قانون موازنة العام 2024 باطل دستورياً كلّياً وليس جزئياً

صدر عن المجلس الدستوري قراران علق بهما المجلس أربع عشرة مادة من قانون موازنة الدولة للعام 2024 رقم 324 تاريخ15/2/2024. وهذا يؤشر الى أن المجلس الدستوري يتجه لإبطال القانون جزئياً وليس كلياً في حين يقتضي إبطال القانون برمته لمخالفته الدستور وقانون المحاسبة العمومية والتصميم العام لحسابات الدولة والنظام الداخلي لمجلس النواب.

نصت المادة 87 من الدستور على ما يلي: «إن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي السنة».

وفقاً لأحكام المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية (المرسوم رقم 14969 تاريخ 30/12/1963) تضع مديرية المحاسبة العامة في وزارة المالية كل سنة:

– قطع حساب الموازنة الذي يجب تقديمه الى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة.

– حساب المهمة العام الذي يجب تقديمه الى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة.

وفقاً لأحكام المادة 197 من قانون المحاسبة العمومية: «على الحكومة أن تحيل مشروع قانون قطع حساب الموازنة الى مجلس النواب قبل أول تشرين الثاني من السنة التي تلي سنة الموازنة.

وفقاً لأحكام المادة 158 من قانون المحاسبة العمومية: «تتولى خزينة الدولة جميع عمليات القبض والدفع التي يستوجبها تنفيذ موازنة الدولة، وإدارة الحسابات المفتوحة خارج الموازنة».

ووفقاً لأحكام المادة 159 من قانون المحاسبة العمومية: «يؤمن عمليات القبض والدفع لحساب الخزينة موظفون يطلق على كل منهم اسم المحتسب».

ووفقاً لأحكام المادة 163 من قانون المحاسبة العمومية: «تدون العمليات التي يقوم بها المحتسب في حسابات يمسكها وفقاً لتصميم عام لحسابات يقر بمرسوم يصدر في مجلس الوزراء».

ماذا يتولى المحتسبون؟

وفقاً لأحكام المادة 166 من قانون المحاسبة العمومية: يتولى المحتسبون:

– تأمين المقبوصات، أياً كان نوعها.

– تأمين المدفوعات، إما بناء على حوالات أو أوامر دفع صادرة عن المرجع الصالح.

– حفظ أوراق الثبوت العائدة لهذه العمليات ومستندات المحاسبة.

– مسك حسابات المحتسبية التي يديرونها.

ووفقاً لأحكام المادة 167 من قانون النقد والتسليف يتولى محتسب المالية المركزي (مدير الخزينة)، بالإضافة الى ما تقدم، توحيد ما يتعلق بالموازنة العامة من عمليات الواردات والنفقات التي يقوم بها باقي المحتسبين المركزيين ويتولى أيضاً إدارة حساب الخزينة لدى المصرف المركزي.

ووفقاً لأحكام المادة 176 من قانون المحاسبة العمومية: «على المحتسبين أن يقدموا باسمهم وعلى مسؤوليتهم حساب مهمتهم الى ديوان المحاسبة».

ووفقاً لأحكام المادة 194 من قانون المحاسبة العمومية تدقق مديرية المحاسبة العامة في وزارة المالية عمليات المحتسبين والمحاسبين الإداريين وتقوم بتوحيدها في حساب واحد اسمه حساب المهمة العام.

محاسبة الدولة والبلديات والمؤسسات

أما التصميم العام لحسابات الدولة والمؤسات العامة والبلديات الذي صدر بتاريخ 9 حزيران 1997 بموجب المرسوم رقم 10388 فقد حدد المبادئ التقنية التي تطبق على محاسبة الدولة وعلى محاسبة البلديات وعلى محاسبة المؤسسات العامة التي تتولى إدارة مرافق عامة، ونصت المادة 2 منه على ما يلي: «تهدف محاسبة الدولة والبلديات والمؤسسات العامة وصف العمليات المالية والرقابة عليها وإعداد المعلومات عنها وإبلاغها الى الجهات المختصة بالإدارة والرقابة.

