لم يعد الخلاف على كيفية توزيع الخسائر بين الحكومة ومن وراءها من جهة، و”المركزي” والمصارف التجارية من جهة أخرى تفصيلاً بسيطاً. فالمعسكران المتمترسان وراء فلسفات اقتصادية واجتماعية وسياسية يختلفان على الكم والنوع. فريق الحكومة الاستشاري يقدّر الخسائر بـ241 تريليون ليرة، ستحسم من رساميل المصارف والمودعين، فيما تصر المصارف على ان الرقم لا يتجاوز الـ 120 تريليون ليرة في أسوأ الاحتمالات، وعلى الدولة ان تتحمل جزءاً كبيراً منه.
هذه العلاقة الجدلية تفجّرت بعد الجلسة الثالثة عشرة مع صندوق النقد الدولي، مهددة بتلغيم كامل مسار المفاوضات وإعاقة الوصول الى ضفة المساعدات المبتغاة. الخلاف الجوهري بين الفريقين المتناقضين، لم تعد تنفع معه جلسات “تبويس اللحى”. والاجتماعات العلنية تخفي محاولة كل طرف تغطية عيوبه والتقليل من خسائره بمحاولات شد “لحاف” صندوق النقد الدولي ناحيته. وتوضح مصادر اقتصادية لـ”نداء الوطن” أنّ الفريق المصرفي يصرّ على ضرورة تحمل “المقترض السيئ” مسؤوليته، من خلال اعادة جدولة الدين الداخلي وليس هيكلته والتوقف عن سداده نهائياً، والدخول في مفاوضات جدية مع الدولة لتحديد المهل الزمنية والاتفاق على الفوائد. إلا ان الطلب “المصرفي” فخخ بشرط تحويل كل الودائع إلى الليرة اللبنانية بما يعني Haircut مقنّعاً قد لا يقل سوءاً عن نية الدولة بشطب الديون والاقتطاع من رساميل المصارف والمودعين. وعلى الضفة الاخرى تعتزم السلطة ومعها داعموها الدفع باتجاه شطب ديون الدولة للمصرف المركزي والبنوك التجارية بجرة قلم. أما مبررات هذا السلوك فتتمحور بحسب المصادر حول ثلاثة اتجاهات:
– رسمي، يتعلق بطلب الصندوق تخفيض الدين العام من 170 في المئة من الناتج المحلي إلى أقل من 100 في المئة.
– شعبوي “ايديولوجي” يرتبط من وجهة المنظرين له بتحقيق المصارف أرباحاً طائلة نتيجة الفوائد المرتفعة والهندسات المالية في السنوات السابقة، وقد حان وقت دفع الحساب.
– سياسي، وهو الأخطر ويتمثل في انعدام النية الجدية بالاصلاح، وبالتالي المحافظة على منظومة الفساد والمعابر المفتوحة وتقاسم المصالح والمنافع. وهو ما يعني بالتالي “قولبة” الاقتصاد على قياس فريق معين، مع ضرب مصلحة بقية اللبنانيين والمودعين والمغتربين بعرض الحائط.
هذا الواقع يؤشر الى ان انعدام التوافق على الارقام ما هو في الحقيقة إلا اختلاف جوهري على الخطة بين فريقي المستشارين والمصارف، فيما ضابط الايقاع يقفز من جهة إلى أخرى من دون القدرة على ترجيح كفة فريق على آخر.
النتيجة الطبيعية لغياب الرؤية الواحدة والواضحة لتوزيع الأكلاف وتحديد كيفية النهوض بالاقتصاد وحماية المودعين صغاراً كانوا أم كباراً ستكون دراماتيكية… و”شد اللحاف” سيمزقه ليترك الشعب اللبناني عارياً تحت سماء الفقر والجوع والبطالة وانهيار القدرة الشرائية.