عودٌ على بدء. أعادت حكومة تصريف الأعمال أمس طرح مشروع القانون المتعلق “بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان” في جلسة مجلس الوزراء. وللمرة الثانية واجه المشروع اعتراضات أدّت إلى ترحيله مجدّداً، نظراً إلى حساسيته وضرورة إشباعه درساً لأنه يتعلق بودائع اللبنانيين والمصارف. وقد كلف ميقاتي نائبه سعادة الشامي بإعادة النظر في المشروعين (تنظيم عمل المصارف وقانون النقد والتسليف)، والعودة بصيغة جديدة إلى مجلس الوزراء خلال أسبوعين.
تعتبر جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس، الأولى في العام 2025 وقبيل يومين من عقد جلسة لانتخاب رئيس جمهورية للبلاد، فأرادت الحكومة إحياء خطّتها الاقتصادية. وقد يكون طرح الحكومة لمشروع قانون معالجة أوضاع المصارف محاولة للتذكير، وسط اقتراب عملها في تصريف الأعمال من الانتهاء.
وتتجدّد السجالات مع تذكير الحكومة بخطتها الاقتصادية وتحسين بعض بنودها، مثل تحميل الدولة مسؤولية في ردّ الودائع من خلال الصندوق المنوي إنشاؤه، وحرصها على إعادة هيكلة العمل المصرفي.
مشروع القانون الذي طرح مسودته في شباط 2024 سعادة الشامي، تمّ التنصّل منه من قبل كل الأفرقاء في الحكومة، وكل الجهات التي وفّرت المعلومات مثل مصرف لبنان، جمعت، كما هو معلوم، ثلاثة مشاريع قوانين يفترض أن تكون منفصلة في مشروع واحد: قانون الـ “كابيتال كونترول“، قانون “الانتظام المالي” وقانون “إعادة هيكلة المصارف”. فما هي حسنات وسيئات هذا المشروع؟
أبرز المعترضين
بدا وزيرا الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام ووزير المهجرين عصام شرف الدين من أوائل الذين اعترضوا على هذا المشروع. وخلال الجلسة ولدى طرح مشروع القانون على طاولة النقاش، حصلت مشادة كلامية بين شرف الدين ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول النقطة التي تتعلّق بالمودعين ، فانسحب شرف الدين من الجلسة بعد تقديمه اعتراضاً مكتوباً إلى مجلس الوزراء، معتبراً أن المشروع مخالف للدستور وستكون له دراسة في هذا الموضوع.
وقال في تصريح من السراي الحكومي أمام الإعلام، إنّ “ميقاتي ممتعض من المودعين لإقدامهم على وقفة تضامنية، ولا أرضى أبداً أن يضع ملف المودعين على الرف فمعالجة موضوع المصارف لن تكون على حسابهم”.
وشدد على أنّ “الأسلوب الفوقي بشطب الودائع بنسبة 80% مرفوض رفضاً قاطعاً”.
موقف وزير الاقتصاد
من جهته، جدّد سلام بدوره اعتراضه في جلسة مجلس الوزراء نظراً إلى الضرر الكبير الذي سينجم عن هذا القانون اذا أقرّ، تجاه الاقتصاد. وكان قبل بدء الجلسة في تغريدة نشر الاعتراض الذي كان قدّمه في 21 شباط 2024 إلى مجلس الوزراء، ذاكراً فيه أن القانون لا يحفظ أموال المودعين.
وفي حديث لـ “نداء الوطن” عرض سلام حسنات مشروع القانون وسيئاته، خصوصاً بعد إجراء بعض التعديلات عليه وهي كما عدّدها كالتالي:
– “إن الطرح الإيجابي في مشروع القانون يتعلّق بإعادة هيكلة المصارف. لكن المأخذ على المهل التي يجب أن تكون أطول لحماية كل الأصول المعني بها قانون إعادة هيكلة المصارف والعلاقة التي تربط البنوك بالمودعين.
كان يجب أن يكون دور مصرف لبنان أكبر وأن يكون هناك تنسيق أكثر وملاءة أقوى في نص القانون، إذ إن البنك المركزي صاحب الصلاحية الأولى والمعرفة التقنية في موضوع إعادة هيكلة المصارف، وتترتّب عليه مسؤوليات في قانون إعادة هيكلة المصارف من سلطة رقابية… فكل مكوّنات إعادة الهيكلة تتعلّق بمصرف لبنان.