وعلى المحاسبة أن تؤدي الى معرفة ومراقبة عمليات الموازنة من إيرادات ونفقات ومعرفة ومراقبة عمليات الخزينة. ومعرفة وضع ملكية الدولة للأصول الثابتة وتحديد النتائج السنوية وإدخال هذه المعلومات في المحاسبة الإقتصادية الوطنية وحساب كلفة نشاطات الدولة.

تمسك المحاسبة العامة للدولة من قبل المحتسبين وتنشر نتائج المحاسبة العامة للدولة وفقاً للأصول والصيغ التي يحددها وزير المالية.

ووفقاً لأحكام المادة 25 من التصميم العام لحسابات الدولة تتولى مديرية المحاسبة العامة التوحيد الدوري لحسابات الموازنة العامة وإعداد الوضعية الأسبوعية للخزينة وللصندوق وللمصرف والمطابقة الأسبوعية لقيود حساب المصرف مع مصرف لبنان وإعداد ميزان الحسابات الموحد للمحتسبين وإعداد الميزان النهائي لحسابات الموازنة العامة.

ووفقاً للمادتين 34 و35 من التصميم العام لحسابات الدولة يتألف الحساب العام للدولة من:

– الميزان العام الموحد للحسابات نتيجة توحيد حسابات المحتسبين المركزيين.

– بيان بإيرادات موازنة الدولة.

– بيان بنفقات موازنة الدولة.

– بيان بالخلاصة على صعيد القطاع العام والذي يوضع على شكل حساب نتائج وميزانية.

يصدق على الحسابات بموجب قانون قطع الحساب الذي يبت نهائياً بالنتيجة التي اقترن بها تنفيذ موازنة الدولة.

حسابات الإدراة المالية النهائية

واستناداً الى النصوص الدستورية والقانونية والنظامية يتبين ما يلي:

إن الدستور اللبناني أولى أهمية خاصة للشأن المالي للدولة وأفرد له مكانة خاصة في الباب الرابع منه (تدابير مختلفة) وهو القسم «ب- في المالية»، وحدد الدستور أصول فرض الضرائب وتقديم الموازنة العامة الشاملة الى مجلس النواب وحدد شروط إقرارها ونشرها. ومن شروط الإقرار الإقتراع على الموازنة بنداً بنداً، ومن شروط نشرها بعد الإقتراع عليها أن تعرض حسابات الإدارة المالية النهائية على مجلس النواب ليوافق عليها قبل نشر الموازنة، وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها، والتي أشرنا إليها في ما تقدم، فإن حسابات الإدارة المالية النهائية هي التالية:

1 – الميزان العام لحسابات الدولة والذي يتضمن سبع فئات من الحسابات، وهو ما يسمى في قانون المحاسبة العمومية «حساب المهمة العام»، وهذا الميزان هو الذي يحدد المركز المالي للدولة وهو أشمل وأوسع من قطع الحساب.

2 – قطع الحساب وهو يشكل جزءاً من ميزان الحسابات العام ويتضمن فقط حسابات الإيرادات والنفقات العمومية ونتيجة المقابلة بينهما، فإما أن تكون وفراً أو عجزاً.

وقد جرى التطبيق الإداري على أن تحيل الحكومة الى مجلس النواب مشروع قانون قطع حساب الموازنة عملاً بأحكام المادة 197 من قانون المحاسبة العمومية، ولكن التصميم العام لحسابات الدولة الذي صدر بموجب المرسوم رقم 10388 في 9 حزيران 1997، وبناء على قانون المحاسبة العمومية وأصبح تنفيذه متقدماً على قانون المحاسبة العمومية لجهة الحسابات المالية للدولة التي حددتها المادة 34 من التصميم ومن أهمها وأولها الميزان العام الموحد للحسابات، والتي يقتضي التصديق عليها بموجب قانون قطع الحساب وذلك وفقاً للمادة 35 من التصميم المحاسبي للدولة.

