصاً وأنه في مثل هذه الشركات الصناعية الكبرى، يفترض وجود سلسلة من الموظفين المناط بهم التأكّد من الجودة”. وفي السياق نفسه، تطرح مصادر في وزارة الطاقة، علامات استفهام حول هذه القضية. وتنطلق المصادر في حديث لـ”المدن” من أن “الشركة المورِّدة للفيول يستحيل أن تلجأ إلى هذا الفعل وتغامر بخسارة سمعتها في حين أنها تربح مئات ملايين الدولارات سنوياً”. ولا تستبعد المصادر أن تكون هذه المسألة “جزءاً من محاولة لإشغال الرأي العام بقضية غير دقيقة، سيّما وأن طرح القضية على مواقع التواصل الاجتماعي جاء سريعاً قبل إجراء التحقيقات والوصول إلى نتيجة واضحة”.

أبعد من حَدَثٍ آنيّ
استباق تحقيقات وزارة الطاقة يصحّ في هذه القضية بسبب حزمة المؤشرات المتوفرة حول الفساد في صفقات الفيول والمازوت، وفوضى استلامها من دون التحقّق الجدّي من نوعيتها، والتقصير في متابعة كمياتها في مختلف المؤسسات العامة، التي تشكل اعتمادات المحروقات نسبة عالية من مجموع موازناتها، والتي يؤدّي نفادها إلى وقف سير المرافق ذات العلاقة، مثل إنتاج الكهرباء أو تأمين الاتصالات وضخ المياه.. وغيرها. ولا تنتهي هذه المآخذ عند ما أعلنه النائب ضاهر، بل تتعداه. ووفق تعليق المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، فإن “الغش الشائع في الفيول، والذي لم نعرف بعد نتائج التحقيقات القضائية حوله، يصيب غيره من المحروقات في المؤسسات العامة والخاصة ولدى الأفراد”.

وفي حديث لـ”المدن”، يلفت بيضون النظر إلى أن “مهندسي مديرية الإنتاج في مؤسسة كهرباء لبنان كانوا يتابعون باهتمام شديد عملية فحص الفيول في المختبرات، وذلك بسبب مسؤوليتهم عن كمية الطاقة المنتَجة من الكمية التي يتم استلامها. فالمديرية كانت معنية بإعداد تقرير شهري حول كفاءة الإنتاج، وكانت تُسأَل عن تفسير أسباب التراجع في هذه الكفاءة. أما اليوم فالفوضى السائدة في شراء واستلام ودخول وخروج كمية المحروقات، ما يتيح المجال واسعاً للغش والسرقة والإضرار بالمال، العام فضلاً عن الإضرار بمجموعات وتجهيزات الإنتاج”.

ولأن الواقع يساعد على الغشّ، قد تصحّ قصة تعرّض ضاهر للخداع. لكن تحكُّم القوى السياسية بملف النفط وحصة كل شركة منه، أمرٌ يصعِّب الاقتصاص من المتورّطين، بل يساهم في لملمة القضايا. وقد يكون العكس، أي أن القصة مختَلَقة لأغراض الحصول على أسعار أو علاقة تعاقدية مختلفة بين أصحاب المصالح. لكن في جميع الأحوال، قضية بهذا الحجم لا يجب أن تُقفَل لأن الغشّ قد يصيب مؤسسات لا تملك الغطاء السياسي والحصانة التي تخوِّلها رفع الصوت وكتمه بسهولة، بلا حسيب أو رقيب. وعليه، قد لا يُستَغرَب في الأيام المقبلة ضياع قضية غشّ الفيول بالمياه، كما ضاعت قبلها العديد من القضايا. والأصعب، هو أن يتخلّى صاحب الحق عن المطالبة بحقّه، انسجاماً مع تسوية ما قد تُطبَخ.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةروبوتات وتقنيات روسية جديدة في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي /فيديو/
المقالة القادمةمصرف لبنان يخفي ميزانيّته: ماذا تخبّئ الأرقام؟