للمرة الثالثة خلال سنتين، يضطر مجلس النواب إلى انتظار قرار المجلس الدستوري في دستورية قوانين أقرّها. هذه المرّة، حان دور قانون الكهرباء، الذي أقر الشهر الماضي بتوافق سياسي تخطّى، بالتصويت، الملاحظات الدستورية والقانونية التي طرحت في الجلسة. هل سيكون مصير القانون الإبطال؟ أمام المجلس الدستوري مهلة شهر ليقرر، علماً بأن مقدمي الطعن حرصوا على التأكيد أنهم لا يستهدفون خطة الكهرباء التي أقرت، بل يهدفون إلى تصويبها وقوننتها!
في 17 نيسان الماضي، أقر مجلس النواب القانون الرقم 23 الذي ينص على إعادة العمل بأحكام القانون الرقم 288/2014 (إضافة فقرة إلى المادة السابعة من القانون الرقم 462/2002 ووضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة بعد فترة زمنية محددة). حينها، لم تنجح الاعتراضات النيابية المتفرّقة في ثني الكتل الكبرى عن السير باتفاقها على إمرار القانون، بوصفه باب تنفيذ خطة الكهرباء.
بعد الجلسة مباشرة، شرع حزب الكتائب بإعداد طعن في دستورية القانون، تمهيداً لتقديمه إلى المجلس الدستوري، حيث تولت مستشارة النائب سامي الجميل المحامية لارا سعادة هذه المهمة، بعدما سبق أن أعدت الطعنين المتعلقين بقانون الضرائب في عام 2017 وبموازنة عام 2018 والمادة 49 منها. لكن، ليتحول الطعن إلى أمر واقع كان يحتاج إلى توقيعه من قبل عشرة نواب. وبالفعل، بدأ الكتائب مهمة جمع التواقيع منذ 30 نيسان، تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.
نظرياً، يفترض أن يكون هذا هو التحدي الأبرز أمام الكتائب، كون قبول المجلس الدستوري للطعن شكلاً يتطلب عشرة تواقيع. وهذا عدد ليس سهلاً تأمينه في حال التزام النواب مواقف كتلهم الممثلة في الحكومة والتي سبق أن أقرت مشروع القانون. فالنواب المعترضون كثر، لكن أولئك المستقلين وغير المنتمين إلى كتل ممثلة في الحكومة، لا يصل عددهم إلى عشرة. من حيث المبدأ، فإن الحسبة المنطقية، تشير إلى إمكانية تأمين ستة تواقيع (ثلاثة نواب من الكتائب، والنواب: جميل السيد، بولا يعقوبيان وأسامة سعد)، لكن المفاجأة كانت في توقيع الطعن من قبل نواب ينتمون إلى كتل ممثلة في الحكومة: وهم: مروان حمادة، نقولا نحاس وعلي درويش، إضافة إلى جهاد الصمد وفيصل كرامي. وهؤلاء وقّعوا الطعن إلى جانب النواب: سامي الجميل، الياس حنكش، نديم الجميل، بولا يعقوبيان وأسامة سعد. وإذا كان الصمد وكرامي قد وقّعا بصفتهما الشخصية، على ما أكد الصمد، فإن نحاس ودرويش وقّعا باسم الكتلة، بحسب تأكيد نحاس، وكذلك فعل حمادة، الذي وقع باسم كتلة اللقاء الديموقراطي. وللمفارقة، فإن هذا العدد كان مرشحاً للازدياد بشكل واضح لو أن الطعن بحاجة إلى أن يفوق عدد الموقعين العشرة، فالنائب جميل السيد ونواب آخرون في اللقاء الديموقراطي، إضافة إلى كتل أخرى لم يوقعوا بسبب اكتمال العدد.
في الطعن، تأكيد على ما سبق أن أثير في الجلسة التشريعية من ملاحظات لم تأخذ الأغلبية بها ينتيجة التصويت. لكن حتى طريقة التصويت أضيفت إلى المخالفات التي يستعرضها الطاعنون ليبرروا طلبهم إبطال القانون. فبحسب المادة 36 من الدستور، تُعطى الآراء بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عال، وهو ما لم يحصل في الجلسة. كما لم يُصَر إلى احتساب الأصوات بشكل دقيق. وهذه النقطة قد يكون من الصعب على المجلس الدستوري تجاوزها نظراً الى كونه سبق أن أكد في القرار الصادر في 22 أيلول 2017، على أن القاعدة التي نصت عليها المادة 36 جوهرية وليست شكلية، معتبراً أنها تشكل سبباً للإبطال.