– النقطة السلبية من القانون تتعلّق بأموال المودعين. وتقدّمنا باعتراض وتحفّظنا منذ عام على هذا القسم لأنه يشرّع الـ”هيركات” بشكل كبير وغير عادل للمودعين، أي نحمّل المودع وحيداً خسائر بنسبة 80 و 90% وهو أمر غير عادل وغير منطقي. والكلّ يجب أن يتحمّل المسؤولية بشكل عادل من الدولة، إلى مصرف لبنان الذي تسلّم الودائع وكان مسؤولاً ومؤتمناً عليها، ومن بعده المصارف التي تصرفت بالأموال، وقامت بخيارات غير مدروسة ومخالفة”.
ما هي الحلول البديلة ؟
الحلول البديلة لمشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، عرضها سلام بشكل مفصل في الكتاب الذي قدّم فيه اعتراضه، وقال “إن الحلول تستند إلى قوانين لبنانية ومعايير عالمية يتّبعها كل النظام المصرفي والأنظمة المصرفية في العالم”.
ورأى أن الانهيار المالي والاقتصادي الذي حصل جاء نتيجة ممارسات خاطئة، أوصلت إلى الانهيار في القطاع المصرفي والمسؤولية موزّعة على الجميع.
وعزا ترحيل مشروع القانون في جلسة مجلس الوزراء إلى أنه “قانون مفصلي يتعلّق بمصداقية القطاع المصرفي واستعادة الثقة به، لأن القطاع المصرفي عمود فقري في الاقتصاد اللبناني. والحكومة لا تتحمّل أن يتمّ تمرير قانون غير عادل لا يعيد الثقة إلى المودع اللبناني صاحب الحق الأول والأجنبي ثانياً. فإقرار هذا المشروع يأخذ الاقتصاد إلى مكان خطر فنضرب آخر ما تبقى من ثقة بالقطاع المصرفي اللبناني”.
ماذا تتضمن خطة الحكومة؟
أبرز ما جاء في مشروع القانون الذي أعدّ بصيغته الأولى والذي استدعى الرفض من الجميع حتى من المصارف:
– تصنيف الودائع بين “ودائع مؤهّلة” (قبل 17 تشرين الأول 2019) تُدفع لأصحابها ضمن مهلة زمنية تتراوح بين 10 و15 سنة، ضمن سقف لا يتعدّى 100 ألف دولار وتبدأ بـ300 دولار وتنتهي بـ800 دولار، وأخرى “ودائع غير مؤهّلة” (بعد 17 تشرين) تُدفع لأصحابها ضمن المهلة نفسها لكن ضمن سقف لا يتعدّى 36 ألف دولار وتبدأ بـ 200 دولار وتنتهي بـ 400 دولار.
– أوجبَ المشروع، كشرط للاستفادة من أحكام القانون، إثبات مشروعية الوديعة. وإذ افترض المشروع مشروعية الوديعة التي تقلّ قيمتها عن مبلغ معين، فإنه حدد هذا المبلغ بـ 500 ألف دولار بالنسبة إلى المودع غير الموظف العمومي، و300 ألف دولار بالنسبة إلى الموظف العمومي.
– تحويل الودائع إلى سندات ماليّة مصنّفة A وما فوق، ثمّ تحويلها إلى “صندوق استرداد الودائع” الذي يُنشأ من أجل هذا الغرض.
– إسترجاع قيمة الفوائد التي تفوق 1% المتراكمة في حساب العميل منذ عام 2015، وذلك للودائع فوق 100 ألف دولار، مع إمكانية تحوّلها، طوعياً، إلى الليرة اللبنانية بما يعادل 20% من سعر الصرف. وذلك استناداً إلى واقعة منح فوائد باهظة وغير مبرّرة يفقدها مشروعيتها.
– إلزام المصارف بدفع الودائع بالليرة اللبنانية كاملة، ومن دون احتساب أيّ فرق بين سعر الصرف قبل الأزمة (1,500 ليرة) وسعر الصرف اليوم (89,500 ليرة).