في خلال السنوات العشر الأخيرة، تحولت مواقع التواصل الإجتماعي من مساحة للترفيه إلى عالم موازٍ يحمل الكثير من سمات العالم الواقعي. كما بات للعديد من المستخدمين حاجة اقتصادية، أو وسيلة إعلانية مجانية تصل الى شريحة واسعة من الناس. فضجَّت بالأعمال الفنية والثقافية والعلمية وغيرها، وأصبحت حماية الملكية الفكرية للمواد المنشورة حاجة لا بدّ منها.
قلّة هم المستخدمون الذين يقرأون الشروط الخاصة بالمنصّات قبل الضغط على زر Accept. فجميع المنصات الإلكترونية تعتمد طول السرد والخط الصغير للحؤول دون قراءتها.
هذه الشروط التي يتم غالباً تجاهلها، لها أهمية قصوى في تحديد سياسة الملكية الفكرية للمنصات. ففي مقابل الخدمات المجانيّة التي يتلقاها المستخدم، تحصل المواقع على مكتسبات، غالباً ما تسخدمها لأغراض تجارية.
ترخيص دولي!
وتختلف حماية الملكية الفكرية بين منصّة وأخرى، ففي حين يعتبر موقع «تيك بيت» أن facebook هو من أكثر المواقع المثيرة للجدل في هذا الخصوص، إذ يذكر في الشروط الخاصة ما يلي: «بالنسبة للمحتوى المحمي بحقوق الملكية الفكريّة، مثل الصور، ومقاطع الفيديو، فإنك تمنحنا تحديداً الإذن التالي: إنك تمنحنا ترخيصاً دولياً غير حصريّ قابل للنقل وغير محفوظ الحقوق لاستخدام أي محتوى محمي تنشره على فايسبوك أو له علاقة بفايسبوك»، يرى الموقع أن شروط استخدام منصة X، أو ما كان يُعرف بـ Twitter، تحمل تناقضاً واضحاً، فتذكر أن «يحتفظ المستخدم بحقوق أي محتوى أُرسِل أو نُشِر أو بُثّ عن طريق خدمات الموقع. وفي حال أرسلتَ أو نشرتَ أو قمتَ ببث أي محتوى عن طريق خدمات الموقع فإنك تمنحنا ترخيصاً دولياً غير حصري لاستخدام ونسخ وإعادة إنتاج وعرض وتوزيع هذا المحتوى في أي وسيلة إعلامية».
وهناك بعض المنصات أو المواقع، لا تشترط الاشتراك بالحقوق مع صناع المحتوى. «كالتوليد بالذكاء الاصطناعي، فهو حقّ لصانع المحتوى وليس للشركات المصنّعة أو المبرمِجة». بحسب نقيب تكنولوجيا التربية في لبنان، ربيع بعلبكي.
حتى لا يضيع الحقّ
يتابع بعلبكي لنداء الوطن، أن فئة الإنترنت، هي إحدى الفئات الخاضعة لحماية القانون في لبنان. فبعد تطوير قوانين WIPO (المنظمة العالمية للملكية الفكرية)، وهي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، والتي انطلقت عام 1970، التزم لبنان بحماية الأثر الأدبي والفني للمبدعين على أراضيه. وبحماية الإسم والموقع الخاص على شبكة الإنترنت، بالإضافة الى حقوق الملكية الفكرية والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع، وتعدّدت فيه مستويات الحماية بحسب تنوّع المواد.
وقد صدر في العام 1999 القانون رقم 75، الذي حمى بموجبه «جميع إنتاجات العقل البشري سواء كانت كتابية أو تصويرية أو نحتية أو خطيّة أو شفهيّة مهما كانت قيمتها وأهميتها وغايتها ومهما كانت طريقة أو شكل التعبير عنها»(المادة الثانية منه).
ثم جاء بعد ذلك القانون رقم 81/2018 (قانون المعاملات الرسمية الإلكترونية) ليحمي كلّ ما يتعلّق بالمحتوى الإلكتروني. لكنه ما زال مجمداً بانتظار المراسيم التطبيقية. ووفق ما قاله بعلبكي، تُعتبر قوانين حماية الملكية الفكرية في لبنان جزائية، تُعاقب المرتكب على أنه سارق.