قطع الحساب

وعليه، فإن إعداد قطع حساب الموازنة العامة وإحالته الى مجلس النواب لإقراره لا يكفي وحده لنشر الموازنة بل يقتضي أن تحيل الحكومة على مجلس النواب ميزان الحسابات العام للدولة.

وعليه، فإن عدم إحالة ميزان الحسابات العام للدولة الى مجلس النواب يعتبر مخالفة قانونية ودستورية، وبالتالي يعتبر عيباً من شأنه إبطال قانون الموازنة لمخالفته الدستور.

إن الحكومة لم تحل الى مجلس النواب مشروع قانون قطع حساب الموازنة العامة للدولة للعام 2022، لكن مجلس النواب أقر مشروع موازنة الدولة للعام 2024 خلافاً لنظامه الداخلي الصادر في 18/10/1994 وتعديلاته، حيث نصت المادة 118 منه على ما يلي: «يصدق المجلس أولاً على قانون قطع الحساب ثم على موازنة النفقات ثم قانون الموازنة، وفي النهاية على موازنة الواردات».

وبما أن الحكومة لم تحل الى مجلس النواب مشروع قانون قطع الحساب للعام 2022، فإن مجلس النواب لم يطلع عليه ولم يناقشه، وبالتالي لم يصادق على قانون قطع الحساب ويكون إقرار الموازنة مخالفاً لأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب، ومخالفاً لأحكام المادة 87 من الدستور، ويكون قانون موازنة العام 2024 مشوباً بعيب عدم القانونية ومخالفة الدستور ويقتضي إبطاله برمته.

حسابات 1993-2015

بالإضافة الى ما تقدم، فإن وزارة المالية ومجلس الوزراء ومجلس النواب خالفوا أيضاً قانون الموازنة العامة للعام 2017 حيث نصت المادة 65 من القانون رقم 66 تاريخ 3/11/2017 – الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2017 على ما يلي: «على سبيل الإستثناء ولضرورات الإنتظام المالي العام، ينشر هذا القانون وعلى الحكومة إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المدققة منذ 1993 وحتى 2015 ضمناً خلال فترة لا تتعدى السنة إعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون وإحالة مشاريع قوانين قطع الحساب عن السنوات التي لم تقر فيها الى مجلس النواب عملاً بالأصول الدستورية والقانونية المرعية الإجراء.

لم تلتزم الحكومة بأحكام المادة المذكورة أعلاه، ولم تنجز قطوعات الحسابات التي لم تقر فيها منذ العام 2004، حيث كان آخر قطع حساب موازنة الدولة لعام 2003 بموجب القانون رقم 716 تاريخ 3/2/2006.

مخالفات منذ 2020

وكان من نتيجة ذلك، أيضاً، إمتناع رئيس الجمهورية عن نشر قانون موازنة العام 2020 لأنه اعتبره مخالفاً لأحكام المادة 87 من الدستور حيث لم تحل الحكومة الى مجلس النواب مشروع قانون قطع الحساب للعام 2018، فصدر قانون الموازنة للعام 2020 وفقاً لأحكام المادة 57 من الدستور التي تنص على أنه في حال إنقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره.

وبما أن مجلس النواب أقر قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 وأحاله رئيس مجلس النواب الى الحكومة للنشر بتاريخ 3/2/2020.

وبما أن المادة 56 من الدستور تنص على ان يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد إحالتها الى الحكومة ويطلب نشرها.

وبما أن مهلة الشهر المنصوص عليها في المادة 57 من الدستور تكون قد انقضت بتاريخ 4/3/2020 دون أن يصدر رئيس الجمهورية قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 ودون أن يعيده الى مجلس النواب لذلك، يعتبر قانون الموازنة نافذاً حكماً ووجب نشره في 5/3/2020 تحت الرقم 6.

بموجب قانون الموازنة العامة للعام 2024 ولا سيما المادة 95 منه أعطيت الحكومة مهلة سنة من تاريخ نشر القانون لإنجاز عملية إنتاج الحسابات المالية المدققة منذ العام 1993 حتى 2022 ضمناً، وهذا التمديد تكرار لأحكام المادة 65 من قانون موازنة العام 2017.

