قرار “التجويع” يدخل حيّز التنفيذ

صار رفع الدعم عن المحروقات أمراً واقعاً. هذا القرار يجدر أن يكون بمثابة زلزال إقتصادي وسياسي. تاريخ ١٢ آب لن يكون كما سبقه بالمعنى الاقتصادي. مع ذلك يُجيد البعض خلق المبررات مستغلاً حالة “الكوما” الشعبية وغياب حس الاعتراض لدى الناس. لو كانت المسألة متصلة برفع الدعم عن “الانترنت” لكنت وجدت الناس زرافات زرافات وتزحف في الشوارع، لكن أمر المحروقات، أي “عامود” الدولة الفقري، تغدو قضية فيها وجهة نظر!

بدأ الحديث عن نفاد الُخبز من الأسواق. الأمر ذاته ينطبق على مادة “الغاز”، وعن المازوت حدّث ولا حرج. هُناك “ثقبٌ أسود” في الجمهورية “يبلع” كل شيء، معلومٌ لدى العامة، مجهولٌ عند الأجهزة!. هنا، من كان يدّعي أن معركة “تجويع الشعب اللبناني” مُجرّد نظرية مؤامرة، عليه إعادة دوزنة حساباته!

على هذا الأساس، لم يعد القرار بتوليد “الأسواق السوداء” وتسليمها السوق الشرعي وإدارته مجرّد إتهام. ما كان يُخشى منه سابقاً من إجراءات “البنك الدولي” حيال تحرير سعر الصرف ورفع الضرائب وزيادة في نسبة المعيشة، أضحى أمراً واقعاً وربما بثمن أغلى مما يتوجّب.

سيعمّ منطق الأسواق السوداء إذاً. بالأمس، بلغت ربطة الخبز في أحد متاجر جبل لبنان 6250 ليرة! قبلها بيوم وحين سرى الحديث عن قرب فقدان “الغاز” ، “قفز” سعر القارورة بين 100 و 150 ألف ليرة لبنانية. فجأةً، ظهر أن ثمّة من يُخزّن الخبز والغاز كمثل من يخزّن المازوت والبنزين والمواد الغذائية، أو أنه يستفيد من تعويم الأخبار السلبية ليمارس هواية رفع السعر على كيفه. يحدث كل ذلك فيما مراقبو “حماية المستهلك” غائبين!

والأمن والغذاء يتقاطعان ويتلازمان عادةً. فقدان الغذاء يعني فقدان الأمن، وفقدان الأمن يعني نمواً وإزدهاراً للبؤر وتفشّي ظاهرة الإستغلال، السياسي والديني، ما يُمكّن أطرافاً مشبوهة من اجتياز حدود المجتمعات الغارقة في أزماتها وتأسيس واحات. بالمعنى اللبناني، يُصبح الأمر أكثر سلبية ربطاً بجهوزية البيئة “المتشظّية والمنقسمة” بين مناطق و ملل وطوائف وأحزاب، ويُنذر بما هو أسوأ على نحو نمو حالات التفلت الشعبي و”ولادة” زعامات وعودة قبضايات الأحياء، بكل ما فيها من مشهديات التعدّي وفرض الأمن الذاتي أو “مدفوع الأجر”،

هذه الصورة، ثمّة من يراهن على أخذ لبنان إليها ، إنطلاقاً من منطق التجويع الذي بات يفرض نفسه بإيعاز من “دول الحصار” ومساهمة أدواتها المحلية. ثمة جماعة جاهزة للإستثمار في حالة التجويع.

 

مصدرليبانون ديبايت - عبدالله قمح
المادة السابقةفواتير الإنترنت على 3900 ليرة الشهر المقبل في القطاع الخاص
المقالة القادمةالنفط الإيراني إلى لبنان في هذا الموعد!