وبحسب الموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد: «تشبه حقوق الملكية الفكريّة غيرها من حقوق الملكيّة فهي تسمح للمبدع بالاستفادة من مصنّفه أو استثماره. وتَرِد هذه الحقوق في المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
الطريقة المثالية لصيانة حقوق المبدعين هي بتسجيل منتجاتهم أو أعمالهم لدى المراجع المختصّة. وقد أكد مدير عام وزارة الاقتصاد لـ»نداء الوطن»، أن مكتب حماية الملكية الفكرية سجل في العام 2022 أكثر من 3300 علامة تجارية، وفي العام 2023 أكثر من 1800 علامة تجارية، جزء كبير منها يندرج تحت بند براءات الاختراع، بالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان.
هذا بالنسبة للمواد التي يمكن تسجيلها. أما في ما خصّ المدونات اليومية والفيديوات والصور وغيرها، «فهي تواجه صعوبات جمّة في تحديد الحقوق، بسبب مبدأ التبادلية، والكم الهائل من المحتوى الذي يتم إنتاجه كل دقيقة، فيكاد يكون من المستحيل تتبع المبدعين الأصليين، مما يزيد من خطر انتهاك حقوق الملكية الفكرية بشكل كبير». بحسب جامعة Queen Mary- لندن.
في حال ثبُتَ انتهاك ملكية فكرية، أو سرقة علامة تجارية، أول ما على المستخدم فعله هو تقديم شكوى للمنصة ذاتها، مرفقة بالبراهين التي تثبت الملكية. ووفق موقع International law office، أن «الإجراء الأكثر فعالية لحل مشكلة انتهاك العلامة التجارية أو حقوق الطبع والنشر هو الاتصال بالمستخدم مباشرة عبر ميزة المراسلة الخاصة بالموقع. وإذا لزم الأمر اتخاذ المزيد من الإجراءات، فعلى صاحب الحقّ توكيل محامٍ للتفاوض مع الحساب المخالف واتخاذ إجراء قانوني رسمي».
في لبنان، يتلقى مكتب حماية الملكية الفكرية عدة شكاوى تتعلق بالأثر الأدبي والفني، بحسب مدير عام وزارة الاقتصاد الدكتور محمد أبوحيدر، لكنه يُعتبر جهاز إيداع، وليس مخوّلاً البتّ بالنزاعات، فتلك من مهام القضاء. لذلك يرى أن المكتب يعمل بصلاحيات مقلّصة تقتصر على التسجيل فقط، مما يشكل نقطة ضعف للوزارة المعنيّة، ويُضعف صفة الاختصاص عند حصول أي نزاع.
أثر حماية الملكية الفكرية على الإقتصاد
يشير كتاب صادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO، «أن إبداع ومهارة وموهبة المبدعين الأدبيين والفنيين هي أيضاً وسيلة رئيسية لهم لإيجاد الثروات وخلق الوظائف». وبحسب ما ذكرت منظمة الأمم المتحدة على موقعها الرسميّ، «لا ينبغي النظر الى الفنّ والتصميم على أنهما عنصران خاصان بالثقافة فقط، بل على أنهما محركان للتنمية الاجتماعية والاقتصادية أيضاً». وقد لاحظت الأمم المتحدة أن صناعة الأزياء تواجه أحد أبرز الانتهاكات الحالية لحقوق الملكية الفكرية، فتصميم وصناعة الملابس التقليدية، على سبيل المثال، «تشكل مصدر دخل للعديد من الشعوب الأصلية والمجتمعات المحليّة. لهذا، فإن الاستيلاء الثقافي عليها يمكن أن يوجّه ضربة اقتصادية قوية، مما يقوض قدرة المجتمعات على كسب لقمة العيش».
إذاً، فبالرغم من أن الموارد الوراثية بحدّ ذاتها غير مؤهّلة للحصول على براءة، لكن العديد من الشعوب الأصلية والحكومات تلتمس حماية للملكية الفكرية الخاصة بالمعارف التقليدية كالطب والمعارف البيئية والفن والموسيقى وبعض الصناعات.
في هذا السياق، صرّح الدكتور محمد أبو حيدر لنداء الوطن، أن مكتب حماية الملكية الفكريّة في الوزارة بصدد تحضير مشروع قانون يتعلّق بالعلامات الجغرافيّة التراثية. يتم بموجبه حماية الأصناف المرتبطة تراثياً بمناطق جغرافية محددة في لبنان. وأضاف، أن حماية الملكية الفكرية من الناحية الاقتصادية مبنية على شقين رئيسيين، الاقتصاد على نطاق واسع، والاقتصاد على نطاق محدد. يتطلب الأول حماية العلامات التجارية التي تؤثر بشكل مباشر على الاستثمار في الدولة. أما الثاني، فيتأثر بمستوى حماية الملكية الفكرية الجغرافية المرتبطة بالتراث.
