تتفاقم النقمة على «الدولة» الغائبة أو المغيّبة قسراً عن اجتراح الحلول للموظفين العاملين في القطاع العام للعودة عن إضرابهم، لتجد ضالتها في جيوب المواطنين الفارغة والإستعاضة عن الإصلاحات المنشودة في مؤسسات الدولة، بتكبيدهم المزيد من الأعباء جرّاء الإستفاقة الظرفية على تطبيق قانون السير بشقّه المتعلّق بتسطير محاضر في المخالفين بعيداً عن تأمين السلامة المرورية للسائقين على طرقات «الموت».
في دولة القانون والمؤسسات، التغاضي عن تطبيق القانون يشكل مفارقة، إنما في لبنان، وفي ظل التّحلل الذي يصيب مؤسسات الدولة، شكّل طلب وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي من القوى الأمنية التشدد في تطبيق قانون السير، صدمة لدى المواطنين التواقين إلى استعادة الدولة «هيبتها» مع التجّار والمحتكرين الذين يتحكّمون بلقمة عيشهم، كما توقيف «عصابات» السرقة وليس آخرها ما سجل الأسبوع المنصرم من سرقة لمحوّل الكهرباء الذي يغذّي فصيلة قوى الأمن الداخلي وقصر العدل في جديدة المتن.
ولا تقف «هزالة» قرار الوزير عند هذا الحدّ حسب روّاد وسائل التواصل الإجتماعي، لترافقه مع الإضراب المفتوح لموظفي القطاع العام ومن خلالهم تعطيل العمل «قسرياً» في مصلحة تسجيل السيارات والآليات (النافعة)، الوجهة الحتمية للمواطنين لتسوية أوضاع مركباتهم عند اتخاذ الضابطة العدلية قراراً بحجزها، ما يضاعف الأعباء أكثر عليهم.
وعن تزامن إقفال «النافعة» مع الحملة الآيلة إلى التشدد في تطبيق قانون السير، توضح الرئيسة والمديرة العامة لهيئة إدارة السير والآليات المهندسة هدى سلوم أن التوقف القسري لـ «النافعة» عن العمل يعود إلى الإضراب الذي ينفّذه موظفو المالية ما يرتدّ سلباً على المواطنين ويحول دون قدرتهم على تسوية أوضاع مركباتهم وفكّ الحجز عنها، فضلاً عن الحؤول دون قدرتهم على تسجيل المركبات والآليات كما تسديد الرسوم المتوجّبة عليهم إلى جانب الإستحواذ على رخص السوق كما تجديد صلاحية المنتهية منها، ما يضعهم في مأزق حقيقي مع شركات التأمين في حال تعرضهم لأي حادث سير.
وإذ تشير سلوم إلى أن لا وجود لأي مسوغ قانوني للنظر في تبعات الحوادث مع شركات التأمين أو القوى الأمنية في ظل عدم تجديد رخص السوق المنتهية صلاحيتها، تشدد لـ»نداء الوطن» على أن النافعة لم تكن بصدد الإضراب تحديداً في ظل الحملة التي تقوم بها وزارة الداخلية من أجل تطبيق قانون السير، إنما استكمال المعاملات القانونية في النافعة يبقى عالقاً إلى حين تسديد الرسوم المتوجبة عليها في صندوق المالية، ما يتعذر القيام به في ظل امتناع أمناء الصناديق عن الإلتحاق بعملهم، ما دفعهم إلى التسكير للحدّ من تفاقم الأعباء على المواطنين وتكبدهم مشقة الإنتقال إلى «النافعة» دون التمكن من إتمام معاملاتهم في ظل الإرتفاع المستمر في أسعار المحروقات.
وعلى الرغم من توقف العمل للأسبوع الثاني في النافعة، تشدد سلوم على أن الحملة التي تقوم بها وزارة الداخلية تستكمل في النافعة، ما يضع المواطن رهينة الإضراب في وزارة المالية من أجل تسوية أوضاع آليته القانونية وفك الحجز عنها، لتضاف المعاناة اليوم إلى التحديات التي تواجهها الإدارات العامة التي تفتقد أبسط مقومات الصمود جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات، والإنقطاع المستمر للكهرباء، كما فقدان القرطاسية والإيصالات ودفاتر السوق ناهيك عن الملاحظات التي سجلها معقّبو المعاملات جرّاء بيع «نمر السيارات» في السوق السوداء.
وإن كان هاجس سلوم إيجاد الحلول لإضراب موظفي القطاع العام ومن ضمنهم أمناء صناديق وزارة المالية تمهيداً لتلبية حاجة المواطنين، تؤكد أنه لا يمكن لأيٍ من المعاملات أن تنجز دون تسديد الرسوم المتوجبة عليها، لتختم قائلة: «إن شاء الله خير… الله يفرجها… ما فيني قول شي!».
وفي سياق متصل وضعت مصادر متابعة توقيت الحملة التي أطلقها وزير الداخلية في إطار رفد خزينة الدولة بعائدات الضرائب من جيوب المواطنين، وتحديداً توزيع غرامات السير بموجب محاضر ذات طابع يخصص 20 في المئة منها لصالح صندوق الإحتياط في قوى الأمن الداخلي، و16 في المئة لصالح البلديات، و64 في المئة منها لصالح الخزينة في حين تخصص الغرامات المحصلة من الأحكام القضائية 20 في المئة لصندوق الإحتياط في قوى الأمن الداخلي، و16 في المئة أيضاً لصالح البلديات، ليقتطع 30 في المئة منها لصالح صندوق تعاضد القضاة، و20 في المئة للصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين ليتبقى 14 في المئة لصالح الخزينة.
وأمام الإضراب المفتوح أيضاً للمساعدين القضائيين، كيف للمواطن أن يسدد الضرائب، وكيف للصناديق أن تمتلئ؟ وهل تكون الإستثناءات في السلطة القضائية من أجل تحصيل الضرائب من جيوب المواطنين لعودة الحياة إلى القطاع العام من عائدات الصناديق؟