أقدم أحد المستأجرين في وحدة غير سكنية والذي يسدّد بدل الإيجار بقيمة مليون ليرة سنوياً للمالك (11 دولاراً)، بتأجير المحل التجاري الى شخص آخر وفق عقد إيجار جديد بقيمة نحو 10 آلاف دولار سنوياً. لكن المضحك في تلك القصة أن المستأجر الذي يؤجر ملكاً ليس له والذي يصبح مكلفاً بتسديد ضريبة أملاك مبنية لأنه يستفيد من المأجور، تقاعس عن تسديد الضريبة ما يهدّد المالك بوضع إشارة من قبل الدولة على عقاره باعتبار أنه كفيل عيني ويتقاضى قيمة الإيجار. تعتبر تلك الواقعة من بين حالات كثيرة يعاني منها «ملاك» المحال التجارية والتي تدخل ضمن خانة غير السكني، نتيجة القوانين التي باتت قديمة وتآكلتها عدم قدرة الدولة على ايجاد حلول شافية، فبات المستأجر غنياً ويحقّق الأرباح والمالك فقيراً وغير مستفيد من ملكه.
وفي ظلّ اللاعدالة المعمول بها في القوانين القديمة وفق المالكين وانشغال البلاد في الأزمة المالية والإقتصادية يتمّ التلكّؤ في إجراء التعديلات القانونية.
وكان أعطى قانون الإيجارات غير السكني، الذي اقره مجلس النواب في 15 كانون الأول 2023 والذي أجّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نشره وسحبه وردّه الى مجلس النواب في 12 كانون الثاني الجاري لإعادة النظر فيه بموافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري ودعمه، مهلة 4 سنوات لتحرير الإيجارات القديمة. وبذلك باتت الكرة في ملعب بري لإدراجه على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب المرتقب أن تعقد جلساتها يومي الأربعاء والخميس المقبلين علماً ان الجلسات مخصصة للموازنة.
في التفاصيل
وفي تفاصيل قانون الإيجارات حدّد بدل المثل بنسبة 8% تتوزّع على فترة السنوات الأربع تلك. فإذا قدّر بدل المثل بقيمة 100 ألف دولار على سبيل المثال لمحل تجاري يسدّد المستأجر في السنة الأولى من الـ100 ألف دولار نسبة 25% وفي السنة الثانية نسبة 50% وفي السنة الثالثة والرابعة 100%.
ومع نسبة 8% من بدل المثل من القيمة الإجمالية للمبالغ التي يجب ان تدفع تدريجياً على فترة 4 سنوات، وإذا المالك قرّر التنازل عن حقه بالزيادة يبقى المستأجر عامين في المأجور واذا وافق على الزيادة يبقى المستأجر في المأجور لفترة 4 سنوات.
وهذا القانون راق الى الـ»ملاّك» ولم يحصل على استحسان جمعيات التجار الذين رفعوا الصوت معتبرين أن «القانون يجب أن يكون منصفاً للمستأجرين وغير ظالم للمالكين، وذلك لجهة مهلة التنفيذ والإخلاء التي يجب أن تُحدّد بـ10 سنوات بدلاً من 4 سنوات كما تمّ إقرارها، كما ولجهة قيمة الإيجار التي تمّ تحديدها بنسبة 8% من قيمة المأجور، في حين تطالب جمعية تجار بيروت كما سبق أن اعلن رئيسها نقولا شماس، ألا تتجاوز تلك النسبة الـ4%، أسوة بالإيجارات السكنية».
جو سلس؟
وبهدف التوصّل الى حلول ترضي الطرفين فتح حوار منذ أيام بين نقابة المالكين ولجان التجار في لبنان، وأعلن شماس أن الجو سلس ولكنه قائم على قواعد التجار الراسخة، معرباً عن خشية المؤسسات التجارية من ضياع حقها في التعويض والخلو. وستعقد جمعيات التجار اجتماعاً يوم غد الثلثاء لاتخاذ موقف موحّد وإبلاغه الى نقابة المالكين كي لا يتحوّل القانون الى مشروع تهجيري للتجار، كما يقول شماس، مطالباً مجلس النواب بتخفيض بدل المثل وإعطاء فترة زمنية اطول لتحرير العقود.