المشاع الإبداعي، الملكية الفكرية، والخصوصية
«إذا ظهرتَ في فيديو أو صورة أو تسجيل صوتي، لا يعني ذلك بالضرورة أنك تملك حقوق الطبع والنشر لهذا المحتوى… أما إذا حمّل مستخدم آخر فيديو أو صورة أو تسجيلاً صوتياً لك بدون إذنك وكنتَ تعتقد أن ذلك ينتهك خصوصيتك أو أمانك، يمكنك تقديم شكوى بشأن الخصوصية» هذا ما ورد في صفحة «المساعدة القانونية» من google. وكانت الإمارات العربية المتحدة سباقة، على صعيد العالم العربي، في الفصل القانوني بين تلك الجرائم: الجرائم الالكترونية، التعدي على الخصوصية، وحقوق الطبع والنشر. فكان القانون الاتحادي رقم 5 سنة 2012 (الجرائم الإلكترونية). والقانون الاتحادي رقم 7 سنة 2012، المتعلق بحقوق الطبع والنشر. والقانون الاتحادي رقم 8 سنة 1980 الذي يجرّم نقل صور لأي شخص دون موافقته. أما عن النقل الآمن للمعلومات، فيقول النقيب بعلبكي: «لا يمكن التمييز بين ما هو مشاع إبداعي أو حق خاص، إلا إذا ذكر صاحب المحتوى ذلك. ويُفضّل أن يُذكر إسم المصدر في أي عملية نقل. لكن في جميع الحالات، لا يحقّ لأحد نقل المحتوى كاملاً، حتى لو ذكر إسم المصدر، إلا في حالات محدودة. ويمكن لصاحب الحق أن يطلب في أي وقت يشاء إزالته عن شبكة الإنترنت، وعندها يجب على ناقله حذفه فوراً. أما إذا رفض فيُعتبر سارقاً، وتسري عليه القوانين الجزائية المرعية الإجراء».
يطلق على النقل المقبول للمحتوى تسمية «الاستخدام العادل»، وبحسب شبكة الصحافيين الدوليين «IJN» «ينطبق على الحالات التالية: النقد، التعليق، التغطية الإخبارية، التعليم، البحث، محاكاة السخرية. ويفضَّل استخدام المادة بأكبر قدر من الاختصار».
أكثر من 11 مليار ساعة في اليوم الواحد
جاء في إحصاء أعدّته جامعة ماين – الولايات المتحدة الأميركيّة، في العام 2023، أن معدّل الوقت الذي يقضيه الشخص الواحد على مواقع التواصل الاجتماعي في اليوم هو ساعتين و24 دقيقة.
عدد المسجلين، 4.8 مليارات شخص حول العالم، يمثلون 59.9 % من مجموع سكان الأرض، يقضي جميعهم 11.5 مليار ساعة يومياً على هذه المواقع، والعدد بازدياد مستمرّ، إذ بلغت الزيادة بين نيسان 2022 ونيسان 2023: 3.2 %، أي 410,000 مستخدم جديد كل يوم. أما المنصات الأكثر استخداماً (من حيث النشر)، حتى نيسان 2023، فكانت بالترتيب التالي: فايسبوك، يوتيوب، واتس أب، إنستاغرام وويتشات.
أما في لبنان، فقد وصلت نسبة مستخدمي هذه المواقع الى ما يعادل 90.5% من إجمالي عدد السكان، أي 4.91 ملايين شخص خلال العام 2023. بحسب موقع DATAREPORTAL. وقد احتل المرتبة السادسة عالمياً على قائمة الدول الأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بعدد السكان، بعد الإمارات، البحرين، قطر، بروناي وكوريا الجنوبية. وفقاً لما نشرته CNN عربية في 24 نيسان 2023 على موقعها الإلكتروني.
أمام هذا الواقع، كان لا بدّ من مبادرات لبنانية تعزّز حماية حقوق المبدع اللبناني، لذلك وافق مجلس الوزراء بتاريخ 4/4/2024 على مشروع قانون يقضي بانضمام لبنان الى «بروتوكول اتفاق مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات، المعدَّل في 12/11/2007 ولوائحه التنفيذية النافذة اعتباراً من 1/2/2021» وإحالته الى مجلس النواب. بحسب مدير عام وزارة الاقتصاد. ليُضاف هذا الاتفاق الى اتفاقية «برن» التي وقّع عليها في 19 شباط 1946، قبل انضمامه الى منظمة «الويبو» في العام 1986. وتكمن أهمية انضمامه الى هذه الاتفاقيات في أن أي إبداع لبناني يصبح محمياً في جميع الدول الأعضاء.