قرار الحكومة المالي بين ضغوط الشارع والدول والصناديق المانحة

 

لا زالت بنود الموازنة الأساسية خاضعة للنقاش من دون أن تتوصّل القوى السياسية إلى توافق حولها، نظراً لاختلاف وجهات النظر بينها حول الإجراءات الواجب اعتمادها بالنسبة لمساهمة المصارف في خفض العجز وبالنسبة لمكامن تخفيض الانفاق، ونظراً لمترتّباتها المالية والاقتصادية الاجتماعية، لكن يبدو أن مقاربة الخطوط الساخنة باتت بحكم تحصيل الحاصل بعدما تقرّر الخوض في البنود الساخنة بدل المضي في تضييع الوقت في البنود العادية.

لذلك يقول أكثر من وزير إن النقاش سيأخذ مداه وبهدوء في الملفات التي تتعلّق برواتب وتعويضات ومستحقات الموظفين، والمتعلقة أيضاً بموضوع مساهمة المصارف، علماً أن المطروح حول إخضاع مصرف لبنان المركزي لوصاية أو سلطة أو مرجعية وزارة المال أمر دونه عقبات وصعوبات قانونية وسياسية كثيرة تجعل من الصعب جداً تحقيقه، حتى لو اختلفت وجهات نظر حاكم المركزي مع بعض المسؤولين الرسميين.

وفي حين يرى البعض أن العامل الضاغط على الحكومة بسبب الاضرابات والتحرّكات النقابية والقطاعية، قد يكون عاملاً معجّلاً في اتّخاذ القرارات حول تخفيض عجز الموازنة، يرى بعض الوزراء التقنيين كمنصور بطيش وعادل أفيوني أن الضغط الآن في غير محله لأنه لا يُعبّر عن حقيقة التوجّهات والنقاشات الدقيقة الجارية لكل بند بسيط أو كبير وأساسي وأن المطلوب الهدوء ليستمرّ النقاش حتى اتّخاذ القرارات وحينئذ يُمكن لكل الاتحادات والنقابات والهيئات التي تعتبر نفسها متضرّرة من القرار أن تمارس حقّها الاعتراضي.

كما أن رقابة الدول المانحة والصناديق الدولية على لبنان في هذه الأيام لمعرفة التوجّهات التي ستتّخذها الحكومة والتزامها بالمطلوب منها لخفض العجز ووضع سياسة مالية وإدارية جديدة للدولة، تشكّل عاملاً آخر من عوامل الضغط على الحكومة، نظراً للالتزامات التي تعهّدت بها في مؤتمر “سيدر” للحصول على الدعم المالي المطلوب للنهوض بالاقتصاد والمشاريع الاستثمارية.

ولذلك يقول أحد الوزراء لموقعنا إن المهمّ في إقرار الموازنة، أن تؤمّن للبنان استعادة الثقة الدولية باقتصاده، عبر إعادة هيكلة إدارات الدولة والإصلاح الإداري والمالي والقضائي والنقدي، وفي الوقت ذاته لا يتمّ المسّ بحقوق مكتسبة للموظفين أو الاستعانة بما بقي في جيوب المواطنين من مال ومدّخرات.

إنها معادلة صعبة أمام الحكومة حيث أنها مضّطرة للمواءمة بين متطلّبات الإصلاح الواسع المطلوب دولياً، وبين تأثيراته على وضع الموظفين والمواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وحيث تفيد مسودة مشروع الموازنة أنها ستمدّ اليد إلى جيوب المواطنين بالتخفيضات لرواتب الموظفين ومعاشات التقاعد، وبفرض بعض الزيادات في الضرائب والرسوم غير المباشرة كضريبة القيمة المضافة وزيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية وغيرها الكثير. فكيف ستنجو الحكومة من سندان الشعب ومطرقة الدول المانحة؟

بواسطةغاصب مختار
مصدرليبانون فايلز
المادة السابقةصندوق النقد الدولي: اقتصاد الإمارات عند نقطة تحول
المقالة القادمةماذا أنجز مجلس النواب خلال سنة؟