ردّ القانون
وبالعودة الى قانون الإيجارات الجديد الذي أقرّ في مجلس النواب فقد أثارت خطوة ميقاتي بسحبه من القوانين التي يجب أن تنشر تساؤلات حول حدود صلاحيات الوكالة التي يمنحها الدستور لرئيس الحكومة في ظلّ شغور موقع الرئاسة.
وقد تمّ الإعتراض على ردّ القانون من قبل 5 وزراء، أربعة اعترضوا بشدّة وهم وزير الاتصالات جوني القرم ووزير المهجرين عصام شرف الدين والاقتصاد والتجارة أمين سلام والصحة فراس الأبيض، واعتراض خجول من نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي.
التخمين بالليرة
ومتابعة لما سيؤول اليه القانون اليوم، اعتبر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين كاسترو عبد الله خلال حديثه الى «نداء الوطن»، أن التوجّه اليوم هو إعادة قانون الإيجارات الى مجلس النواب، لإعادة دراستة، وحكماً سيتحوّل الى لجنة الإدارة والعدل واللجان المشتركة. ويناشد عبد الله ألا يكون التخمين بالدولار بل بالعملة الوطنية، فالنسب المئوية بالكاد تكون 1% ويمكن تسديدها في وقتنا الراهن خصوصاً للوحدات غير السكنية لأن اسعار العقارات مرتفعة. مطالباً بإشراك الخبراء والهيئات المعنية ولجنة الدفاع عن المستأجرين في الحوار».
التمديدات الإستثنائية
من جهتها أوضحت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات المحامية أنديرا الزهيري لـ»نداء الوطن»،أن المطالب المعارضة للقانون تتمحور حول تخفيض قيمة بدل المثل من 8% الى نسبة 6% وتمديد فترة السنوات بدل أن تكون 4 سنوات تصبح 6 أو 7 سنوات. وهناك جهات امتعضت من موضوع الخلو، ولكن هذا الأمر غير منطقي استناداً الى الإجتهادات التي تقول إنه بمجرّد انتهاء مدة الإيجارة ينتهي مفعول الخلو لأن هناك مستأجراً دفع الى مستأجر آخر الذي حلّ محله. مع العلم أن فترة الإيجار منتهية منذ سنوات بفعل التمديدات الإستثنائية التي حصلت فهي ليست أساسية لاستمرارية العقد، مع الإشارة هنا الى أنه بطبيعة الحال انتهى الإيجار في حزيران العام 2022».
وحول التجار الذي اعترضوا نظراً الى الضائقة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، قالت الزهيري إن «التجّار الذين اعترضوا هم من أصحاب الرساميل الكبيرة، يملكون نصف الشركات التجارية والإستيراد والتصدير ولديهم أفران وباتيسري وعمارات كبيرة ومحلات ألبسة، مرتاحين على وضعهم». ولكن كم يبلغ عدد الإيجارات غير السكنية القديمة والجديدة ؟
إحصاءات وزارة المالية
تقول الزهيري أنه استناداً الى إحصاءات وزارة المالية لغاية بداية سنة 2019 يتبين أن «الوحدات غير السكنية القديمة في كل المحافظات في لبنان تبلغ نسبتها 22,92% من الاجمالي، اي ما يعادل 25901 وحدة والوحدات غير السكنية الجديدة تبلغ نسبتها 77,08% اي 87,098 وحدة أي بمجموع 112,999 وحدة غير سكنية». واصحاب المهن الحرة كالطبيب والمهندس والمحامي… فيشغلون لوحدهم 23366 وحدة إيجار قديم و 67686 وحدة إيجار جديد. في حين أن إيجارات الدولة والمؤسسات القديمة والإدارات التابعة لها فتستأجر 2535 وحدة قديمة (راجع الجدول: الفئة الزرقاء). وبذلك إستناداً الى الزهيري، فإن «نسبة الـ22% ليست كبيرة ولن تزيد»، مشيرة الى انه «من العام 2019 الى 2024 فان الإيجارات غير السكنية القديمة تراجعت والجديدة من المتوقّع أن ترتفع بسبب زيادة الطلب على الإيجار وعدم القدرة على التملّك، في ظلّ الأزمة الإقتصادية التي نعيشها ووقوع انفجار المرفأ وأحداث غزة».
