على الرغم من إعلان MIC2 أو شركة تاتش، عن إطلاق مزايدة لتلزيم نظام الرسائل الـsms المرسلة عبر التطبيقات أو ما يعرف بـapplication to person، وإختزالاً A2P، إثر قرار صادر عن ديوان المحاسبة ألزمها بذلك، لا تزال الشكوك تحوم حول نيات مبيتة، بعضها كشف في دراسات داخلية، تصب نتائجها في غير الإطار الذي حددته لها الهيئات الرقابية. فماذا في التفاصيل؟
في 25 أيلول من العام 2023 الماضي، صدر تقرير عن هيئة الشراء العام يتعلق بخدمة الـA2P، على خلفية سؤال نيابي توجه به النائب ياسين ياسين إلى وزارة الاتصالات، أعقب مزايدة أجرتها شركة الاتصالات MIC1 أو ألفا، لُزمت من خلالها هذه الخدمة لشركة VOX SOLUTIONS بناء لقانون الشراء العام. العرض الذي قدمته VOX لألفا فتح الأعين على صفقة مشابهة لتلزيم الخدمة عبر شركة تاتش أو MIC2، جرت في كانون الأول من العام 2021، أي بتاريخ سبق صدور قانون الشراء العام، إلا أن ترسية الصفقة عليها تأخر 17 شهراً ليتزامن مع سريان قانون الشراء العام.
توصية بإعادة المزايدة
INMOBILES هي الشركة التي سرى عقد تاتش معها ابتداءً من شهر أيار من العام 2023، وسط شبهات أثارها التباين في عرضها المقدم للحد الأدنى من الرسائل التي ستوزعها، مع العرض الذي قدمته VOX SOLUTIONS لألفا، حيث بلغ مجموع إیرادات الخدمة المتوقعة عبر الأخيرة 17 مليوناً و900 ألف يورو، على فترة ثلاث سنوات، بمقابل عرض بمبلغ 7.4 مليون دولار عن ثلاث سنوات من قبل شركة INMOBILES، مع أن قاعدة مشتركي “تاتش” أكبر من “ألفا”.
أوصت هيئة الشراء العام بعد تسلمها ملف هذه الصفقة، بإعادة إطلاق المزايدة من ضمن قانون الشراء العام. إلا أن وزير الاتصالات جوني القرم لم يبد استعداداً للتجاوب مباشرة مع هذه التوصية، بل رد عليها بكتاب يتمسك بعقد تاتش مع INMOBILES، محاولاً جعلها مقبولة من خلال تعديلات على سعر الـSMS حتى يوازي بقيمته السعر الأفضل الذي قدمته الشركة المتعاقدة مع ألفا.
رأي ديوان المحاسبة
في الأثناء تسلمت الملف الغرفة الثانية في ديوان المحاسبة التي يرأسها القاضي عبد الرضى ناصر، بعد أن حوّل إخباراً لدى الديوان قدمه ياسين خطياً، ورئيس لجنة الاتصالات النيابية إبراهيم الموسوي شفهياً. ليخلص الديوان بنتيجة مذاكراته لكافة تفاصيل هذا الملف إلى قرار صدر في شهر كانون الثاني من العام 2024، أيّد بموجبه التوصية التي صدرت عن هيئة الشراء العام، والتي تلخصت بخطوتين حددت الهيئة ترتيبهما على الشكل التالي:
أولاً: تعديل العقد الموقع مع INMOBILES من قبل شركة تاتش بمفعول رجعي يسري اعتباراً من تاريخ نفاذه، لاعتماد السعر الإفرادي ذاته لـSMS والحد الأدنى السنوي نفسه لعدد الرسائل النصية المعتمدة في العقد الموقع من قبل شركة ألفا.
ثانياً: فسخ العقد مع شركة INMOBILES عند انتهاء المزايدة العمومية المفترض المباشرة بإجرائها فوراً ومن دون تأخير.
توقف الديوان في تقريره مطولاً عند تغاضي تاتش عن شروط قاتلة في قبول العرض المقدم من قبل INMOBILES، ولا سيما ما يتعلق منها بسنوات الخبرة في مجال رسائل الـSMS الدولية المرسلة عبر التطبيقات. ولم يرق للديوان التوصية التي أصدرتها لجنة تحقيق تشكلت إثر إعتراضات شركات عارضة على نتائج ترسية العقد على شركة INMOBILES متجاوزة خبرتها الناقصة. واعتبر في طلب اللجنة بتخفيض هذه السنوات من خمس إلى ثلاث، “محاولة لتبسيط الشروط المفروضة بشكل يتلاءم وخبرات INMOBILES للتأكد من إنجاح هذه الأخيرة بسهولة في حال الإضطرار إلى إعادة المزايدة.”
