قرار قضائي يحوّل المرفأ إلى صندوق تعويضات!

فشلت خطة المصارف في بيع أصول الدولة عبر وضعها في صندوق سيادي مهمته بيع السيادة، فبدأ المنخرطون في هذا المشروع بتنفيذ خطة بديلة تقضي ببيع هذه الأصول بالمفرّق… والبداية من مرفأ بيروت الذي صمد في وجه الانفجار وتابع عمله، إلى أن تمّ تعطيله بالقوة عبر حجب الإيرادات عنه. ففي قرار قضائي صادر بتاريخ 4 آذار 2021، أمرت رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية نجاح عيتاني بإلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال العائدة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت وعلى الأموال العائدة لمن سمّتهم «الأشخاص الثالثين»، أي الشركات المستوردة عبر المرفأ، بالإضافة الى الأموال المحوّلة الى مصلحة الصرفيات في وزارة المالية. بمعنى أوضح، يوجب هذا القرار على كل الوكالات البحرية والمؤسسات والشركات المتعاملة مع مرفأ بيروت (حددت القاضية 21 وكالة بحرية وشركة) التوقف عن دفع رسوم عمل البواخر وشحن البضائع وما يرافقها من تكاليف الى إدارة مرفأ بيروت والاستعاضة عن ذلك بدفعها الى صندوق المحكمة.

الحكم الذي أصدرته القاضية عيتاني، جاء استجابة لطلب حجز مقدم من إحدى المتضررات من انفجار مرفأ بيروت نتيجة وفاة زوجها، وبوكالة من نقيب المحامين ملحم خلف و23 محامياً آخرين. أما المبلغ المطالَب به، فهو 2 مليون دولار أميركي والرسوم والمصاريف القانونية المقدّرة بـ200 ألف دولار. وقد تضمنت الدعوى الطلب بإلقاء الحجز على أموال إدارة واستثمار مرفأ بيروت، ممثلة بشخص ممثلها القانوني، إضافة إلى كل من: حسن قريطم، محمد العوف، شفيق مرعي، هاني الحاج شحادة، موسى هزيمة، نعمة البراكس وعبد الحفيظ القيسي. (من غير المعروف سبب اختيار هذه المجموعة من المدّعى عليهم).

ما سبق يتكامل مع القرار الذي أصدره المحقق العدلي السابق في جريمة المرفأ، فادي صوان، بادعائه على إدارة واستثمار مرفأ بيروت بناءً على نص المادة ٢١٠ من قانون العقوبات، المتعلقة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، والتي من شأنها جعل إدارة واستثمار مرفأ بيروت – كشخص معنوي – مسؤولة جزائياً عن أعمال مديريها وأعضاء إدارتها وممثليها وعمالها، ومسؤولة أيضاً عن الإلزامات المدنية التي قد يحكم بها لمصلحة المتضررين من شركات ملاحة بحرية وشركات تأمين وأصحاب سفن بحرية وأهالي ضحايا ومتضررين في المناطق المجاورة.

غير أن ثمة مشكلة رئيسية هنا، تكمن في عدم تحرّك إدارة مرفأ بيروت، رغم مرور 4 أشهر على الحكم الأول. مصادر الادارة تشير الى أن القرار الصادر في كانون الأول تسبّب في حالة ضياع في المرفأ. فقد حاولت الادارة استئناف القرار عبر محاميها، ليتبين لها أن هيئة القضايا في وزارة العدل، التي تمثل المرفأ، هي المخولة القيام بهذا الإجراء، علماً بأن «لا وجود لمحامين تابعين للإدارة، لكون غالبيتهم خرجوا الى التقاعد، وثمة مكتب واحد للمحاماة متعاقد معنا»، بحسب مصدر في الإدارة. ونتيجة هذا التأخير، «استغل المدّعون ضعف موقف المرفأ، ليرفعوا دعوى ثانية لم نتبلغها بعد، بل قاموا بتبليغ الحكم الى الشركات والوكالات».

امتناع 84 وكالة بحرية وشركة عن الدفع سيتسبّب في كارثة في المرفأ الذي لا يزال يملك أموالاً لتسديد أجور المتعهدين والموظفين وغيرهم، لكنه لن يصمد لأسبوع مقبل، خصوصاً أن الشركات المنتقاة تصنَّف جميعها في خانة الشركات الكبيرة، ومن بينها شركات وكالات سيارات باهظة الثمن، وشركات أدوية وشركات شحن وشركات نفطية وشركات تستورد ماركات ثياب عالمية. وهذه الشركات تقوم بدفع رسومها بواسطة شيكات مصرفية بالعملة الأجنبية، علماً بأن ثمة مشروعاً لدفع قسم من الرسوم المرفئية نقداً، لكنه لم يطبَّق بعد، وينتظر آليته التنفيذية.

حتى الساعة، ما نتج عن الكتب والاتصالات التي قام بها المسؤولون، مجرد وعود بالتحرك واستنكار لما صدر عن القاضية عيتاني، وللمقاربة التي تقدم بها نقيب المحامين ملحم خلف الذي ينوي تقديم ما يفوق 700 دعوى أمام المحقق العدلي ضد إدارة واستثمار مرفأ بيروت، الأمر الذي سيكبّد هذا المرفق عشرات ملايين الدولارات. وهنا ثمة سؤال عمّا دفع القاضية الى المطالبة بتعويض بالدولار، ولماذا حُدّد بمليونين وليس أقل أو أكثر؟ وإذا ما نجح خلف في المضيّ قدماً في هذه الدعاوى، فإن حجز الأموال الخاصة بالمرفأ سيؤدي حكماً الى توقفه عن العمل واستقبال السفن وتحويله من مرفق عام الى صندوق تعويضات، ليس فقط لذوي ضحايا انفجار المرفأ، بل لأي شخص أو مؤسسة ترى نفسها في دائرة المتضررين.

 

مصدرجريدة الأخبار - رلى ابراهيم
المادة السابقةتراجع حاد للبورصة المصرية
المقالة القادمةالقطاع الصحي يسقط بضربة الليرة القاضية