وتحضّر الهيئة اللبنانية للعقارات ونقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة الى تقديم طعن بإقدام ميقاتي على ردّ قانون الإيجارات غير السكنية لتجاوزه حدّ السلطة والتعدّي على دور رئيس الجمهورية، باعتبار أن دور السلطة التنفيذية النشر في الجريدة الرسمية، ولا يمكن لمجلس الوزراء أن تكون صلاحيته أكبر من صلاحيات رئيس الجمهورية ورد القانون بعد التوقيع عليه من كل الوزراء. متسائلة هل يمكن ايقاف العمل بقانون من اجل تجار مستأجرين من اصحاب الرساميل يشكلون نسبة 22% فقط؟ فهناك مصارف تستأجر بأهم المناطق مثل طرابلس تسدد ايجاراً سنوياً بقية 300 دولار. عدا عن التجار الذين يستأجرون أفراناً ومراكز تجارية، هم من أصحاب الشركات الكبيرة، بأسعار زهيدة ويحققون الأرباح.
ما السلبيات؟
1- يفوّت عدم السير بالقانون الجديد إيرادات على الخزينة على صعيد الضرائب على الأملاك المبنية التي تحتسب حسب القيمة التأجيرية، فبدل أن يسدّد التاجر المستأجر ضريبة بقيمة 250 مليون ليرة على سبيل المثال يدفع 250 ألف ليرة.
2- تتمّ محاسبة المالكين لناحية الرسوم المترتبة عليهم للدولة مثل رسم الإنتقال وحصر الإرث والحصول على السندات في التسجيل النهائي للورثة حسب القيمة التأجيرية الجديدة للشقق السكنية والمحال التجارية، بالقيمة الفعلية الحالية، في وقت ان الإيجارات التي يتقاضونها لا تذكر.
3- تعسّف المستأجر باستعمال حقّه اذ يحقّق أرباحاً طائلة ومقابل تسديد إيجار سنوي لا يذكر كأن يكون 100 أو 200 دولار سنوياً على سبيل المثال.
كل ذلك يضاف اليه أن المجلس الدستوري اعتبر في الطعن المقدم أن تمديد الإيجارات غير دستوري ولا يمكن استفادة فئة على حساب أخرى.
فزّاعة السوري
إن تحرير الإيجارات غير السكنية من العقود القديمة سيؤدي الى زيادة العرض، وهنا تطرح إشكالية إقدام المالك على التأجير للذي يسدّد إيجاره بالدولار اليوم في ظلّ الضائقة الإقتصادية، الأمر الذي يدفع المالك الى ابرام عقود جديدة كما يحصل في بعض المناطق التي يتمّ فيها التأجير الى أشخاص من الجنسية السورية يبيعون منتجاتهم بأسعار منخفضة، ما يحقّق منافسة غير مشروعة للتاجر اللبناني. ويعود سبب تلك التجاوزات، كما أجابت أنديرا الزهيري، الى عدم ثقة المالك بالمستأجر اللبناني الذي يشارك المالك ملكه وبالقوانين! ويرى أن عملية إنهاء عقد إيجار مستأجر أجنبي هي أسهل من إنهاء عقد مستأجر لبناني خصوصاً وأن السوري يسدّد بدل الإيجار بالدولار الأميركي.
وفي حين يعتبر الملاك أن القانون منصف على اعتبار أن المالك يريد ان يستفيد من ملكه التجاري، يرى المستأجرون أنه سيضرّ بالتجار. وهكذا قضية تتطلب حواراً اجتماعياً جدّياً، وتبقى الأنظار شاخصة على الطعن الذي تتحضّر لتقديمه نقابة المالكين وهيئة العقارات أمام مجلس شورى الدولة ضد ميقاتي! مع الإشارة هنا الى أن إجمالي الإيجارات (السكنية وغير السكنية) تبلغ 270,226 وحدة مؤجّرة في كلّ لبنان بحسب إحصاءات وزارة المالية لغاية بداية سنة 2021.