لم يحاول وزير الاتصالات مواجهة هذا القرار لديوان المحاسبة أسوة بما فعله في موضوع صفقة البريد التي ردها الديوان أيضاً. إلّا أن ذلك لا يعني بأن الوزارة ومعها تاتش شرعا فوراً لإعادة إطلاق مزايدة جديدة لهذه الخدمة.
مزايدة عامة
في شهر نيسان من العام الجاري توجهت الغرفة الثانية في الديوان بمذكرة إلى مدير عام شركة تاتش سالم عيتاني، طلبت من خلالها بإفادة الديوان عما اتخذته الشركة من إجراءات ومقررات تضع النظام الخاص بالرسائل النصية A2P على سكة التلزيم مجدداً، تحت طائلة محاسبة المسؤولين عن كل تأخير غير مبرر، يؤدي بشكل أو بآخر إلى تفويت أموال وإيردات على الخزينة.
فعلت المذكرة فعلها، وأطلقت الشركة الدعوة إلى مزايدة عامة عبر موقع هيئة الشراء العام في 16 أيار، أي بفاصل زمني امتد نحو عام عن توقيع عقد تاتش مع INMOBILES، وثمانية أشهر عن توصية هيئة الشراء العام. فحدد أول موعد لفض العروض في 11 حزيران الجاري، قبل أن تمدد هذه المهلة إلى 9 تموز المقبل ومن ثم إلى 16 منه.
إذا كنتم تعتقدون أن ما ذكر هي القصة الكاملة لصفقة تلزيم الـA2P عبر شركة تاتش، والتي انتهت إلى خواتيمها المرجوة بإعادة عملية التلزيم، فلا تستعجلوا الأمور، إذ أنه للحديث تتمة.
فما ذكر يبدو أنه ليس سوى الفصل الأول من محاولات التنصل من توصيات الهيئات الرقابية وقراراتها. وثمة عناوين للمرحلة التي وصل إليها هذا الملف، ربما تكشف عن مضامين ما يحضّر للمرحلة المقبلة، والتي تقترب من تعزيز القناعات، بأن موعد فض العروض الذي تأجل مرتين حتى الآن، قد لا يكون سوى مقدمة لمزيد من التأجيلات، مع خشية من تراكم أسباب “تهشيل” الشركات الموثوقة وعروضها المرجوة لهذه المزايدة.
الشروط القاتلة
هذه الشبهات ترتبط بشكل أساسي بالشروط القاتلة، أو المؤهلات التي حددها دفتر الشروط المنشور لإعادة إطلاق المزايدة عبر موقع هيئة الشراء العام. مع التنويه لكون النشر تم من دون طلب أي استشارة من الهيئة.
فتحذير ديوان المحاسبة من التلاعب بسنوات الخبرة، لم يكن كافياً لثني تاتش عن تقديم التنازل بهذا الشرط القاتل، وهي خفضت فعلاً سنوات الخبرة المطلوبة إلى ثلاث بدلاً من خمس سنوات. ولكن هذا ليس كل شيء.
الأمر النافر في المؤهلات المحددة بدفتر الشروط وفقاً لمصدر خبير بالقطاع، أنه تمسك حتى بعد إدخال التعديلات عليه بناء لطلب هيئة الشراء العام، بإدراج الحد الأدنى من خدمات رسائل ال SMS المطلوب تقديمها من ضمن الشروط القاتلة، محدداً إياها بـ46 مليون رسالة سنوياً، متراجعاً فقط عن تحديد سعر أدنى للرسالة، والذي كان مدرجاً أيضاً من ضمن الشروط القاتلة في الدفتر قبل تعديله، ويحدد بـ10.5 سنت من اليورو كسعر لانطلاق المزايدة.
هذا الشرط وإن كان ينطلق من العرض الذي فازت به شركة VOX SOLUTIONS بصفقتها مع شركة ألفا، إلا أنه ليس موجوداً بحسب مصدر خبير في موقعه الصحيح، لأنه شرط من الشروط التجارية وليس القاتلة، وهو لم يكن مدرجاً من ضمن دفتر الشروط السابق لهذه الصفقة، ولا هو أدرج في دفتر الشروط التي أعدته ألفا لصفقتها التي قبلت رقابياً، وهذا ما يجعل من إدراجه من ضمن الشروط القاتلة “تلاعباً خطيراً بشروط الصفقة القاتلة”.