وبالرغم من أن هذا النص مخالف للدستور لأنه يعدل أحكام المادة 87 من الدستور خلافاً للأصول الدستورية المنصوص عليها في الدستور، وبالتالي لا يمكن اعتباره مبرراً أو سنداً قانونياً أو دستورياً لإقرار ونشر موازنة الدولة للعام 2024.

وعليه، فإن إقرار موازنة الدولة للعام 2024 بدون إقرار قانون قطع حساب الموازنة لسنة 2022 والتصديق على الحسابات المالية للدولة، يكون مخالفاً للقانون ويقتضي بالتالي إبطاله بطلاناً تاماً.

أما بالنسبة الى نشر قانون الموازنة وشروطه الدستورية فقد حدد الدستور اللبناني شروطاً واضحة لنشر موازنة الدولة واعتبارها نافذة، وأحكامها ملزمة، فهل توافرت شروط النشر في قانون موازنة العام 2024 رقم 324 تاريخ 12 شباط 2024 المنشور في الجريدة الرسمية – ملحق العدد 7 تاريخ 15/2/2024 ؟

ماذا يقول الدستور؟

بالرجوع الى الدستور، نرى ما يلي:

1- المادة 56 نصت على ما يلي:»يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد إحالتها الى الحكومة ويطلب نشرها…».

2- المادة 57 نصت على ما يلي:»لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه. وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حل من إصدار القانون الى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً. وفي حال إنقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره.

ويستفاد من نص المادتين 56 و57 من الدستور بأن لرئيس الجمهورية حق وعليه موجب، فله حق طلب إعادة النظر في القانون، وعندما يمارس الرئيس هذا الحق يصبح في حل من إصدار القانون الى أن يوافق عليه المجلس وإقراره بالأغلبية المطلقة، وعلى الرئيس موجب إصدار القانون وطلب نشره.

ولكن هل يستطيع الرئيس أو مجلس الوزراء الذي تناط به صلاحية رئيس الجمهورية وكالة، في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت… إصدار قانون موازنة الدولة ونشره بدون توافر شروط الإصدار والنشر؟

إن المادتين 56 و57 من الدستور لم تحددا شروطاً لإصدار القوانين ونشرها، بل اعتبرت ذلك موجباً تحت طائلة اعتبار القانون نافذاً حكماً ومتوجب النشر إذا لم يصدر رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء في حال خلو سدة الرئاسة، القوانين، ولكن الدستور أفرد لقانون الموازنة أهمية خاصة، ذلك أن المادة 87 من الدستور حددت شرطين يقتضي توافرهما لنشر قانون موازنة الدولة.

– الشرط الأول: وجوب عرض حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة على مجلس النواب.

– الشرط الثاني: موافقة مجلس النواب على الحسابات المالية.

وفي حال عدم توفر هذين الشرطين لا يمكن لأي سلطة كانت، رئيس الجمهورية أم مجلس الوزراء نشر قانون الموازنة العامة للدولة.

وبما أن الحكومة لم تعرض على مجلس النواب حسابات الإدارة المالية النهائية عن السنوات 2004 حتى 2022 ضمناً،

وبما أن مجلس النواب لم يوافق على الحسابات المذكورة منذ العام 2004 وحتى 2022 ضمناً فإن نشر قانون موازنة العام 2024 يكون مخالفاً للدستور، ويقتضي بالتالي إبطاله إبطالاً تاماً وليس إبطالاً جزئياً.

(*) النقيب الأسبق لخبراء المحاسبة

لم تعرض الحكومة على مجلس النواب حسابات الإدارة المالية النهائية عن السنوات 2004 حتى 2022

مخالفات دستورية في عدم إحالة ميزان الحسابات العام للدولة إلى مجلس النواب وعدم وجود قطع للحساب

مصدرنداء الوطن - أمين صالح
المادة السابقةفي وزارة الإتصالات… المحاسبة حبيسة الحصانات
المقالة القادمةوزارة الزراعة تنشر متوسطاً أسبوعياً جديداً لأسعار اللحوم والخضار والفاكهة