تدرك غالبية الكتل النيابية أنّ مشروع قانون تسوية مخالفات البناء الذي سيخضع للمناقشة في جلسة مجلس النواب اليوم يُشكّل إقراراً بعجز الدولة عن إصلاح الواقع العمراني عبر ملاحقة المخالفين. كما تدرك أن المشروع يضرب مفاعيل قوانين البناء ومراسيم السلامة العامة، ويُطيح بكل المخططات التوجيهية الشاملة للمناطق. وهي، بإقراره، تقرّ بموافقتها على المُضي في نهج الفوضى العمرانية.
مشروع القانون يُجيز تسوية مخالفات البناء التي وقعت في الفترة الممتدة بين 13/9/1971 و31/12/2016. بكلام آخر، شرعنة كل المخالفات التي ارتكبت على مدى 45 عاماً، والتشجيع على مخالفة القوانين عبر «تطمين» المخالفين بأن الدولة حاضرة دائماً لتشريع مخالفاتهم. إذ أن هذا المشروع هو السادس من نوعه، وقد سبقته خمسة قوانين مماثلة أجازت تسوية المخالفات (الأعوام 1964، 1979، 1983، 1990، 1994)!
اللافت أنّ المشروع الأخير، وهو يحل ثالثاً بين بنود جلسة اليوم، يغطّي كل أنواع مخالفات البناء ومختلف فئات الأبنية. إذ يشمل كل الأبنية وأجزاء الأبنية المنشأة خلافا لقوانين البناء وأنظمته، والأبنية وأجزاء الأبنية المُنشأة على الأملاك الخصوصية العائدة للدولة والمشاعات العائدة للقرى. فما الذي يدفع الكتل النيابية الى إقراره مع إدراكها لتداعياته؟
«تسيير أمور الناس» هو الذريعة المعلنة، إذ أن «هناك واقعاً يتعلّق بمصالح الناس الذين شيّدوا أبنيتهم استناداً الى تعاميم استثنائية كانت تصدر تباعاً عن وزارة الداخلية (…) وليس عليهم تحمل تداعيات هذه الفوضى»، بحسب النائب في تكتّل لبنان القوي آلان عون، الذي يقرّ من جهة أخرى بأن مشروع القانون «يمثّل فضيحة لأنه يعكس عجز الدولة عن ملاحقة المخالفين»! وهي الذريعة نفسها التي يشهرها النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسين جشي، مشيراً الى «أهمية التوافق بين النظام العام ومصالح الناس العالقة بسبب الواقع الفوضوي الذي أرسته تعاميم البناء الإستثنائية، فضلا عن مشاكل فرز الأراضي التي زادت الواقع سوءاً».
ومعلوم أن وزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق، وحده، أصدر خلال توليه حقيبة الداخلية أربعة تعاميم تُجيز إضافة طابق سكني فوق طابق موجود او فوق بناء سبق إقامته بموجب التعاميم السابقة المماثلة، في مخالفة واضحة وصريحة لقانون البناء والتنظيم المدني. فهل تكون معالجة الفوضى بقوننتها بحجة تسيير أمور الناس؟
أما الذريعة غير المعلنة المتعلقة بتأمين «مداخيل للخزينة العامة» في بلد على شفير الافلاس، فقد عبّر عنها بوضوح النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي بلال عبدالله. بكلام آخر، يعطي القانون الأولوية لدفع المخالفين رسوما لقاء الإبقاء على مخالفاتهم، على حساب السلامة العامة عبر الاستخفاف بآلية التحقق من مخاطر المبنى المخالف التي ينص عليها القانون (راجع «قانون تسوية مخالفات البناء: التفريط بالسلامة العامة… وبالطرق! »).
موقف كتلتي التنمية والتحرير والمستقبل لا يتوقع أن يختلفا عما سبق، إذ قال النائبان محمد خواجة ومحمد كبارة إن كتلتيهما لم تناقشا القانون. وفيما اعتبر النائب جميل السيد أن القانون «يشجع الفوضى ويشرعها ونتائجه غير مضمونة مالياً»، بدت كتلة «الجمهورية القوية» وحدها بين الكتل خارج السرب. النائب جورج عقيص رأى أن «الرسوم المفروضة باهظة ولا تُشجّع على تسوية المخالفات»، لافتا الى ان مشروع القانون «يخالف المبادئ الأساسية التي تقوم عليها دولة المؤسسات عبر التشجيع على المخالفات».
يوافق جشّي على أن إقرار القانون يوحي بإرساء واقع التسويات ويشجع على استمرار المخالفات، ويلفت الى بند فيه ينصّ على أنّ «أي مخالفة سترتكب بعد نفاذ القانون سيكون مصيرها الهدم». فيما يشير عقيص الى أنه «في كل مرة يتم إدراج بند ينص على أنها المرة الأخيرة التي تتم فيها تسوية المخالفات، ثم يعاد الى اصدار قانون آخر… نحن على هذه الحال منذ التسعينيات». النائب القواتي قال إن كتلته ستطلب دراسة المشروع «وعلى الارجح سترفضه لأنه يساوي بين من يقوم باستصدار تراخيص قانونية ومن يخالف مراهناً على قوانين تسوية ستأتي حتماً».