في المضمون، فإن قوة الطعن تنطلق من المسألة التي لطالما شكّلت أداة للاعتراض على مشروع القانون الذي وضعته الحكومة، أي مخالفاته للمادة 89 من الدستور، والتي تنص على أنه «لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود».
فالقانون المقرّ لم يمنح أي التزام أو امتياز في قطاع الطاقة وإلى زمن محدود، بل نص على إعطاء مجلس الوزراء حق منح عقود BOT (بناء وتشغيل من قبل القطاع الخاص لمدة طويلة، ثم نقل ملكية إلى الدولة)، على أن يتم التسليم إلى الدولة بعد فترة معينة. وبذلك يكون القانون، بحسب الطعن، قد خالف النص الدستوري «عندما نقل اختصاص منح أي التزام أو امتياز إلى السلطة التنفيذية». وفي هذه النقطة، سبق للمجلس الدستوري أن أصدر قراراً في عام 2002 (القرار الرقم 1/2002) يعتبر فيه أن هذه الصلاحية هي حصرية لمجلس النواب.
كذلك تناول الطعن الفقرة المتعلقة بإعطاء وزارة الطاقة صلاحية تحديد الشروط الإدارية والتقنية والمالية الكاملة من خلال إعداده لدفتر الشروط، علماً بأنه بحسب قرار المجلس الدستوري الرقم 2/2002، فإن قانون المنح هو الذي يجب أن يحدد المبادئ والقواعد الأساسية لهذا المنح، لا دفتر الشروط الذي هو معاملة إدارية توضع وفقاً للقواعد المنصوص عليها في القانون المعني.
في سابقة مشابهة، يتبين أن المجلس النيابي، عندما أقر القانون الرقم 393/2002، الذي أجاز فيه للحكومة منح رخصتين لتقديم خدمات الهاتف الخلوي، استند إلى المادة 89 من الدستور، في الأسباب الموجبة. كما حدد مدة العقد، ووصل أيضاً إلى تحديد التقنيات المطلوبة. والأهم أنه عمد إلى تحديد الشروط التي يجب أن تجرى المناقصة على أساسها، تاركاً للحكومة أن تعدّ دفتر الشروط بناءً عليها وأن تطلق المناقصات.
ومن هذه النقطة، يعود الطعن ليعتبر أن القانون يُساهم في اختصار دور مجلس النواب ويفوض صلاحياته إلى مجلس الوزراء وإلى وزارة الطاقة التي ستضع دفتر شروط يحل عملياً محل القانون.
ومن أسباب الطعن أيضاً، اعتبار القانون المطعون فيه مخالفاً لمبدأ وضوح القاعدة القانونية وأصول التشريع لجهة كيفية سن القوانين. ويشير إلى أن المادة الثانية “لا توضح أصول إجراء المناقصات ولا المهل الزمنية ولا تحدد بشكل عام الارتكازات التي يجب أن تتحكم بهذا المسار، كما أنها “لا تتضمن تعريفات واضحة، فمشروع BOT لم يعرّف وينظم قانوناً ولا تكتمل عناصره، إذ لم يتضمن في صلبه آلية واضحة لكيفية بيع الطاقة للدولة عبر عقد شراء الطاقة PPA حتى لا يكون الشاري مبهماً”. أضف إلى أن هذا العقد لا تعريف قانونياً له. كما لا يوضح القانون “الفارق بين العقدين، ما سيشكل نوعاً من الارتباك والضبابية والاستنسابية عند التطبيق، بما يؤدي إلى غياب الشفافية”.
وعليه، يخلص الطعن إلى أن القانون المطعون فيه لم يتضمن أي آلية واضحة خلافاً لما ورد في عنوانه “… وضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل …”.
ويؤكد مقدمو الطعن أن الإبطال لا يعيق تنفيذ الخطة، بل يسعى إلى اعتماد الشفافية في التلزيم، من خلال احترام الدستور والقوانين المرعية الإجراء.
بعد تسلّم الطعن، يُفترض أن يدعو رئيس المجلس الدستوري أعضاء المجلس إلى اجتماع يبحث خلاله بطلب وقف تنفيذ القانون إلى حين بتّ طلب إبطاله، ثم يعين مقرراً يكون اسمه سرياً، ويعمل على إعداد تقرير خلال 10 أيام من تعيينه. وبعد أن يرسل تقريره إلى رئيس المجلس، يحدد الأخير جلسة خلال خمسة أيام لمناقشة التقرير والتداول بالطعن، على أن يصدر القرار النهائي خلال 15 يوماً من الجلسة.