نيات مبيتة
هذا في وقت يقرأ المصدر مبالغة في عدد الرسائل المطلوب تقديمها، وخصوصاً إذا ما قورنت توقعاتها بدراسات للسوق أظهرت أن العدد قد يصل إلى 31 مليون رسالة، وهذا ما أشارت إليه تاتش أيضاً في ردها على الاستفسارات من قبل العارضين المحتملين، والتي نشرت عبر موقع هيئة الشراء العام. مع التنويه إلى كون عرض الـ46 مليون رسالة التي إلتزمت به VOX SOLUTIONS تضمن أيضاً رسائل الـFLASH CALL، الأمر الذي ليس جزءاً من المزايدة التي أطلقتها تاتش. فكيف تتوقع تاتش من العارضين المحتملين إذاً تحمل مخاطر تأمين 46 مليون رسالة سنوياً بعد أن أدرجتها من ضمن الشروط القاتلة أو المؤهلة؟
حسب مصدر خبير متابع “يحمل تضمين الصفقة المعروضة لهذا الشرط من ضمن الشروط القاتلة، نيات مبيتة لتطيير التلزيم بذريعة عدم توفر المؤهلات في العارضين في مقابل إلغاء حصرية تقديم الخدمة عبر الشركة”.
تتعزز هذه الشبهات بظل ما تكشفه معلومات عن توجه تاتش، لفسخ عقد INMOBILES قبل 30 يوماً من انتهاء السنة الأولى من تاريخ سريان عقدها مع تاتش أي في شهر آب المقبل، وهذا يعني انها ستوجه كتاب الفسخ في 10 تموز المقبل أي قبل أسبوع من موعد فض العروض المحدد. وتتذرع تاتش بأن ذلك يقع في إطار أحكام المادة السابعة من العقد الموقع معها، الأمر الذي يناقض نص المادة التي تتحدث عن حق MIC2 بفسخ العقد قبل 30 يوماً من اتخاذها القرار بإنهائه، ولا تحدد ذلك بالسنة التعاقدية الأولى. بينما توصية هيئة الشراء العام كانت بأن يفسخ العقد في مهلة لا تتجاوز 30 يوماً من بعد استكمال عملية التلزيم الجديدة.
هدر الوقت والمال العام
تضع تاتش هذا التوجه من ضمن ما تسميه خريطة طريق، تكشف أنها ستقود في مرحلة ما بعد فسخ عقد INMOBILES إلى توقيع عقود غير حصرية لمقدمي خدمة A2P لحين إنتهاء إجراءات المزايدة العمومية التي تبدو الشركة متيقنة أنها قد تتأخر أو تأخذ حيزا من الوقت نظرا لمتغيرات السوق.
علماً أن هذا الإجراء الذي قد يجد سبلاً للتحرر من سلطة الهيئات الرقابية، مؤهل لفتح الباب أمام تلزيمات وعقود يصعب تحديد الأهداف من ترسيتها على جهات معينة دون سواها، إلى كونه وفقاً للمصدر الخبير منافياً للنموذج المعتمد عالمياً، ويرسخ معيارين مختلفين في كيفية إدارة الخدمة من قبل شركتي الاتصالات التابعتين لوزارة واحدة.
تعتبر تاتش أن لديها الأسباب الكافية لتحديد خريطة الطريق هذه، منطلقة من الإنعكاس السلبي لإلتزام INMOBILES “غير المؤهلة” على نوعية الخدمة ومردودها، وعدم إلتزامها بتعديلات الأسعار التي طلبتها تاتش، ولا بالحد الأدنى من الرسائل التي فازت على أساسها بالصفقة. فيما هذه الذرائع كما يتبين لا تعفي تاتش من مسؤليتها في المماطلة بتنفيذ خريطة الطريق الرقابية التي حددتها لها هيئة الشراء العام منذ ثمانية أشهر، والتي لو شرعت بتنفيذها لما اختبرت إخفاقات INMOBILES والأضرار التي ألحقتها بها. وهذا ما يضعها أمام مسؤوليتها في هدر الوقت والمال العام معاً.
فهل نحن أمام نموذج جديد من صفقة البريد المؤجلة؟ قد يمتد الحديث إلى فصل آخر من فصول هذه الصفقة، وللحديث تتمة..