قرض البنك الدولي إلى المجلس النيابي: الضرورات تبيح المحظورات

مسألة قرض البنك الدولي (المخصص لتميول برنامج دعم الأسر الأكثر فقاً) لم تنتهِ بعد. توقيع وزير المالية للاتفاقية، بعد أن فوضه بذلك رئيسا الجمهورية والحكومة (موافقة استثنائية)، لا يعني أنها صارت قابلة للتنفيذ. إبرامها ينتظر موافقة مجلس النواب عليها. لكن المشكلة التي طرأت تتعلّق بالمادة الرابعة من الاتفاقية: «آخر موعد ليصبح القرض حيزّ التنفيذ هو 120 يوماً بعد تاريخ التوقيع». تلك مادة تتجاوز الدستور الذي يشير في المادة 52 منه إلى أن «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء… أمّا المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب».

كذلك، فإن المادة 88 من الدستور واضحة في الإشارة إلى أنه «لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهّد يترتب عليه إنفاق من مال الخزانة إلّا بموجب قانون». هذا يعني أن توقيع المعاهدة لا يكفي لتدخل حيز التنفيذ، حتى بعد انتهاء المهلة المحددة.

مسألة تحويل الاتفاقية إلى مجلس النواب، استدعت استنفاراً من نوع آخر. كيف يمكن تحويل مشروع قانون إلى المجلس في الوقت الذي يعرف الجميع أن الرئيس نبيه بري يرفض تسلّم مشاريع قوانين من حكومة مستقيلة، لأن ذلك لا يقع في خانة المعنى الضيق لتصريف الأعمال؟ وبالرغم من أن رئيس الحكومة لم يمانع توقيع المرسوم بإحالة المشروع بصفته رئيس السلطة التنفيذية، كانت رئاسة الجمهورية أكثر حذراً، على اعتبار أنه ليس لائقاً أن يوقع رئيس الجمهورية المرسوم، ثم تكون النتيجة رفض رئيس المجلس النيابي تسلّم مرسوم موقّع من قبله. لذلك تم التواصل مع دوائر المجلس النواب لاستطلاع رأيها، فيما كان وزير المالية حاسماً في التأكيد، في الاجتماع الذي عُقد في القصر الجمهوري بشأن القرض، أن بري يوافق على تسلّم المشروع.

في حالة الاتفاقيات الدولية يبدو الأمر أكثر دقة. المفاوضة والإبرام مسؤولية مشتركة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولذلك فإن تقديم اقتراح قانون للموافقة على الاتفاقية، كان ليبدو صعباً، بالشكل كما في المضمون. لذلك، يبدو أن رئيس المجلس اختار المخالفة الأقل سوءاً. وتحت خانة الضرورة القصوى والظروف الاستثنائية تسلّم مشروع القانون، وأحاله على اللجان المشتركة التي تعقد اجتماعاً الأسبوع المقبل لمناقشته، على أن يحوّل بعد الانتهاء من بحثه إلى الهيئة العامة، لتوافق عليه عند أول جلسة تشريعية.

وبعيداً عن الارتباك الذي سيظهر في سعر التحويل أثناء تنفيذ القرض، فإن ضغوطاً متعددة، كانت قد دفعت دوائر معنيّة لإعادة البحث في إمكانية دفع الأموال لمستحقيها بالدولار، إلا أن شيئاً لم يتغير في الاتفاقية، على اعتبار أن القرض هو قرض للحكومة اللبنانية، وهي يحق لها أن تدفع ما تراه مناسباً بالعملة الوطنية بعد التوافق مع المقرض.

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةتجار جونية يطالبون باعادة النظر في فتح الاسواق ضمن شروط المجلس الأعلى للدفاع
المقالة القادمة«الدولار الطالبي»: الأهالي وجهاً لوجه مع المصارف